رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رحيل الموسيقار (إحسان المنذر) .. عراب راغب علامة وماجدة الرومي !

كان الراحل وترا من أوتار الموسيقى العربية الرائعة

كتب : أحمد السماحي
رحل أمس الموسيقار اللبناني الكبير المبدع (إحسان المنذر) عن عمر يناهز الـ 80 عاما ، واليوم ومن خلال هذا التقرير لن نبكيه بالدموع أو الكلمات لأنه لن يفارقنا أبدا فهو سيعيش بألحانه داخل نفوسنا ويسري في دمنا، وسيكون له التأثير الأكبر في صياغة عقول ووجدان أجيالنا القادمة، لأن قيمة المبدع الحقيقي تكمن في أعماله ويخطئ من ينعي مفكرا أو أديبا أو فنانا أو موسيقيا عظيما، لأن هذا معناه أن إبداعه قد مات، وآثاره التى حفرها في الوجدان قد انمحت.
كان الراحل وترا من أوتار الموسيقى العربية الرائعة، وبرحيله انكسر هذا الوتر، وانطوت صفحة من صفحات النوتة الموسيقية اللبنانية، و(إحسان المنذر) دون ألقاب أو تسميات أو تشبيهات قيمة وقمة، مبدع، ومنجم ألحان وأنغام، وجواهرجي أصوات، مكتشف أصوات، وطبق طائر حمل أصواتا مغمورة من على رصيف شارع الغناء وحواريه وأزقته، ووضعها في دائرة الضوء والشهرة والنجومية.
تغنت بألحانه كل الأصوات العربية الجميلة، مثل (صباح، ميشلين خليفه، ماجدة الرومي، راغب علامه، وليد توفيق، سميرة سعيد، وائل كفوري، رامي عياش، علاء زلزلي، سمية بعلبكي) وغيرهم من الأصوات العربية العذبة، وبعيدا عن كونه مبدعا حقيقيا وجدت عندما أقتربت منه وأجريت معه أكثر من حوار صحفي إنه إنسانا متواضعا، ويسعد جدا بأي كلمة إطراء أو إشادة، فرغم كل ما قدمه من جماليات لحنية وأنغام مبتكرة لم يدخله الغرور ذات يوم.

وعيت على الموسيقى في البيت فأحببتها

أب تاجر يهوى الموسيقى
مرحلة مليئة بالكفاح والأحلام والمعاناة والشجاعة والضعف والانتصارات والهزائم خاضها الموسيقار اللبناني المبدع (إحسان المنذر) الذي ولد عام 1942 لأب تاجر يهوى الموسيقى أكثر من البيع والشراء، وحاول أن يتعلم العزف على العود وأحضر أستاذ لتعليمه على هذه الآلة الشرقية، فى هذا البيت العامر باسطوانات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفيروز وغيرهم من أساطين الطرب ولد موسيقارنا الكبير، وهو في سن السابعة أحضر والده لشقيقه الأكبر آلة أوكورديون، لكن شقيقه لم يهوى العزف عليه، فكان (إحسان) يعزف عليه بدلا منه، وشغف به وكان عندما يستمع إلى أغنية في الإذاعة يحاول عزفها على الأوكورديون، وفي هذه الفترة تأثر بالموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب)، والأخوين رحباني، وأيضا الموسيقار الشاب وقتها إلياس الرحباني.

عام 1963 طالبا بالمعهد العالي لدراسة الموسيقى الشرقية

النكسة والسفر إلى إيطاليا
التحق (إحسان) في صباه بالكونسرفتوار الوطني، وفي عام 1963 حضر إلى القاهرة لتكملة تعليمه الموسيقى، والدخول إلى الجامعة ودراسة الاقتصاد والعلوم السياسية حيث كان والده ورغم عشقه للموسيقى والغناء يخشى عليه من إمتهان مهنة الفن، وفي القاهرة التحق (إحسان) بإحدى الفرقة الموسيقية كأحد أبرز العازفين على البيانو والأكورديون، لكن في عام 1967 حدثت النكسة، فرجع (إحسان) إلى لبنان ومنها سافر إلى (إيطاليا) وتعلم ودرس فن التوزيع، وهناك أسس فرقته الأولى، وكان يعزف على البيانو كثير من مؤلفات إلياس الرحباني خاصة مؤلفاته في فيلم (حبيبتي)، وهو في إيطاليا تزوج إيطالية للحصول على الجنسية حيث كان يتعرض لكثير من المضايقات بحكم أنه عربي!.

آخر ظهور اعلامي مع زاهي وهبي في بيت القصيد

ستوديو الفن
بعد عودته من إيطاليا تعرف عليه كلا من (سيمون أسمر، ورميو لحود) وقررا ضمه إلى برنامج (ستوديو الفن) لتولي قيادة الفرقة الموسيقية، وفي هذه الفترة بدأ مرحلة التأليف الموسيقى فقدم عدة مقطوعات موسيقية شهيرة منها (السهل الأخضر، رباب، وقصة ندى) وغيرها، وفي هذه الفترة تعرف على المطرب (راغب علامة) الذي لم يكن عمره يتجاوز الثامنة عشر.

لم يكن لدى مدير أو ميديرة أعمال تحمل إنتاجي

فرقة الإذاعة اللبنانية
أثناء ذلك أعجب بقدراته الفنية ومؤهلاته العلمية الموسيقار اللبناني الكبير (توفيق الباشا) فألحقه بفرقة الإذاعة اللبنانية كعازف أورج وبيانو، وشجعه حتى ترقى إلى مخرج إذاعي، ثم إلى خلافته في رئاسة الدائرة الموسيقية في الإذاعة اللبنانية عام 1985، وهناك أتاح له (الباشا) فرصة التلحين للمطربة القديمة (وداد) أغنية (عم بحلم بمدينة) كلمات الشاعر مارون كرم.

عمل قائدا لفرقة ماجدة الرومي لمدة عشر سنوات

ماجدة الرومي
كانت المطربة الكبيرة (ماجدة الرومي)، والمطرب راغب علامة هما أول أثنين يتعاون معهما الموسيقار (إحسان المنذر)، فقد تعاون عام 1977 مع (ماجدة الرومي) كموزع من خلال أغنيتي (خدني حبيبي على الهنا) كلمات هنري زغيب، وألحان نور الملاح، والثانية (عم يسألوني عليك الناس) لنفس الملحن، وكلمات مارون كرم ونال توزيع الأغنيتين إعجاب (ماجدة الرومي)، فطلبت منه التلحين فلحن لها أولا (يا نبع المحبة) هذا الدعاء الوطني الرائع الذي أبهرنا جميعا، من بعده توالت الألحان فغنت له (من زمان) شعر مارون كرم، و(الحلم الجايي) شعر هنري زغيب، (شبابيك الأمان) شعر عبدالغني طليس.
ونالت هذه الأغنيات نجاحا كبيرا، بعدها لحن لها مجموعة أغنيات للأطفال منها (العصفورة، عندي بيسي، اللعبة، الأم، الأكواريوم)، ثم (يا ساكن أفكاري) كلمات مارون كرم، و(كلمات) شعر نزار قباني، وغيرها فضلا عن بعض التوزيعات لبعض الأغنيات التى لحنها غيره من الملحنيين، لهذا كان من الطبيعي أن ترثيه السيدة (ماجدة الرومي) بكلمات غالية.

صداقة طويلة جمعت بين إحسان المنذر وراغب علامه

عراب راغب
كان (إحسان المنذر) صاحب فضل كبير على سوبر ستار العرب (راغب علامة)، وهو الذي أسس له مشروعه الغنائي بمجموعة من أغنيات البدايات التى أدخلت المطرب الشاب – وقتها – إلى قلوب الجماهير العربية، فأنا لا أنسى أنني كنت أضبط مؤشر الراديو عندي وأنا طالب صغير على إذاعة (مونت كارلو) لأسمع أغنيات المطرب الجديد (راغب علامة) التى كانت تذاع باستمرار في برامج (حكمت وهبي / أميجو العرب) و(هيام الحموي) وغيرهما، وفي هذا الوقت تعلقنا بمجموعة من الأغنيات الرائعة التى أحببتنا في صوت المطرب اللبناني الجديد من هذه الأغنيات (دي ليلة ورد، لو شباكك، الكتب العتيقة، صباحية حد، بكره بيبرم دولابك، راح طير حمام أو مبروك) وكلها كلمات الشاعر مارون كرم، ولنفس الشاعر غنى راغب أيضا فيما بعد (عقبال العايزين، الهدية، قولي لجيرانك، برافوا عليكي).
أما الأغنيات التى قام غنائها سوبر ستار العرب لشعراء آخرين من ألحان إحسان المنذر، فكانت (راجع لعيونك) كلمات بهاء الدين محمد، (يا لومي) كلمات توفيق بركات، (حقك عليا، وضوى الليل، عن جد) كلمات إلياس ناصر.

مع الصبوحة

مطربين آخرين
لم يقتصر تعاون إحسان المنذر على (ماجدة الرومي وراغب علامة) فقط لكنه لحن لعدد كبير من المطربين منهم المطربة (صباح) التى لحن لها (حاكم فينا) كلمات توفيق بركات، وغنت له نجوى كرم (الحق على) كلمات إلياس ناصر، (بلديات) كلمات منير عبدالنور، ولحن لميشلين خليفه (خد بالك) كلمات بهاء الدين محمد، جوليا بطرس (ع بالي) ووزع لها (وين مسافر)، ولحن للنجم العربي وليد توفيق اثنين من أجمل أغنياته (نتصارح، وليل الهوى) كلمات بهاء الدين محمد.
أما علاء زلزلي فغنى له (انت حرة) كلمات إلياس ناصر، (الشاطر ما يموت) كلمات عبدالغني طليس، (التقتك) كلمات مارون كرم، (ماتغنيش) كلمات بهاء الدين محمد.
كما لحن (الورد الأحمر) لوائل كفوري، و(مستعدة) للديفا سميرة سعيد، (لا أريد اعتذار) لسمية بعلبكي، (نهر الأيام) لورا عبس، وغيرهم من المطربين.

ساهم في انتشار آلة الأورج والعزف عليها

مؤلفات موسيقية
قدم إحسان المنذر العديد من المؤلفات الموسيقية التى تم تجميعها في أكثر من ألبوم منها (سارة، تلالنا، سوزان، ليالينا، عيون الغجرية، رقص الجواري، خيرية، سهرتنا، فالس، مشوار، رقصة ندى، مراكش)، وغيرها

فن حضاري
تميزت ألحان المبدع (إحسان المنذر) أنها ألحان نابعة من ذاته، وليست تجميع ولا مقتبسة، وألحانه فيه خصوصية لا تجمتع كثيرا في ملحن أنها تجمع بين اللون اللبناني والغربي، وموسيقاه فيها تحضر ورقي، أي فن حضاري.
رحم الله موسيقارنا المبدع (إحسان المنذر) الذي رحل بجسده فقط، لكن ستظل ألحانه ومؤلفاته الموسيقية وريادته في فن التوزيع والقيادة الموسيقية درس راقي لكل من يريد أن يتعلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.