بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
في اعترافاته الفنية التي دونها في مذكراته يلقي المخرج الكبير (زكي طليمات) الضوء علي السنوات الأولى لنهضة المسرح المصري، يحدثنا فيقول ماهى الفرق المسرحية التي كانت تعمل بعد ثورة 1919، كان (جورج أبيض) يعمل ولكنه أثناء الثورة ذهب إلى بيروت واستمر (عبد الرحمن رشدي) يعمل وأيضا (آل عكاشة) والمسرح الهزلي كان يتزعمه (نجيب الريحاني) و(علي الكسار) في شخصية (بربري مصر الوحيد)، وبدا يقوم صراع بين الفرق المسرحية الهزلية نجيب الريحاني وعلي الكسار.
بدات المعركة على ما يجب أن يقدمه المسرح وما لا يجب أن يقدمه ثورة 1919، كانت ثورة على كل شيء، ثورة على الأجانب، ثورة على الحياة المصرية، على الملابس، علي المترجمات، أيضا في المسرح ثورة علي الاقتباس، ظهرت دعوات أن يقدم المسرح روايات تعكس الحياة الواقعية القائمة في مصر وأن الجمهور يريد روايات يجد نفسه فيها ولابد للطابع المصري أن يفرض وجوده.
قامت معركة كبيرة شاركت فيها دفاعا عن المسرح الجاد ووقعت في خصومة مع (بديع خيري) ساعة انتصر عليهم وأعلي صوتي في معركة كلامية من أعقد المعارك، النقد المسرحي لم يكن موجودا، في تلك الأيام كان يوجد الإعلان فقط، كل واحد له أعوان من الصحفيين يكتبون عنه ويصفقون له، هكذا كان حال المسرح في أعقاب ثورة 1919.
وأعود الي بداياتي كممثل كانت بداياتي مع عبد الرحمن رشدي في مسرحه وهو كان مثل اعلي للشباب وكان محامي ناجح انقلب الي ممثل عام 1912 وكان هذا التحول قد أحدث ضجة كبيرة، كيف يترك المحامي روب المحاماة ويشتغل بالتمثيل وكان (عبد الرحمن رشدي) يصرف لنا مرتب أنا و(محمد عبد القدوس وبشارة واكيم)، وكان أول دور لي في رواية (توسكا) دور مصور، وهى من أشهر الروايات التي قامت بها (سارة برنار) وقد صادفت نجاحا جيدا.
بعد هذا تركت (عبد الرجمن رشدي) واشتركت في فرقة (جورج أبيض) بأكبر مرتب وكان 12 جنيه، و(محمد عبد القدوس) كان ممثلا كوميديا من الطراز الأول وأنا كنت أقوم بالأدوار الجادة العاطفية، لكن في البدايات كنت مترجما ومقتبس، (روز اليوسف) كانت صاحبة الصوت الهامس النافذ الذي كان يشق قلوبنا، هى صغيرة الجسم لكنها إذا انفعلت علي المسرح تطول قامتها ونصبح نحن أقزاما، وللأسف لم تكن هناك تسجيلات صوتية في ذلك الوقت لكنني أحمل لها أعز الذكريات.
وكانت هناك وقائع هى حجر الزاوية في حياتي كانت (روز اليوسف) متزوجة من (محمد عبد القدوس)، ثم بدات الخلافات بين الاثنين وأنا كنت مشغول بحب جديد، وكانت (روز اليوسف) قد أنجبت (إحسان عبد القدوس)، وكانت هذه السيدة الفاضلة قوية ولها نظرة سليمة وإدراك للأمور وفطرة سليمة تجلت فى أدوارها علي المسرح، وكان يرعاها الأستاذ (عزيز عيد) المخرج الكبير علما وفنا، وأنا وجدت أنه من الفروسية ألا أتخلي عن (روز اليوسف) أمام تنكر زوجها لها، فقالت لي أترك التمثيل فتركته واشتغلت بالبكالوريا في وظيفة فى وزارة الأشغال وعملت في حديقة الحيوان لفترة من الزمن لكنني أعادتني الهواية الي التمثيل إلى جانب الوظيفة وإلى جانب أنني كنت ناقدا أيضا وكنت أكتب في الصحف تعليقات علي هامش الحياة المسرحية.
بدأت أكتب في جريدة المقطم بدون أجر لفترة استمرت شهورا، أما السيدة (روز اليوسف)، فقد حدث سوء تفاهم بينها وبين زوجها محمد عبد القدوس، وكنت أتدخل للتوفيق بينهما وهى كانت ماتزال تشتغل بالمسرح طلبها (يوسف وهبي) في (مسرح رمسيس)، وكانت هى من أسباب نجاح (مسرح رمسيس)، وكنت أنا من أشد المعجبين بها في ذلك الوقت، وعندما طلقت من (محمد عبد القدوس) تزوجتها، وقد لعبت دورا كبيرا في حياتي وأنجبت منها ابنتي السيدة (آمال طليمات).