اعترفات نجيب محفوظ عن (زقاق المدق) الذي هاجمه النقاد وأصبح من كلاسيكيات السينما !
كتب : أحمد السماحي
من الأفلام السينمائية التى تسللت بهدوء إلى وجدان وقلب الجمهور المصري بسبب عرضه المستمر في التليفزيون وقوة أداء أبطاله فيلم (زقاق المدق) الذي عرض في 21 سبتمبر عام 1963، ومنذ أن عرض هذا الفيلم وحتى الآن أصبح من كلاسيكيات السينما، ورغم أن قصة (زقاق المدق) عرضت مسرحيا وتليفزيونيا أكثر من مرة، وقام بإخراجها أساتذة كبار، وقام ببطولتها نجوم متميزين للغاية، لكن يظل توهج نجوم الفيلم حالة خاصة جدا، رغم ظلم الفيلم للرواية الأصلية، وتركيزه على بطلة الفيلم (حميدة) واختلاف نهاية الفيلم عن نهاية الرواية.
القصة بين الفيلم والرواية
تجري أحداث القصة في القاهرة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وتتدفق الحركة داخل نطاق زقاق من الأزقة الشعبية في المدينة، حيث ينتقل بنا المؤلف بين طوابق بيتين متلاصقين أو بين وكالة وقهوة وفرن أو بين دكان بسبوسة،وصالون حلاقة، وقد تتفرع الحركة بين الحين والحين في امتدادات طبيعية إلى أجواء أخرى خارج نطاق الزقاق بين الأحياء المجاورة أو بين الشوارع الصاخبة في العاصمة، وفي نطاق هذا الحيز العام للزمان والمكان تتلاحق فصول القصة وأحداثها ونلتقي بشخصيات متباينة التكوين النفسي، تتلون خصائص سلوكها الأخلاقي بألوان واضحة من الطيبة الضعيفة والشر القوي.
في فيلم (زقاق المدق)، نجد أنفسنا أمام بطلة الفيلم (حميدة) – التي تقوم بدورها شادية – يتيمة الأبوين، التى تعيش مع أم بالتبني تولتها بالرعاية بعد وفاة أمها حتى أصبح يطلق عليها (أم حميدة)، تراقب (حميدة) حارتها من النافذة وهى ناقمة على كل شيء وشخص، تكره كل تفاصيل الحارة أو الزقاق لأنه يذكرها بفقرها، وتبحث عن أي مهرب فلا تجده إلا بـ (عباس الحلو) حلاق الحارة الواقع في غرامها، ونظرا لجشعها المادي تجعله يسافر للعمل بعيدا عن الزقاق، وعندما يتركها لجمع المال اللازم للزواج تستمر في بحثها عن بدائل أخرى سواء كبير تجار الحارة أو الحل الأسهل عبر (فرج) القواد وهو شخص سيئ الأخلاق يزين لها طريق الغواية.
ضجة النقاد ورأي وهبه
بعد عرض الفيلم مباشرة أثيرت ضجة من النقاد السينمائيين ضد مخرج الفيلم (حسن الإمام)، الذي ركز على شخصية (حميدة) في الفيلم متجاهلا باقي أحداث رواية (زقاق المدق) وكذلك باقى شخصيات القصة الأصلية، مما دفع كاتب سيناريو الفيلم الأديب والكاتب (سعد الدين وهبة) لأن يخرج عن صمته ويرد على هذه الحملة قائلا: (عندما كتبت السيناريو لم أحاول التضحية بأى شخصية في القصة، وقد ركزت على شخصية حميدة ولم أغفل ما دونها حتى إنه عندما تم تصوير الفيلم وصل مدة عرضه 200 دقيقة فقام المخرج والمنتج بحذف 60 دقيقة كاملة حافظ فيها على دوري حميدة وعباس الحلو، وحذف قصص الشخصيات الأخرى، وهاجم النقاد حسن الإمام، ولو لم أكن أنا كاتب السيناريو الذى شوَّهه حسن الإمام لكنت هاجمته وهاجمت إخراجه للفيلم.
اعترافات نجيب محفوظ
في حوار أجري عام 1984 بين الكاتب والأديب (نجيب محفوظ) والنجمة (معالي زايد) في مجلة (الكواكب) أثناء قيامها ببطولة مسرحية (زقاق المدق)، قال (محفوظ): كنت طفلا في الثانية عشرة عندما تركنا حي الجمالية، وأقمنا في حي (العباسية)، كنت أشعر بحنين قوي للحي الذي نشأت فيه ورغبة ملحة في العودة إليه وإلى أصدقائي هناك، وكان لي صديق من شلة العباسية توقف عن الدراسة وعمل في محل (مانيفاتورة) بالغورية وكنا في العطلة المدرسية نذهب يوميا إليه في رحلة طويلة نمشيها على الأقدام ابتداء من ميدان (فاروق) – ميدان الجيش حاليا – ثم شارع الحسينية فبوابة الفتوح ثم شارع المعز حتى نصل إلى حي الغورية.
وهناك نبقى مع صديقنا حتى يغلق الدكان ثم نمضي إلى مكانه المفضل وهو (زقاق المدق)، ومنذ ذلك الحين عرفت (زقاق المدق) بفضل صاحبي هذا ومن اللحظة الأولى شعرت بحنين قوي بيني وبين هذا المكان، حنين جعل علاقتي به علاقة غريبة وتثير عواطف حميمة ومشاعر غامضة دفعتني إلى الكتابة عنها.
واعترف نجيب محفوظ في الحوار أنه لا يستطيع قتل (حميدة) كما ظهر في الفيلم لسبب بسيط هو أنها روح ورمز مصر، وبما أنها رمز لمصر لا يصح أن تموت، ولكن الذي يموت من أجلها الرجل الطيب الشريف الذي تفانى في حبها وهو (عباس الحلو) فمصر لابد وأن تعيش أبدا، وعلى الدوام، ويموت في سبيلها الناس الطيبون المخلصون.
أهم الأحداث السينمائية عام 1963
كان عام 1963 من الأعوام متوسطة الإنتاج السينمائي، لكن مليئة بالتجارب السينمائية المهمة، ووصل عدد الأفلام إلى 47 فيلما سينمائيا، كما كتب الناقد السينمائي الراحل (علي أبوشادي) فى كتابه (وقائع السينما المصرية في مائة عام) وإليكم أبرز ما حدث عام 1963.
** يشهد عام 1963 البداية الرسمية للقطاع العام السينمائي بصدور القرار رقم 48 لسنة 1963 بإدماج المؤسسة المصرية العامة للسينما في المؤسسة العامة للهندسة الإذاعية، وأصدر مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة الجديدة قرارا بإنشاء أربع شركات جديدة هى :
1ـ شركة الإنتاج السينمائي العربي (فيلمنتاج) تولى رئاستها المخرج صلاح أبوسيف.
2 ــ شركة الإنتاج السينمائي العالمي (كوبرو فيلم).
3 ــ شركة ستوديوهات السينما.
4 ــ شركة توزيع وعرض الأفلام السينمائية.
وتولت (فيلمنتاج) مسئولية السينما التسجيلية من خلال إدارة الأفلام التسجيلية بها.
** تم عرض أول أفلام من إنتاج القطاع العام وعددها ثلاثة أفلام هى (الأيدي الناعمة) لمحمود ذوالفقار، و(القاهرة في الليل، ومنتهى الفرح) لـ محمد سالم.
** عرض فيلم (الزوجة 13) للمخرج فطين عبدالوهاب في مهرجان فينسيا السينمائي
** انتقلت تبعية جريدة مصر الناطقة إلى التليفزيون العربي.
** انتقلت جمعية الفيلم إلى متحف العلوم بباب اللوق لتمارس نشاطها وعروضها هناك.
** أقيمت مسابقة الدولة السادسة للسينما لأفلام الفترة من 1959 إلى 1962 ووزعت مبالغ مالية قدرها 33 ألف جنية للفائزين الثلاثة من كل مهنة من مهن الفيلم السينمائي بالتساوي وبدون ترتيب، نال الجوائز 12 فيلما، حصل فيلم (دعاء الكروان) إخراج بركات على أكبر عدد فقد حصل على 5 جوائز.
………………………………………………………………..
الأفلام التى عرضت عام 1963
عرض عام 1963 حسب موسوعة أفلام السينما المصرية للناقد السينمائي والباحث (محمود قاسم) 47 فيلم نافس بعضها بقوة فيلمنا (أم العروسة)، وهذه الأفلام هي: (الحقيقة العارية، الليلة الأخيرة، الأيدي الناعمة، أم العروسة، زقاق المدق، الساحرة الصغيرة، البدوية العاشقة، الباب المفتوح، عروس النيل، حياة عازب، عريس لأختي، جواز في خطر، النشال، رابعة العدوية، بطل للنهاية، الناصر صلاح الدين، المجانيين في نعيم، قصة ممنوعة، أميرة العرب، لا وقت للحب، أيام زمان، المتمردة، اغفر لي خطيئتي، سر الهاربة، شفيقة القبطية، عائلة زيزي، النظارة السوداء، شقاوة بنات، رجل فى الظلام، طريق الشيطان، من غير أمل، شباب طائش، القاهرة في الليل، نار في صدري، سجين الليل، سنوات الحب، الجريمة الضاحكة، منتهى الفرح، إمرأة على الهامش، العريس يصل غدا، صاحب الجلالة، الشيطان الصغير، الحسناء والطلبة، ثمن الحب، زوجة ليوم واحد، حب لا انساه، بائعة الجرايد).
………………………………………………………………..
بطاقة الفيلم :
إنتاج : رمسيس نجيب
السيناريو والحوار: سعد الدين وهبة
مصور فوتوغرافي : علي جمال الدين
مكياج : رمضان إمام
مونتاج : رشيدة عبدالسلام
مهندس الديكور : حلمي عزب
التوزيع للعالم : المتحدة للسينما صبحي فرحات
تم الطبع والتحميض باستديوهات ومعامل : ناصيبان
الموسيقى التصويرية : علي إسماعيل
مساعد المخرج : أنور الشناوي
الإخراج :حسن الإمام
فريق عمل الفيلم : (شادية، حسن يوسف، صلاح قابيل، يوسف شعبان، عقيلة راتب، سامية جمال، محمود شكوكو، محمد رضا، توفيق الدقن، عبد الوارث عسر، ثريا حلمى، عبد المنعم إبراهيم، عدلي كاسب، حسن البارودي) وغيرهم.