بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
ظلت (تحيه كاريوكا) إلى آخر يوم في عمرها كلما ذكر أمامها اسم (سليمان نجيب) قالت على الفور (سليمان بيه نجيب)، وكان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير دار الأوبرا الملكيه وكان شاعرا وممثلا سينمائيا له أدواره التي يتقنها.. وكان فوق كل هذا شخصيه تحظى بالحب والاحترام مع كل الناس.
التقاها ((سليمان بك نجيب في أحد ستوديوهات السينما وكانت هى ما تزال في البدايه يعرفها الناس باسم (بدويه) بنت الإسماعيليه وقريبه الفنانه (سعاد محاسن)، وكانت فنانه معروفه صاحبه فرقه تمثيلية، وكانت هى التي أوصلتها إلى الست (بديعه مصابني) لتبدا مشوار حياتها من هناك راقصه في المجموعات بمرتب (خمسه جنيهات) كل شهر حتى أتيح لتحية أن تلقى فرصة عمرها عندما حضرت مع زميلة لها في فرقه (بديعة)، ذلك العرض الذي قدمه الفريق البرازيلي الذي كان يزور القاهره والذي قدم أمامه رقصة برازيلية اسمها (الكاريوكا)، أعجبت تحيه بفرقتها أكثر من مرة وتدربت عليها حتى أتقنتها ثم عرضتها أمام (الست بديعة) فأعجبتها فنقلت (تحية) من صفوف راقصات المجاميع إلى أن ترقص (سولو) في نمرة خاصه بها أعجبت الجمهور وظل في كل يوم يهتف طالبا تحيه لترقص (الكاريوكا) حتى أصبح اسمها (تحية كاريوكا) منذ ذلك التاريخ.
ونعود إلى (سليمان بك نجيب) الذي التقاها مصادفة تقدم مشهد أو مشهدين في أحد أوائل أفلامها وكان اسمها ما زال (بدوية) وكان اسمها في الفيلم هو (تادوجا) في روايه صوروها في السودان لتلعب (تحية) دور يشبه دور (طرزان) الذي تاه من أهله طفلا حتى وجدوه رجلا.. وهكذا تاهت (تادوجا) من أهلها طفلة ليجدوها شابه جميله تسافر بين الأشجار متعلقه بالفروع كما يفعل (طرزان) فالتفتت إليها الأنظار لرشاقتها وخفه ظلها.
أشار إليها (سليمان نجيب بيك) فذهبت إليه ليقول لها إنه معجب بشخصيتها الطبيعية كبنت بلد جدعة فيها شهامة وصراحهة، لكن فيها بعض العيوب لو سمعت كلامه كأب لها لأصبحت شيئا آخر.
اهتمت (تحية) بما يقوله (سليمان بيك)، وكانت تعرف قدره وصدقه فأصغت إليه وهو يعلمها ألف باء (الإتيكيت) في الأوساط الراقيه.
قال: أولا يجب أن يكون كلامك كله أقرب إلى الهمس فلا ترفعي صوتك دون ضرورة أو استعملي بعض الكلمات الأجنبيه البسيطه التي تفتح لك طريقك في هذا الوسط مثل(بردون، بونجور، بونسوار، وهاي وباي) والإشارة من بعيد، ولا تفتحي فمك أكثر فأنت لست في سوق تنادين على نعناع، والآن لنرى إن كنت قد تعلمتي شيئا مما قلته لك.
كانت (تحية) ذكية، سريعة التعليم، فرددت كل كلمة قالها لها سليمان بك بالحرف الواحد.
انتقل (سليمان بك) بعد ذلك إلى شكل شعرها وسألها أن تبحث عن كوافير قريب يبدأ معها مشوار تسريحات شعرها، وليكن أن تستعين ببعض زميلاتها حتى لا تبالغ في الموضوع، ثم انتقل إلى لبسها، فقال لها: إن ملابس الخروج غير ملابس السهرة غير ملابس الحفلات الرسميه غير ملابس نصف النهار، وهكذا بشرط أن لا تبالغي في أسعارها الآن، ولتكن زياراتك لمحلات (داوود عدس وشيكوريل، وشملا، وعمر أفندي) لترى وتسأل حتى تستطيع أن تختار وسيساعدها هو لو سألته في كل ما تريد.
ثم انتقل بعد ذلك إلى آداب المائدة، فطلب منها ألا تحدث صوت أثناء الأكل.. وتأكل ببطء، وأن تكون دائما السكين إلى يمينها والشوكة إلى يسارها، وأن تشرب الشوربه بدون صوت، وأن تقدم المعلقة، وأن تضع في فمها أقل كمية ممكنة حتى تستطيع أن تشربها ولا تلسعها حراره الشوربة، وحذرها من أن تنادي أو تشير إلى أي جرسون، فكل ما عليها أن تضع السكين إلى جوار الطبق والشوكة، كذلك ليعرفوا أنها قد انتهت من طعامها، كما حذرها من الحديث أثناء الطعام أو النظر إلى ما يأكله الأخرون، كما أوصاها ألا تلبس في قدمها الكعب العالي حتى تتأكد تماما من أنها تستطيع أن تسير به دون أي اهتزاز، وتبدأ مثلا بلبس الكعب بارتفاع 5 سنتيمترات ثم تبدأ بعد ذلك في الزيادة.
ولا حظت (تحية) أن كل ما قاله لها (سليمان بك نجيب) صحيح وحقيقي وضروري، ولكنه يحتاج إلى مراجعة ومصروفات، وأنه يمكن أن يكلفها الكثير، وشكت إلى (سليمان بك) من هذه المسالة فنصحها بأن تحترس من تكديس ملابسها وكل ما يخصها وأن تحافظ على كل ما تملكه، ثم نبهها إلى شيء مهم وهو أن أدوارها في السينما قد تبدأ تزيد وإن ارتدها قد بدأت تزيد كذلك، لكن مع كل ذلك فلابد أن تكون حريصة فيما وثقت به ولو في الوقت الحاضر حتى ينفتح أمامها المستقبل.
تقول (تحية) أستاذي ومعلمي المخلص والأب (سليمان بك نجيب) الذي حولني من بنت بلد اسمها (بدوية) صوتها عال وما في قلبها هو على لسانها في نفس الوقت وأنها صريحة وعلى درجة مخيفة من الصراحة، فهي تستطيع أن تقول للأعور أنت أعور وفي عينه ولا يهمها مهما تكون النتائج فهي جاهزة لها.
وكانت نصيحة (سليمان بيك نجيب) أن ذلك يمكن أن يكون في محيط الأسرة أو مع أصدقائها وصديقاتها (الأنتيم)، أما في الوسط الفني فالحال يختلف وسألها (مفهوم يا تحيه.. مفهوم يا بنتي؟).
وردت (تحية) مفهوم يا بابا ادعي ربنا يقدرني، ومرت الأيام والسنين وشيئا فشيئا تحولت (تحية) إلى الفنان الكبيرة صاحبة الكلمة.. وعاشت حياتها بالطول والعرض، لكنها لم تنسى أنها بنت البلد الإسماعيلاويه الهلالية التي تفوض أمرها دائما إلى الله.
.. وما زالت في الحكايات حكايات نحكيها عن تحية.