كتب : محمد حبوشة
الرعب هو نوع واحد يشمل الكثير من الإثارة قبل أن يصاب الجمهور بالخوف، و من ناحية أخرى، ليس من الضروري أن تقوم الإثارة بمساعدة الرعب لتوليد التشويق في أذهان الجماهير، الرعب يجعل محاولة متعمدة لتخويف أو ترويع الجماهير باستخدام قوة شريرة أو خارقة للطبيعة، من ناحية أخرى التشويق في مؤامرة غالبا ما يكون ضروريا لخلق فيلم، ويعتقد أن صناع السينما يتخذون مساعدة من كل ما يستخدم لتخويف الأطفال، فإنها تجتذب المتعة في كونها إرهابية، عندما يرون الكسالى، وحوش، الشياطين إلخ، قتل البشر على الشاشة أنها مشاهد مليئة بالرعب، وهذا هو ما يضمن نجاح فيلم الرعب، ومن الممكن الحصول على التشويق مع قصة الجريمة دون أي رعب في حين أن أفلام الرعب عليها الاستفادة من التشويق لتوليد أهوال.
معروف أن مؤلفو أفلام الرعب في هذا العصر جمعوا بين الرعب والخيال في آن واحد، إلى أن أصبحت أفلام الرعب تلاقي رواجا كبيرا بين الناس، وفي أغلب الأفلام المخيفة أو كما تسمى (أفلام الرعب) يكون الهدف منها استحضار المشاهدين للكوابيس والمخاوف والشعور بالاشمئزاز من المشاهد المعروضة والخوف من الإرهاب الحاصل في الفيلم، وكذلك أيضا الخوف من المجهول، وفي معظم الأحيان تتضمن المؤامرات داخل هذا النوع من أفلام الرعب وجود قوة شريرة أو حدث بشع للغاية أو شخصية شريرة قد تتشابه مع إحدى الشخصيات في العالم اليومي، وتشمل العناصر المخيفة في أفلام الرعب انتشار الأشباح، ووجود الكائنات الفضائية، وظهور مصاصي الدماء، ووجود مجموعة من الذئاب الضارية المتوحشة، وظهور الشياطين، ووجود مهرج شرير، ووجود الكثير من الحفر العميقة، والتلذذ بالتعذيب، وظهور دائم للحيوانات الشرسة، ووجود السحرة الأشرار، وظهور وحوش عملاقة لا توجد أصلا على أرض الواقع، وظهور إنسان آكل للحوم البشر، وبعض أعمال المرضى النفسيين غير الطبيعية.
إلا أن فيلم (جدران) الذي يصنف ضمن فئة أفلام الرعب يخلو من كل تلك المحفزات على إحداث الرعب، بل لا ينتمي لأي من أنواع الرعب المعتادة في السينما الحالية، وذلك على الرغم من أنه يتناول قصة يفترض أنها مليئة بالغموض والتشويق، ويشارك في بطولته بجانب النجمة التونسية درة، نيكولا معوض، وفراس سعيد، وهند عبدالحليم، وأحمد بدير، وهو قصة ياسر صلاح، وسيناريو وحوار هيثم وأحمد الدهان، وإخراج محمد بركة، لكن من خلال المشاهدة المتأنية لم يتسرب إلى أي نوع من التوتر بشكل واضح كما في ثنايا السيناريو الذي جاء باردا في أحداثه ومساعيه نحو صناعة رعب حقيقي، إذ تحفز أفلام الرعب الشعور بالفضول والخوف من خلال الغموض والتشويق والصدمة التي توجد في الفيلم.
وبحسب مشاهدتي أرى أن صناع (جدران) يفتقدون حس المغامرة ولا يميلون لأفلام الرعب الحقيقي الذي يشعر المشاهد بالتوتر، إذ يعتمد نجاح أفلام الرعب على مدى قربها من واقع الجمهور، إذ إن مشاعر الخوف والرعب تزداد لدى المشاهد كلما وجد أن أحداث الفيلم مقاربة للواقع وذلك لأن المشاهد لأفلام الرعب تلك يعلم علم اليقين بأنها غير حقيقية، مع العلم أنها تتسبب بالرعب للمشاهد بفضل احترافية التصوير، بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية والبصرية، وكلها عناصر مفقودة في تجربة (جدران درة) التي على ما يبدو لي قد تصدعت بقدر هائل من الملل، بل تفتقد إلى شغف المشاهدة لأحداث تخلو من حبكة درامية يمكن أن تلفت النظر، فضلا عن أداء لايتسم بالسخونة، بل يجنح في أغلب مشاهد الفيلم إلى البطئ الذي أفسد أجواء الرعب المطلوب، أو حتى التراجيديا التي يهدف إليها الفيلم.
ذكر علماء النفس أن مشاهدة أحد أفلام الرعب مع الشريكة يجعل الأجواء مهيئة لإقامة علاقة أو الوقوع في الحب على أثر إطلاق مادة الدوبامين: إن الشعور بالخوف يطلق مادة كيميائية تسمى الدوبامين، إذ ينتج عن هذه المادة الشعور بالرضا إلى جانب الشعور بالحب والجاذبية، وتعد مادة الدوبامين العامل الكيميائي الذي يوصل للأدمغة البشرية أنها تحب شيئا وتريد المزيد منه، إن مشاهدة فيلم رعب مع الشريكة يجعلها تشعر بالأمان نتيجة للمشاهد المرعبة التي تظهر بين فترة وأخرى، ومع أنه لا يوجد خطر حقيقي إلى أن الرجل يشعر أيضا بالقوة نتيجة لاحتماء الشريكة به، بالإضافة إلى منحه فرصة تقديم الدعم لها، لكن فيلم (جدران) افتقد حرارة تسخين أجواء يمكن أن تكون فرصة لإطلاق مشاعر الحب أو حتى الكره، خاصة عندما لجأ مخرجه طوال الوقت إلى الإضاءة القاتمة التي تبعث على الكآبة وليس على الرعب كما تصور.
من الطبيعي أثناء مشاهدة أحد أفلام الرعب مع الشريكة أن تقام حوارات ومناقشات حول المخاوف التي تثار داخل عقليهما وهذه الأحاديث من شأنها أن تقوي العلاقة بين الشريكين، إذ يمنح فيلم الرعب العقل استراحة، ويعتبر الأشخاص الذين يشاهدون أفلام الرعب أقل توترا من الأشخاص الذين لا يهتمون بمشاهدتها، إذ إن الأدرينالين الذي يفرز أثناء المشاهدة يجعل الدماغ في فترة استراحة من التفكير، ولعل تأثير أفلام الرعب على المجتمع خلقت العديد من أفلام الرعب المبكرة حالة من الجدل الاجتماعي والقانوني، وهو ما لم نجده في فيلم (جدران) جراء بطىء الأحداث وعدم وجود انفعالات حقيقية تجسد الشعور بالانجذاب الذي تحدثه أفلام الرعب الأمريكية، وتلك آفة أفلام الرعب العربية بصفة عامة التي تخلو من الإثارة والتشويق لخلق حالة احتماء الشريكين ببعضهما البعض.
لم يغرق الخوف أدمغتنا بمواد كيميائية تشعرنا بأننا بخير في فيلم (جدران) فالشعور بالخوف في الطبيعة يحفز داخل أدمغتنا ما يسمى بتأثير (الكر والفر)، وأوضحت عالمة الاجتماع (مارجي كير) المتخصصة في دراسة الخوف: (عند الشعور بالخطر، يتفعل الحس التيقظي، يفعل شلالات من النواقل العصبية والكيميائيات التي تجعلنا نشعر بشعور جيد، إلى جانب عدد من الهرمونات أيضا، مثل الإندورفين والدوبامين والسيروتونين والأدرينالين التي تؤثر بدورها على عمل أدمغتنا وأجسادنا، ولكن عندما نعلم أننا آمنون في أثناء مشاهدة أفلام الرعب، فإننا نفسر ونستوعب حالة التيقظ هذه كتجربة إيجابية)، ويقول الدكتور لطفي أحمد المتخصص في علم اجتماع التحليل النفسي: (لا يمضي كثير من الوقت لندرك أن الخطر ليس حقيقيا، وأننا في أمان حقا، وهو ما يحول حالة الشعور من الخوف إلى الاستمتاع والضحك، ولهذا نسمع الكثير من الصراخ المصحوب بالضحك في قاعات السينما في أثناء عرض أفلام الرعب، وهذا أيضا لم يحدث للحظة واحدة في (جدران درة).
يقول الأستاذ المساعد في جامعة مانهاتن مايكل جرابوسكي: (عادة وعند مشاهدة هذا النوع من الأفلام، فإننا نثبط الجزء المسؤول عن حركة أجسادنا في الدماغ، إلا أن المحفّزات [التي تتأتى بفعل مشاهد الرعب الصادمة] تكون قوية للدرجة التي تجعلها تتغلب على نظام تثبيط الحركة، وتجعلنا نقفز أو نصرخ وهذا لأن الفيلم قد تجاوز حالتنا الهادئة (العقلانية) ووصل إلى غريزة البقاء البدائية لدينا، وهو ما يحفز لدينا استجابة أولية سريعة لحماية أنفسنا وتحذير الآخرين قبل أن نأخذ فترة بيننا وبين أنفسنا لمعالجة نوع التهديد أو الخطر، ويكون الصراخ هو وسيلة تنبيه الآخرين في نفس المجموعة الاجتماعية ووسيلة أيضا لإخافة المهاجم، لكننا افتقدنا في فيلم (جدران) الإحساس بالصدمة أو الصراخ المدوي المطلوب بفعل مشاهد غاية في الافتعال المصحوب بقدر هائل من الملل المركب.
الإثارة والرعب هى أنواع من الأفلام التي تشبه إلى حد كبير بعضهم البعض، بعد كل شيء كثير من الناس الحصول على الكثير من التشويق والإثارة مشاهدة الرعب، وبالمثل العديد من الأفلام التي تهدف إلى توفير التشويق للجمهور تحتوي على العناصر التي يمكن أن يقال أن تنتمي إلى الرعب بسبب تداخل الجوانب، لا يزال بعض الناس الخلط حول هذا النوع من الفيلم، ولكن هناك ميل بين معظمنا أن تكون مرعبة، ويستمد البشر المتعة من الخوف والرعب ولكن فقط عندما يعرفون أنهم لن يتعرضوا للأذى في الواقع، يذهب الناس لمشاهدة مثل هذه الأفلام على الرغم من معرفة أن كل ما يرونه على الشاشة ليست حقيقية، يشعرون بالارتياح طالما أنهم خائفون أثناء الفيلم بطبيعة الحال، هناك الأفلام التي تجعل الناس يصرخون وتشغيل للغطاء أو السلامة بين الأفلام كما يشعر كثيرون أنها لا يمكن أن تأخذ أكثر من الخوف.
وظني أنه علي مايبدو فإن صناع فيلم (جدران) لايعلمون أن التشويق و الإثارة هو نوع واسع جدا لأن البشر يستمدون التشويق أو يخرجون من العديد من أنواع الأنشطة، على سبيل المثال يمكن أن تتولد التشويق من خلال خلق التشويق حول الفضول لمعرفة القاتل في القصة هو ما ينتج التشويق، لكن (جداران) ترك المشاهد في البلبلة والغموض غير المدروس حول مقتل الأم، رغم أن هناك العديد الأفلام التي تسوق عديد من الطرق التي يمكن أن تتولد من خلالها أساليب التشويق في أذهان الجماهير، ومعظم هذه النوعية من الأفلام تأخذ مساعدة من التشويق حول القصة لخلق التشويق للجماهير، وقد أخذ صناع السينما في كثير من الأحيان اللجوء إلى الرعب لتوليد التشويق في أفلامهم طالما البطل أو البطلة هو بعيدا عن براثن الوحش والجماهير هى بسعادة غامرة، ولكن من التشويق يفسح الطريق إلى الرعب عندما يبدو الوحش هو الفوز في الفيلم، على العكس تماما مما حدث في وقائع فيلم (جدارن) الذي يمثل قمة الفشل.
وفي النهاية لست أدري لماذا الإصرار على إسناد كثير من الأدوار الصعبة والمركبة لـ الممثلة محدودة الموهبة (درة)، والتي تتمتع بكم هائل من البلاهة وجمود المشاعر، وفقدان التوهج المطلوب لإنتاج أفلام ومسلسلات لا تجنح نحو الواقع بقدر ما تذهب نحو الملل المركب، فليس هنالك عضلة واحدة في وجه (درة) تتحرك بحيث تشير إلى براعتها على التجسيد الحي، بل أن لغة الجسد عندها تفتقد إلى أبجديات العمل التمثيلي الفطري، ربما كانت (هند عبد الحليم، والفنان القدير أحمد بدير) يملكان قدرا معقولا من التجسيد وإحساسنا بالرعب المصحوب بالتوتر، لكن أخفقت درة في مجاراتهما على نحو يكسب الفيلم نوعا من المصداقية والسخونة المطلوبة في نوعية أفلام الرعب، ومعها على نفس الدرب (نيقولا معوض) الذي قدم أسوأ أدواره في عام 2022، مما أفقده بريقه في لعب أدوار تعكس خبرته التي توارت خلف كثير من الملل والاستهال.