كرم الشعراني .. ممثل قادر على التلوين الأدائي وإدهاش المتفرج
بقلم : محمد حبوشة
يحلم الكثير من الأطفال والكبار بأن يصبحوا ممثلين لامعين، لكن مسألة أن تصبح ممثلا ناجحا تتطلب الكثير من الوقت والصبر والتفاني والمهارة والموهبة، وحتى تنجح في كل ذلك، ينبغي عليك تعلُم قواعد التمثيل والعمل على صقل مهاراتك وموهبتك في المقام الأول، ثم الالتحاق بفريق مسرح لتحصل على الخبرة اللازمة في فن التمثيل، وبمجرد حصولك على قدر مناسب من المعرفة والخبرة، يمكنك البدء في البحث عن تجارب الأداء لتمثيل الأدوار، وعليك الوثوق بنفسك والتغلب على الخجل والخوف من الوقوف أمام الجمهور، والتحدث بصوت مرتفع وتدرب على امتلاك حضور مسرحي جيد، كما ينبغي عليك النظر للأمور من مختلف الزوايا حتى تتمكن من تقمص الشخصية بشكل جيد
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) الفنان السوري الشاب (كرم الشعراني) هو واحد ممن شربوا مهنة التمثيل في المسرح في بيته من خلال والده الممقل المسرحي الكبير على طريقة (ستانسلافسكي)، وقد رسخ في ذهنه أن طريقة التمثيل هى مجموعة من التقنيات التي تعتمد على تدريب الممثلين لتحقيق توصيف أفضل للشخصيات التي يلعبونها ، كما صاغها Lee Strasberg تعتمد طريقة Strasberg على فكرة أنه من أجل تطوير فهم عاطفي ومعرفي لأدوارهم، يجب على الممثلين استخدام تجاربهم الخاصة للتعرف شخصيا على شخصياتهم، وقد اعتمد على جوانب نظام ستانيسلافسكي، واعتمد تقنيات التمثيل الأخرى أيضا على أفكار ستانيسلافسكي، مثل تلك الخاصة بـ Stella Adler و Sanford Meisner ، لكن هذه لا تعتبر (طريقة التمثيل) بقدر ما يضيف إليها الخبرة التي تعتمد على الموهبة.
ومن خلال متابعتي لرحلة الفنان (كرم الشعراني) القصيرة، يمكنني القول بأنه يدرك جيدا عدة أشياء في حرفة التمثيل على نحو جيد، ومنها يجب أن يتوافر فيه الإحساس و قوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، وأن يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية و منطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا، كما ألحظ أنه من دور لآخر يتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئته ويتقمص الشخصية التي يمثلها، كما أنه يمتاز بعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية .
ومن أبرز صفات (الشعراني) أنه يخلص للدور الذي يؤديه، حيث يعيش في مجتمع الدور و بإحساس صادق، ويحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، و على هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية، والشعراني في هذا عادة ما يكون ملما بأغلب المشاعر والأحاسيس، فالممثل لا يستطيع أن يؤدي الدور بإحساساته الشخصية وحد ، بل لابد أن تكون لديه قوة التخيل و الإعداد اللتين تساعدان الممثل على أن يصب كل أفكاره في دوره بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج .
ومن ضمن المميزات التي يتمتع بها الفنان الشاب الموهوب (كرم الشعراني) هو أنه يدرك الحياة حق الإدراك ويضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحساس والتعمق في كل لحظة من اللحظات تأدية الشخصية بملامحها وحركاتها وحواراتها وإيماءاتها ونظراتها، انطلاقا من أنه يجب على الممثل أن يفهم تمثيل الإحساسات أو الإنفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث ولا يحتاج إلى تصنعها والتكلف بتمثيلها، فكلما أحب الممثل دوره وأخلص له ظهرت الشخصية وهدفها الأساسي بنقل أفكار المؤلف وأحاسيسه للمشاهد، كما يتوفر لديه قدرا من الإلهام: فيجب على الممثل أن يعيش في الشخصية التي يمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عن الشخصية الطيبة، ولابد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها، وهو ما تجلى في أدائه مؤخرا لدروري (أو مريم) في مسلسل (كسر عظم)، و(عزمي نسوان) في (جوقة عزيزة).
إن من مكونات الممثل المتميز (كرم الشعراني) في الأداء تتوزع بين المرونة الجسدية والصوت المعبر والحركة والتعبير والخيال والاحساس بالصدق في تقديم الشخصية لخلق صورة مؤثرة لكي يستطيع التأثير الناجح على المتلقي، ولابد أن يعرف الممثل الشخصية التي يحاول أن يقوم بها أو يحققها على خشبة المسرح أو شاشتي السينما والتلفزيون، ويجب أن يعرف أين موضع شخصيته بالنسبة للظروف الزمانية والمكانية وظروف الشخصية التي تسبق أحداث الشخصيات الأخرى ومواقفها، ولهذا فإن الممثل الشاب (كرم الشعراني) يكون قادرا على الإفادة من تجربته الحياتية الماضية في تنشيط الذاكرة الانفعاليه لديه ليستطيع اختيار الموقف والانفعال المناسب لدوره في التلفزيون تحديدا، تلك التي هى عبارة عن حصيله تجاربه الحياتية والارتقاء بها على مستوى جمالي ليؤثر على المتلقي وتساهم في أعطائه قوة دافعة تساهم في إعادة الخلق وتحديد الأهداف الصغيرة والكبيرة في العمل الدرامي وتثبيت الحركات الضرورية، كما أنه يهتم بالحركات الفنية والجمالية وهى الحركات التي تهتم بالتكوين والتصوير وتهدف الى تقديم رؤية واضحة للمتلقي تساعد الممثل على أن يكون مركز مهم يساهم في أبراز الفعل والحدث في العمل الفني.
ولد كرم الشعراني في مدينة (سلمية) بريف حماة سوريا، وقد اهتم بالتمثيل منذ صغره فقد كان والده ممثلا مسرحيا في (شركة دمشق للمسرح) المتنقلة، ولقد شارك في معظم العروض التي قدمت في مختلف الأقاليم، وعندما كان (كرم) يراه في كثير من الأحيان وحده في المنزل يستعد للبروفات يكون ذلك أجمل بالنسبة له تفاجأ وأعجب بالموقف أمامه، وزاد هذا الإعجاب معه حتى تمكن من دخول الأكاديمية العليا للفنون المسرحية بعد أن درس في كلية الإعلام لمدة 3 سنوات، وتحت إشراف الممثل القدير (عبد المنعم عمايري) تخرج عام 2011 من المعهد العالي بقسم مسرح، وعرض مسرحية (سيليكون) التي هيأته للانطلاقة الأولي في عالم التمثيل.
(كرم الشعراني) لديه ثروة من المواهب ومعروف بعفويته، ورغم أن ظهوره تزامن مع الحرب الوحشية ضد سوريا إلا أنه قدم أداءا جيدا في ظل ظروف صعبة وفرص محدودة، لذلك عبر مواهبه يعد واحدا منهم أهم ممثلي الشباب في الدراما السورية، ويرى الممثل السوري كرم الشعراني أن جماليات مجال الفن والأداء هى دراسة وتقديم أشياء جديدة ومتنوعة بعيدة كل البعد عن شخصية وأفكار الممثلين، ويؤكد أن السر الأول والأخير هو إيجاد الشخصيات والأدوار في جميع التفاصيل، يمكن للممثلين استخدام هذا لترك بصمتهم .
بعد تخرجه من المعهد شارك (كرم الشعراني) في الكثير من الأعمال، ولأنه من الأشخاص ذوي المكانة التسويقية والترويجية الخاصة فقد انطلق في طريقه بحماس وتعب كبير، ابتداء من دوره في مسلسل (الولادة من الخاصرة) للمخرجة (رشا شربتجي)، حيث جسد في شخصية (زياد)، وتوالت عليه الأدوار بعد ذلك، فكان من بين الشباب الذين توفرت لهم الفرص لدخول الوسط الفني من أوسع أبوابه، ثم أبدع في كثير من الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية والمسرحية.
لفت نظري في موسم رمضان 2022 الأداء العالي الخاص، والحفر على الشخصية، واللذين جعلا من الممثل السوري (كرم الشعراني) بطلا من أبطال العمل الدرامي (كسر عضم)، كما ظهر بشكل متميز في (جوقة عزيزة) من خلال أدائه لدور راقصة شرقية، فهو ممثل شاب استطاع يقف إلى جانب الفنان الكبير والقدير (فايز قزق) بثقة وندّية، واستطاع أن يصل إلى أعماق الشخصية مع (سلوم حداد ونسرين طافش) في (جوقة عزيزة)، ويعيدنا إلى شخصيات (ماكبث) أو (عنبر) تشيخوف، فبين دقيقة وأخرى يستطيع أن يغير ملامحه ونظرته وصوته أيضاً، وقد وصف بـ (الثعلب) و(الشيطان) كونه اليد اليمنى لـ (الحكم) ضابط الأمن (فايز قزق) في (كسر عظم)، وبنعومة ولين في شخصية (عزمي نسوان) في (جوقة عزيزة)، وأكثر ما يميزه التلوين في الأداء، ولغة الجسد، والصوت.
أجاد (كرم الشعراني) في الحفر على شخصية رجل الأمن الانتهازي، الذي يبرر كل شيء، وينفذ أي شيء، دون أن يرف له جفن، وفي ذات الوقت قبض على شخصية (الراقصة) باحترفية، وليس غريبا هذا على ممثل جاء من المسرح، وأثبت موهبته بالساحة الفنية على الرغم من ظهوره في السنوات الأخيرة في الدراما السورية، لكنه استطاع أن يلفت الأنظار إليه بعفويته تارة وفي شره تارات أخرى، مؤكدا سر نجاح أي شخصية يقوم بالبحث في تفاصيلها وعوالمها، ومن يرى كرم في مسلسل (كسر عضم) لايستطيع تصديق دوره في مسلسل (جوقة عزيزة)، حيث يؤدي (كرم الشعراني) دور (عزمي نسوان) و هو ابن (حمدي حميها) الذي يمثل شخصيته سلوم حداد، وشخصية (عزمي نسوان) هى عبارة راقص مثل النساء في الجوقة التي يديرها والده حمدي حميها، ورغم أن الدورين بعيدين كل البعد عن بعضهم إلا أن كرم الشعراني أبدع في كلا الشخصيتين، وهو ما جعل عددا كبيرا من المتابعين يعبرون عن إعجابهم بأداء (الشعراني) وموهبته الكبيرة.
كان للشعراني تواجد كبير على خشبة المسرح في بداياته الأولى، بالإضافة إلى تواجده السينمائي الذي حقق من خلاله نجاحا ملحوظا، ومن بين تجاربه في 2012 من خلال الظهور في الموسم الثاني من المسلسل السوري (الولادة من الخاصرة)، ثم شارك الفنان كرم في عام 2013، خلال ثلاث أعمال درامية، وهى (تحت الأرض، سكر وسط، ياسمين عتيق)، وفي عام 2014، أطل الفنان السوري عبر ثلاث مسلسلات وهى (القربان، بواب الريح، طوق البنات)، فضلا عن مسلسلي (عناية مشددة، ودامسكو) في عام 2015، وفي عام 2016، نشط (كرم الشعراني) في عدد من الأعمال الدرامية، مثل (مدرسة الحب، عابروا الضباب، سمرا)، والموسم الثالث من (صرخة روح)، وبجانبها من خلال المسلسلات التالية (أيام لا تنسى، الندم، أحمر) في نفس العام، وفي عام 2017 شارك (الشعراني) في (شوق)، والموسم الأول والثاني من (عطر الشام)، والموسم الثاني من (خاتون، والإمام)، أما في عام 2018 شارك (الشعراني) في (المهلب بن أبي صفرة)، كما ظهر في (ناس من ورق، مسافة أمان، كونتاك) عام 2019.
ثم في نفس العام نال (كرم) أدوارا في كل من الجزء الثاني من (الحرملك، وصراع الجوري)، وفي عام 2020 شارك في (الجوكر)، وبجانبه شارك في (مقابلة مع السيد أدم)، والموسم الثاني في كل من (الحرملك، وببساطة، وما بين حب وحب)، ويذكر أن (كرم الشعراني) شارك في مشروع (بقعة ضوء) الكوميدي، فظهر في الجزء التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والرابع عشر، كما كان للممثل السوري كرم، مشاركات في عالم السينما، حيث ظهر في فيلم (نجمة الصبح) في عام 2019، وكان ذلك الفيلم للمخرج (جود سعيد) والسيناريو له أيضا مع ( سماح قتال)، كما شارك الفنان كرم في عام 2017 في (رجل وثلاث أيام، ومطر حمص)، كما أطل الفنان السوري على السينما أيضا في عام 2018، من خلال أفلام (أمينة، عزف منفرد، مسافرو الحرب)، كما خاض الفنان كرم الشعراني تجربة تقديم البرامج على قناة سورية دارما عبر برنامج (شغل شباب).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الشاب (كرم الشعراني)، ذلك الممثل المشبع بحرفة التمثيل، مبدع، وموهوب، ومحترف، وهو واحد من أكثر الحريصين على الوصايا الأكاديمية التي تلاحق الممثل، والتي تبدأ من ضرورة قدرته على التلوين الأدائي وإدهاش المتفرج والتوازن الجسماني، والاقتصاد في وسائله التعبير، حتى يتمكن من إجادة الحركات المطلوبة منه بدقة، ومهارة، ومرونة مصحوبة برشاقة عالية، ولعله الآن واحد من أكثر الممثلين السوريين الشباب التزاما بتلك التوصيات التي كتبت له النجاح خصوصا في موسم رمضان 2022 حيث لفت الأنظار من خلال أدائه العذب القائم على الاحترافية بعناها الحقيقي والتي وضعته في مصاف النجوم الكبار.