بقلم الإعلامي : علي عبد الرحمن
الثانوية العامة، بعبع الأسر المصرية، وحائط صد طلابها، والتي يذهب ضحيتها كل عام شبابنا مابين منتحر ومحطم ويائس من الحياة، ولقد ظللنا عقودا طويله نعبث بتجارب غير مدروسه في أخطر موضوع استراتيجي وهو التعليم، من خلال وزراء ووزارات وتجارب ومحاولات، ومايزال الوضع السئ مستمرا!!!
أما عن محاولاتنا في مضمار التعليم فقد بدأت منذ سنوات مابين جعل سنوات شهادة وسنوات للنقل العادي، ثم مواد تدخل في المجموع ومواد خارجه، والمصيبة هنا أن الدين مثلا خارج المجموع، مما أفرز لنا أجيالا لاتعرف فاتحة الكتاب، ومنهم غير الملتزم، ومنهم الملحد، ومنهم المتطرف، لأن منهجا أصيلا لم تتم دراسته ولم تتم العناية به لأنه خارج المجموع، ومما زاد الطين بله أن منهج التربية الوطنية أيضا خارج المجموع مما قدم لنا أجيالا لاتعرف ترتيب ألوان علم مصر، ولا أسماء قادتها، ولا أسماء بقاعها ومحافظاتها ومدنها، وأصبحنا نعاني من ضعف الإنتماء وتقهقر الهويه، وشباب بلا لون وطني، ومعظمهم رافض للواقع أو راغب في الهجرة، ودعم ذلك غياب دور الإعلام والجهات الثقافيه ورعاة التنشئة والتثقيف.
ورغم اهتمام دول العالم بالمحتوى التعليمي، وكان من الممكن أن نحضر محتوا مناسبنا لنا وندرسه، ولكن تعددت الأنماط التعليميه في حقل التجارب المصري، فهذه مدارس حكومية وأخري خاصة، وهذه مدارس دولية وشبه دولية، وهذه مدارس أمريكيه أو بريطانيه أو يابانية أو صينية، وليس المهم في الاسم أو نمط الملكية إنما المشكلة في المنهج التعليمي أو المحتوى، ويبدو أن المحتوي هو مشكلة قطاعات كثيرة في مقدمتها الإعلام والتعليم، ورغم أن دولا ناشئه حولنا اهتمت كثيرا بالتعليم، وأحضرت مناهج أجنبية وطوعتها لبلدانها مثل (قطر و الأردن والإمارات)، إلا أننا مازلنا في معضلة التعليم وسبب مشاكله، فتارة نتحدث عن ضعف الابنية والبنية الأساسية، وتارة حول ضعف مستوي التدريس، وأخري حول دخل المعلم وسطوة الدروس الخصوصية التي تلتهم دخول الاسر المصريهة، وتارة نتحدث عن المحتوى، وأخرى حول تجاربنا الفاشلة المتكررة.
ويظل ضعف البنية الأساسيه والكثافة وغياب دور المدرس وسيطرة الدروس الخصوصيه وطريقة التلقين لا الفهم هى ما أفسدت علينا حياتنا التعليمية قاطبة، وهذه الوسائل قدمت للجامعات طلابا لايجيدون كتابة حتى أسمائهم بشكل صحيح، ومازالت مسيرتنا التعليميه لاتفرز تعليما ولاتقدم معارف ولا تنتج كوادر تتحمل مسئولية الغد.
وإكمال لهذا التخبط ندعي محاربة الدروس الخصوصية والسناتر وهى موجودة بالفعل، وأنشأنا معاهد لتدريب المدرسين ولم يغير ذلك شيئا، ورفعنا أجور المعلمين ولم يمنع ذلك الدروس الخصوصية أو يقدم محتوا مفيدا في الفصول، ثم اضطرتنا (كورونا) لتعميم التعليم عن بعد وعانت الأسر والطلاب كثيرا ولكن الله سلم، ثم تغنينا بالتجربة الفنلندية في التعليم وأدعينا أننا نطبقها ونحن أبعد مانكون عن فنلندا وتجربتها، وتغنينا بوزيرنا – ويعلم الله كم كانت تدعو عليه أسرنا المصرية، وتظل العملية التعليمية في المدارس والجامعات وحتي العمليه البحثيه تسير وفق هوى القائمين عليها.
وأطلقنا هيئة مراقبة الجودة في التعليم، وأصبح مرورها شكليا كمرور الضيوف والزوار، ولدينا لجان ومجالس وخبراء ومازال تعليمنا بعافية شديدة، فلا تحصيل ولا فهم ولا كوادر، ولكن إنفاق واستنزاف هائل، ثم تأتي (أم المعارك) معركة الثانوية العامة، تارة المجاميع كلها عالية وأخرى المجاميع كلها منخفضة، وكأنه قرار يعمم لا طلاب يجتهدون، وحتي الآن لاتدري أسرنا المصرية إلي أي نمط تعليمي ننتمي، أو إلى متى نظل متخبطين هكذا.
وكالعادة لا أحد يشرح أو يفهم أهلنا ما مشكلتنا وما حلولها، حتي ظهرت نتيجة الثانوية هذا العام ونصف طلابها متظلمون من أخطاء نظامنا الآلي الذي لم يخطئ في أي بلد، وكأننا علمنا الحاسوب كيف يخطئ أو أفقدناه صوابه فضاع وتشتت وأفرز أخطاءا جسيمة، فالبعض من الطلاب يشكون تكرار أرقام جلوسهم!، والبعض يشكون ظلمهم في الدرجات، بل إن منصات التواصل مليئة بنوادر الثانوية العامة، فهذا طالب اعتذر عن الامتحان في مادة ونجح فيها رغم عدم حضوره الإمتحان، وهذا آخر حضر مادته ولم تدرج له درجات، وهذا طالب تم رفع درجاته من كنترول مدينته، وهؤلاء طلاب يخاطبون الوزير بقسوة، وغيرهم يدعون الله لينتقم لهم وغير ذلك كثير علي منصات التواصل.
وكالعادة دفاع مرير من الوزاره عن نظامها التعليمي ودقتها في الرصد والتصحيح، ويعلمون وهم يبررون أنه ليس لدينا نظاما وليس لدينا محتوى وأننا مليئون بالأخطاء، فماذا تفعل لجنة جودة التعليم؟، وماذا تفعل لجان التعليم بمجلس النواب والشيوخ؟، وأين خبراء التربية والتعليم والمناهج؟، وماهي المشكلة إذن في المنهج أو المحتوى أو التجربة أم في المدرس أم في الأبنية أم في الطريقه التعليمية أم في التصحيح أم في الدروس الخصوصيه أم في تأهيل المعلمين أم في الوزارة أم في الوزير أم في الطلاب أم في أسرهم أم في ماذا فتح الله عليكم خبراء التربيه والتعليم والمناهج؟.
ياساده التعليم أمن قومي، والتعليم خط أحمر، والتعليم أعلي شأن دولا كثيرة، والتعليم حاجتنا ومستقبلنا ومحتواه سمعتنا وهيبتنا، كفانا تجارب، استقروا على طريقة ملائمة وطبقوها، وجودوا في مفردات العملية التعليمية، ولتكن مخرجاتها أصح وأنضج، ولتكن خطة وطنية مستمرة يتناوب عليها الوزراء، لا وزراء يغيرون الخطط.
انه مستقبل أولادنا، ومستقبل وطننا حتي لايكون شعار طلابنا (زي ماروحنا، زي ما جينا، لا اتعلمنا،ولا اتربينا)، ولعلها آخر أعوام التخبط والتجريب بعج إقالة وزير التربية والتعليم، وبعدها تعليم أفضل لصالح أم الدنيا ومستقبلها، وتحيا دوما مصر أرض العلماء والرواد والخبراء، وتحيا مصر.