في عيد ميلادها: نجاة تسأل ونزار قباني يجيب عن الحب وكوليت خوري وعدم زواجه !
* المؤرخون للأعمال الفنية العظيمة يؤكدون أن الحب لعب فيها دورا هاما
* أنا شاعر كل أحاسيسه للحب، وليس في الحب ما يشين فهو أعلى عاطفة إنسانية
* الحب العذري رغم ندرة وجوده أطهر ألوان الحب
* لست زياد بطل (أيام معه) ولم أتعرف على ملامحي في ثنايا القصة!
* لم أشعر بميل للتمثيل ثم أن الدبلوماسية لا تسمح لي بالتمثيل
كتب : أحمد السماحي
من الأعمال الغنائية التى يمكن أن نطلق عليها أغنيات خالدة قصيدة (أيظن) كلمات الشاعر السوري الكبير نزار قباني، ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب، غناء نجاة الصغيرة التى شدت بها في شهر مارس عام 1960، واليوم في مناسبة ميلاد مطربتنا الكبيرة (نجاة* أطال الله في عمرها، ننفرد بنشر حوارها الممتع الرائع مع صاحب (أيظن) الشاعر المبدع (نزار قباني)، الذي حضر إلى القاهرة بعد النجاح الساحق الذي حققته قصيدته فاستغلت مجلة (الكواكب) هذه الزيارة، وقام الكاتب الصحفي (جميل الباجوري) المحرر الصحفي في المجلة بإجراء حوار بين نزار، وبين السيدة نجاة، مليئ بالرقي والجمال والذكاء والحب، ونشر في شهر يوليو عام 1960 فتعالوا بنا نعود 62 عاما لنستمتع بهذا الحوار النادر بين مطربة العاشقين، وشاعر الحب.
كان لابد أن يتم هذا اللقاء بين نجمين من نجوم أغنية الموسم (أيظن)، ولهذا نظمت مجلة (الكواكب) هذا اللقاء بين المطربة الرقيقة نجاة الصغيرة، والشاعر الدبلوماسي نزار قباني.
رن جرس الباب في مسكن نجاة الصغيرة، وأقبل علينا (نزار)، رجل فارع الطول، حلو الوجه، عريض الابتسامة حتى تحسبه يتعمد رسمها على شفتيه من فرط اتساعها، يرتدي بدلة أنيقة، وكرافتة أكثر أناقة، واستقبلته (نجاة) بترحاب كبير، ثم جلسا على أريكة متباعدين قليلا، فصاح زميلي المصور الذي كان قد استعد لالتقاط صور هذا اللقاء قائلا: لو سمحتم جنب بعض شوية علشان تخشوا في الكادر!، فضحك (نزار) قائلا لـ (نجاة) : (قربي يا ستي جنبي، وأمرنا لله، قربي ما تخافيش).
فاقتربت (نجاة) منه وهى تقول: كنا قبل حضورك نتكلم عن اسمك هل هو نزار بالشدة ولا من غير الشدة؟
نزار : اسمي (نزار) بكسر النون، والزاي من غير شدة!، وعمري 37 سنة، ومش حاسألك عمرك ايه رأيك؟
نجاة ضاحكة : من كم سنة وأنت تعمل في السلك السياسي؟
نزار: منذ 15 سنة، فبعد تخرجي في كلية الحقوق سنة 1945، انضممت للسلك السياسي، وعينت في القاهرة لمدة ثلاث سنوات، ثم ذهبت إلى تركيا، وعملت في أنقرة لمدة عامين ونصف، ثم إلى لندن وعشت فيها ثلاث سنوات، ثم عدت إلى دمشق بعد الوحدة مباشرة، ثم ذهبت إلى الصين، وهأنذا في طريقي إلى المكسيك.
نجاة: هل لك أشقاء؟
نزار : نعم لي ثلاثة أشقاء وأخت، (صباح) وقد اتجه إلى طريق الفن، وهو يعمل حاليا في تليفزيون دمشق، و(معتز، ورشيد)، وأخت اسمها (هيفاء) وهى متزوجة.
الباجوري تدخل في الحديث سائلا (نجاة): بعد نجاح أغنيتك (أيظن) هل ستغنين شيئا آخر لـ (نزار)؟
نجاة: بصراحة أنا لا أستطيع أن أغني لـ (نزار) في الوقت الحالي، فالموسم الواحد لا يحتمل مني أكثر من قصيدة واحدة، وعلى العموم هو يكتب لي قصيدة للموسم القادم.
الباجوري: وهل سيلحنها عبدالوهاب أيضا؟
نجاة: لا أستطيع أن أحكم الآن على ذلك حتى أرى القصيدة، قد لا تكون من اللون الذي يحب أن يلحنه (عبدالوهاب).
نزار: هل حقا إنك قبل أن تقدمي أغنية (أيظن) لعبدالوهاب قدمتيها لـ (كمال الطويل ومحمد الموجي)؟
نجاة: بالفعل قدمتها لكمال ثم إلى الموجي ورفضا تلحينها!
نزار: لو طلبت منك أن يلحن القصيدة القادمة (فريد الأطرش) هل ترفضين؟
نجاة: كما قلت لك أنني لا استطيع أن أحكم على من يمكن أن يلحنها قبل أن أراها وأشعر بها، ثم أنني يسعدني أن أغني من ألحان (فريد الأطرش).
الباجوري: انشغلت (نجاة) بحديث تليفوني، وانتهزت الفرصة وسألت (نزار) الفكرة السائدة هى أن الفنان لابد أن يمر بتجربة حب حتى يستطيع أن يعبر عنها؟
نزار: هذا حق، ولكن الحياة كلها حب، والحب تجده في كل شيئ، وحياة الإنسان العادي تمتلئ بالحب، فهو يحب أمه وهو طفل، ويحب أخته ووالده، وعندما ينضج ينطق باحثا عن حب آخر تمليه عليه طبيعته في أن يحب ويتزوج وينجب، والفنان إنسان لابد أن تمتلئ حياته بالحب، والمؤرخون للأعمال الفنية العظيمة يؤكدون أن الحب لعب فيها دورا هاما، بل أن تجربة الحب هى دائما الباعث على الخلق الفني والإبداع.
وكانت (نجاة) قد انتهت من الحديث التليفوني وسمعت الجزء الأخير من حديث (نزار) فقالت له: معنى هذا إنك كشاعر تعيش تجربة الحب قبل أن تحولها إلى شدو رقيق؟
نزار: وماذا فيما لو فعلت؟! إن طبيعة الفنان تدفعه إلى الانطلاق! والشعر أرهف ألوان الفنون حبا، ولن أكون بعيدا عن الحقيقة إذا قلت لك إنني مررت بالتجربة، فتجربة الحب بالنسبة للشاعر بوتقة تنصهر فيها عواطفه وأحاسيسه، وليس في الحب ما يشين على كل حال، إن الحب أعلى عاطفة إنسانية ولن تفتقديها كثيرا في دواويني الشعرية، ولا يخجلني أبدا أن أقول لك إنني شاعر كل أحاسيسه للحب.
نجاة: أعطني شاهدا من شعرك، بيت تعتبره قمة الحب؟
نزار: ذلك البيت الذي تغنيه لي: (حتى فساتيني التى أهملتها، فرحت به، رقصت على قدميه).
نجاة: ماذا تعني بالضبط في هذا البيت؟
نزار: بماذا فسرتيه أنت؟
نجاة: فسرته بأن الفساتين التى أهملتها منذ زمن بعيد، وأغلقت من ورائها دولابها فرحت تحية بعودته فلبستها لتعبر عن فرحتها.
الباجوري: الواقع أنني أجريت استفتاء حول تفسير هذا البيت فاختلفت في تفسيره الآراء؟
نزار: من المعروف أن الأشياء التى تحيط بنا تستمد حياتها من وجودنا عندما نكون سعداء، كل الأشياء التى تحيط بنا تزدهر وتسعد وتفرح، فحينما يتركنا حبيبنا يستحيل كل شيئ إلى موت، إلى رماد، ولكن مع عودة الحبيب العائد تستيقظ كل الأشياء التى كانت تحيا بوجوده، كل شيئ يستيقظ، الإحساس، الشعور، الدنيا كلها، ومن بين الأشياء التى استيقظت على مفهوم الحب القادم، الفساتين، أن قيمة الشعر أن تترك المفاجأة والخيال والوهم يلعب دوره في تفسيرها.
نجاة: ماهي أجمل قصة حب في التاريخ؟
نزار: القصة الخالدة المتكررة، قصة (روميو وجوليت)، (بول وفرجيني)، (قيس وليلى)، إن أجمل ما في الحب هو التضحية من أجل من تحب، وكل قصة حب تمتلئ بالتضحية فيها جمال خالد.
نجاة: معنى هذا إنك تؤمن بالحب العذري؟
نزار: أنت تنسين أنني شاعر، والشاعر ميال بطبعه إلى أن ينشد الطهر والكمال في كل شيئ، والحب العذري رغم ندرة وجوده أطهر ألوان الحب.
الباجوري: هل قرأت قصة (أيام معه) للأديبة السورية (كوليت خوري)؟
فابتسمت (نجاة) وهى تقول سؤال في الصميم يا نزار..
نزار: طبعا قرأت قصة (أيام معه)!
وترددت (نجاة) قليلا قبل أن تقول: يشيعون إنك بطلها، ويؤكدون إنك (زياد) بلحمه ودمه فهل هم محقون؟
نزار: الناس دائما يحاولون إعطاء العمل الفني ظلا من الحقيقة، ولن يزيد من روعة (أيام معه) أو ينقص من قدرها أن أكون أنا بطلها، أو يكون سواى من الناس هذا البطل!، ولقد تعرفت على (كوليت خوري) كفنانة موهوبة، ووجدت في قصتها عشرات من المشاعر والعواطف وأقول لك صادقا أنني لم أتعرف على ملامحي في ثنايا القصة!.
نجاة: لا تنسى أنني أغني انفعالاتك في (أيظن) وبوسعي كأمرأة أن أتبين أن (أيظن) ثمرة حب؟!
نزار: وهل أنكرت أن (أيظن) ثمرة حب؟!
الباجوري: البعض يتهم شعرك بالإباحية؟!
نزار: وأنا اسميه الشعر الحديث، والشعر الحديث يجب أن تأخذه بعين التسامح، أنا لا أدعي أنه اكتمل، هو لا يزال محاولات لتطوير الشعر العربي، وأنا أعطف على هذه الحركة، وهى كأي حركة تطور لها مميزات ومساوئ، إنها تحاول أن تعيش وتحاول من جانب آخر ألا تتخلى عن الغلاف الخارجي للشعر العربي، أننا ضيعنا من حياتنا قرونا في تكرار إكلشيهات قديمة، وبالإضافة إلى أن هذه الحركة ناجحة، فهي لا تزال تحتفظ بالقافية والبحور التى في الشعر العربي القديم.
وهمت (نجاة) أن توجه سؤالا لـ (نزار) إلا أنه قاطعها قائلا: إنتو يعني نازلين فىَ أسئلة، طيب مش تغدينا يا ست الأول!، فضحكت (نجاة) وقالت: (خلاص يا سيدي كلها دقائق ونتغدى بس يعني!).
نزار: ولا بس ولا يحزنون، إذا كان ولا بد أسألك أنا: أنا أعلم إنك بعد انقطاع طويل عن السينما عملتي فيلم (غريبة) منذ أكثر من أربع سنوات، فلماذا لاتعودين إلى الشاشة مرة أخرى؟
نجاة: أنا أهوى الطرب أكثر من التمثيل، ولكني سأعود للتمثيل مرة أخرى فأنا متعاقدة مع المخرج (حلمي حليم) على التمثيل في فيلمين متتاليين في هذا الموسم يبدأ أولها وهو (كانت أيام) في آواخر أغسطس، ومن بعده (اليتيمتين).
نزار: هل تؤمنين بكل ما تنشدينه؟
نجاة: طبعا فأنا أدقق كثيرا في اختيار أغنياتي قبل أن أغنيها، ولا أقدم على ذلك إلا بعد اقتناعي التام بكل كلمة فيها.
الباجوري: استأذنت (نجاة) لترد على مكالمة تليفونية فسألت نزار لماذا تركز في أشعارك على المرأة؟
نزار: المرأة هي نصف حياتي، وجدير بهذا النصف أن ينال اهتمامي، ومن جانب آخر لماذا لا تكون المرأة أساس الحياة.
الباجوري: وماذا يجذبك إليها؟
نزار: شيئ يميزها (عقد ياسمين) يترنح نشوان على جيد مرمري، صدر ناهد يزهو، عمق بعيد بعينيين، سحابة غموض تهيم فوق وجه جميل، وربما نظرة تحدي!
وكانت (نجاة) قد استمعت إلى هذا الجزء من الحديث فقالت: إن الأستاذ (العقاد) في كتاب له هاجم المرأة بشدة وجعلها أقل من الرجل بمراحل؟
نزار: أنا لا أدري كيف يهاجم المرأة وأمه كانت إمرأة!، أنا أخالفه الرأي، وأنا على طول مع المرأة، ومن رأيي أن المرأة ضحية، والرجل الشرقي مع الأسف لا يزال يمسك بمفتاح باب الحريم، وأتمنى على الله أن أرى المرأة تسترد هذا المفتاح!.
نجاة: ما هى ألمع صفات المرأة في نظرك؟
نزار: ليس على الأرض أرق من قلب المرأة إذا سكنه العطف، ولا شيئ في الوجود يرفع قدر المرأة كالعفة.
نجاة: أيهما أشد حبا وكرها من الآخر الرجل أم المرأة؟
نزار: أن قلب المرأة هو أسرع الأنسجة إلى العطب، كما أن أسرعها إلى الالتئام، ومن يستطيع أن يحكم المرأة يستطيع أن يحكم أمه!
نجاة: وأنت ألا تستطيع أن تحكم إمرأة؟
نزار: يا نهار! ايه السؤال اللي في الصميم ده ليه بقى كده؟
نجاة: لأنك رغم بلوغك 37 سنة ورغم إعجابك الكبير بالمرأة لم تتزوج؟
نزار: أنا أؤمن بأن الزواج قسمة ونصيب!
نجاة: ها تهرب في الحقيقة؟!
نزار: ينفع أن قلت لك أنني لم أصادف بعد التي أحبها حتى أتزوجها!
نجاة: إذن أنت تؤمن بأن الحب هو أساس الزواج؟
نزار: الحب والتفاهم.
نجاة: طب بلاش حكاية الحب دي، أنت شكلك مش بطال ألم تحاول أن تعمل في السينما؟
نزار: لم أشعر بميل للتمثيل ثم أن الدبلوماسية لا تسمح!
وهمت نجاة أن تلقي بسؤال آخر، ولكن (نزار) رفع يده وقال: لا يا نجاة كفاية بقى وحياتك أنا جعان جدا، وريحة الملوخية ملأت مناخيري، فضحكت نجاة وقالت: طيب يا سيدي سماح، اتفضلوا الغذاء.
وعند هذا الحد انتهى اللقاء فقد رفض (نزار قباني) أن يتكلم وهو على مائدة الطعام قائلا: أنا لما أقعد علشان آكل يبقى آكل بس ولا كلمة ولا حركة.