مهرجان المسرح القومي ينطلق في كرنفال مبهج بالألون
كتب : محمد حبوشة
في كرنفال مبهج بالألون ووسط كوكبة من نجوم المسرح المصري، انطلقت ليلة أمس الأحد 24 يوليو، فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الخامسة عشرة، برعاية وزيرة الثقافة الدكتورة الفنانة إيناس عبد الدايم، وبرئاسة الفنان القدير يوسف إسماعيل، على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وقدم الحفل الممثل الكبير ضياء عبد الخالق، و كان مفاجأة في أداءئه، وذلك استمرارا لتقليد جميل أن يقدم الحفل ممثل عمل على خشبة المسرح، وكما هو معروف فإن المهرجان القومي للمسرح المصري يعرض نماذج متميزة مما قدم في فضاءات العرض المسرحي في مصر خلال عام، وذلك من أجل تأصيل ملامح المسرح المصري المعبر عن شخصية مصر، ونشر الرسالة التنويرية لبناء الإنسان المصري، وكذلك تشجيع المبدعين من فناني المسرح على التنافس الخلاق، وتحفيز الفرق المسرحية على تطوير عروضها فكريا وأدائيا وتقنيا، من أجل المشاركة في صناعة مستقبل أفضل للوطن.
أجمل ما كان في هذا الافتتاح هو العرض المسرحي (يا عزيز عيني) الذي أعده وأخرجه المخرج الكبير والقدير (عصام السيد) عن كتاب الفنانة القديرة صفاء الطوخي (عزيز عيد)، والذي جاء كتتويج لشعار المهرجان هذا العام في دورته التي حملت اسم (المخرج)، ولأن عصام السيد مخرج كبير وخبر تفاصيل الكواليس والخشبة فقد جاء تعبيره صادقا عن الفنان المخرج الكبير الراحل (عزيز عيد)، وهو ما تجلى في ثنايا العرض المبهر عن سيرة (عزيز عيد) كواحد من أشهر مؤلفي ومخرجي وممثلي المسرح في زمانه، والذي كان من رواد فن المسرح المصري (ولد في 1884 بمدينة كفر الشيخ وتوفي عام 1942)، وظل عشقه وحبه للفن عالق في قلبه حتى وصل إلى القاهرة وكون فرقة مسرحية مع (فاطمة رشدي) ليكون من أشهر الثنائيات الفنية. في ذلك الزمان.
ربما ترجع أصول (عيد) إلى لبنان، ولكن أسرته هاجرت إلى مصر واستقرت في كفر الشيخ، واشتغل والده بالزراعة والتجارية، وألحق عزيز بمدرسة فرنسية حتى يجيد اللغات ويستكمل الدراسة في الثانوية العامة والجامعة ليكون له شأن كبير، وأحب حب عزيز عيد للفن، جعله يلجأ إلى متابعة المسرح، ليصبح من أهم مؤسسي المسرح العربي، ومن ثم فقد ذهب عرض (عصام السيد) إلى أهم المحطات في حياة (عزيز عيد) الإنسان والفنان وعاشق القراءة لأمهات الكتب المسرحية باللغة الفرنسية وتجربتها على المسرح المصري، ونجح (عصام السيد) بحسه الفني رصد فكرة أن الأمور لم تجري مع (عيد) بهذا التألق والنجاح الذي يوازي موهبته.
العرض المسرحي الذي أطلق بداية فعاليات مهرجان المسرح القومي في دورته الـ 15، لعب على أوتار إنسانية في حياة (عزيز عيد)، وقد عبر جيدا عن معاناة عزيز عيد و(النحس) الذي كان يلازمه طوال حياته، حيث قال في أحد المشاهد إنه ظل أكثر من سنتين لا يمتلك ثمن فنجان القهوة، وكان يحلم بالذهاب إلى أمه كي يأكل من يدها (ببلاش)، لكنه خجله كان يمنعه أن تراه بهذه الحالة المزرية، ولعل براعة (عصام السيد) في رصد مأساة (عزيز عيد) تبدو فارقة في التركيز على شارع عماد الدين، الذي كان يهيم فيه (عيد) في ثياب رثة – هدومه مبهدلة وذقنه طويلة – وهو نفسه العبقري الذي أراد رفع مستوى المسرح الدرامي لفنان يمشي في الشارع وسط أجواء كئيبة ربما تصيب الإنسان بقدر من اليأس والإقبال على الانتحار، لكن إيمان (عزيز عيد) بالمسرح وجلده وإصراره على توصيل رسالته كانت كلها عوامل تؤكد أنه فنان من طراز رفيع لايتكرر في حمل رسالة المسرح التي يؤمن بها مخرج العرض (عصام السيد).
أعجبني جدا الفنان الموهوب (محمد فهيم) في تجسيد شخصية (عزيز عيد) بنعومة شديدة وحس عال بمعاناة واحد من فناني الزمن الجميل، ولقد جاء ذلك بلغة جسد راقية في إيماءته وحركاته البطيئة وسكناته التي تفجر طاقات هائلة من الحزن عن ذلك الإنسان المسكون بالألم والنحس اللذين ظلا يلازمانه طوال حياته، ما يؤكد أن (فهيم) فنان مجتهد وباحث عن أصدق التفاصيل في حياة الشخصية التي يلعبها على خشبة المسرح، وقد برعت إلى جانبه الفنانة الموهوبة (ابتهال الصريطي) التي بدت ممثلة شاطرة وجميلة في قيامها بدور (فاطمة رشدي) زوجة عزيز عيد ورفيقة رحلته وسنده الأقوى في الحياة والمسرح، إلا أن ابتهال أبهرت الجمهور بموهبتها المذهلة في الغناء، فكان مفاجأة رائعة بالنسبة لي من خلال أغنيتها التي كانت أحلى ما في العرض على مستوى الشجن والحنين للماضي برونقه وبريقه الآخاذ، أما (علي كمالو)، فقد كان فاكهة العرض بأدائه الذي يصاحبه الدم الخفيف والضحكة الحلوة كالعادة، وكذلك أجاد كل (ماهر محمود، حسن عبد الله، محمود الزيات، ميشيل ميلاد الذي غني هو الآخر بصوت عذب وشجي).
واللافت للنظر في نجاح هذا العرض هو الإخراج لـ (صاحب الدهشة الإبداعية) المخرج الكبير (عصام السيد) الذي أتقن التحكم في خشبة المسرح كعادته في إبداع، وهو نفسه الذي خاض تجارب مذهلة في المسرح المصري أبرزها مسرحية (أهلا يا بكوات) درة إنتاج المسرح القومي، وقد نجح في أصابة الجمهور بمتعة آسرة من خلال توظيف ديكور (محمد الغرباوي) حيث أبدع في الحركة على المسرح بلوحات ترصد أجواء شارع عماد الدين، وكذلك الشخصيات والأعمال التي جسدها (عزيز عيد على المسرح في رحلة حياته التي يكتنفها كثير من دراما المأساة لا الملهاة التي أمتعت الجماهير، وكذلك استعراضه للشخصيات التي لعبت أدوار مهمة في حياته، لتأتي كخلفية تؤكد على عمق الفكرة، وقد ساهمت سينوغرافيا (ياسر شعلان) في إبهار جمهور العرض عبر اسقاطات للإضاءة في موضعها الصحيح، وأيضا كانت ملابس (مروة عودة) لها تأثير كبير في إظهار عرض (يا عزيز عيني) على نحو أكثر من رائع.
بعد العرض المسرحي (يا عزيز عيني) اعتلى خشبة المسرح الفنان (إسماعيل مختار) رئيس البيت الفني للمسرح، مدير المهرجان لإلقاء كلمة، ومن بعده رئيس المهرجان الفنان القدير (يوسف إسماعيل)، واللذين تحدثا عن عظمة المسرح المصري بداية من جيل الرواد وحتى اليوم في التعبير عن قضايا وهموم الإنسان المصري، وأشاد كليهما بجهود الفنانة الدكتورة (إيناس عبد الدايم) وزير الثقافة، وثمنا دورها في رعاية الفن المصري ودعم القوى الناعمة المصرية، وبعدهما صعدت الدكتورة (إيناس) لتلقي كلمة قصيرة أشادت فيها بمخرج العرض المسرحي المبهر (عصام السيد)، مؤكدة على أن الفن المصري سيظل رافدا مهما في حياتنا من خلال إبداعه فائق الجودة ويبقى رائدا في المنطقة العربية كلها، ثم أعلنت إنطلاق الدورة 15 لمهرجان المسرح القومي.
جدير بالذكر أن دورة هذا العام كرمت 10 من رموز المسرح المصري وهم (المهرجان يكرم 10 قامات مسرحية في مجالات الإخراج والتمثيل والديكور هم : محمد صبحي، صبري عبد المنعم، عايدة فهمي، أمينة رزق، عبد الرحيم الزرقاني، عصام السيد، ناصر عبد المنعم، مراد منير، فادي فوكيه، أحمد إسماعيل).