الملك فاروق يحتفي بـ (علي إبراهيم باشا) وأسمهان تغني له (راعي الأبدان)
كتب : أحمد السماحي
سعد كثير من النجوم والمثقفين والجمهور العادي بعودة الكاتب المبدع (محمد جلال عبدالقوي) عميد الدراما المصرية إلى ملعبه الرئيسي الدراما التليفزيونية لما يمثله من قيمة وذكريات مرتبطة معهم بأشهر الأعمال الدرامية، وسعدوا أكثر بعودته من خلال مسلسل عن عميد الطب المصري (علي إبراهيم باشا) حيث تمثل حياته ومشواره العلمي قدوة للأجيال الجديدة، وبهذه المناسبة، وبمناسبة الذكرى الـ (78) التى مرت أمس الخميس للمطربة رائعة الصوت التى لن تتكرر (أسمهان) نكشف عن أغنيتها النادرة (راعي الأبدان) التى غنتها للدكتور (علي إبراهيم باشا)، ولهذه الأغنية قصة تعالوا بنا نرجع 82 عاما ونعرف حكايتها ونهديها لمبدعنا (محمد جلال عبدالقوى).
فى شهر أغسطس عام 1940 أحب الملك (فاروق) ملك مصر والسودان، أن يحتفي بالعيد الستيني لعميد الطب المصري حضرة صاحب المعالي (علي إبراهيم باشا)، جراح مصر الأكبر، فكلف الدكتور (طه حسين) عميد الأدب العربي بعمل احتفالية ضخمة تليق بهذه المناسبة، وبالفعل إستجاب الدكتور (طه حسين) للأمر، وطلب من الشاعر (محمود حسن إسماعيل) كتابة أغنية خصيصا لهذه المناسبة، على أن تغنيها المطربة (أسمهان).
ولم يقتصر التكليف على (أسمهان) فقط، فقد طلب أيضا من الموسيقار (رياض السنباطي) أن يغني قصيدة خصيصا لهذه المناسبة، ونظرا لسفر السيدة (فتحية أحمد) خارج البلاد فى هذا الوقت لم تستطع تلبية رغبة سيادة العميد، وهنا لابد أن نتوقف ونتساءل لماذا لم يلجأ إلى الدكتور طه حسين لكوكب الشرق (أم كلثوم)؟ لأنه باختصار كان لديه موقفا من سيدة الغناء العربي، لن نتكلم عنه حاليا، أما بالنسبة للموسيقار (محمد عبدالوهاب) فهو كان يعلم عدم حب الملك للموسيقار معبود النساء!.
دور الطب والأطباء
وتم تجهيز كل شيئ، ويوم الخميس 10 أكتوبر الموافق 8 رمضان الساعة السابعة وثلت، نقلت الإذاعة المصرية من قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد الأول -جامعة القاهرة الآن – الحفل الذي حضره الملك (فاروق)، حيث أشاد كبار الكتاب والأدباء والشعراء بمناقب المحتفل به (علي إبراهيم باشا)، وتحدث عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين) عن دور الطب والأطباء في الحياة المصرية.
وبعد انتهاء كلمات الترحيب والإشادة، غنت المطربة (أسمهان) هذه القصيدة التى كتبها الشاعر الكبير (محمود حسن إسماعيل)، ولحنها الموسيقار (محمد القصبجي) تحت عنوان (راعي الأبدان) والتى أذيعت على مدى أسبوع واحد فقط واختفت من الإذاعة المصرية حتى الآن :
راعي الأبدان فى الوادي سلاما، وإماما فوق شطيه أماما
رفرف الناس حواليك كما رفرف الطير على النبع وحاما
أنت للشاكي عزاء ومنى، تسعد المحزون أو تشفي السقاما
رحمة بالجرح مرت مثلما، مرت الأحلام بردا وسلاما
ويد لو لامست طيف البلى، عاد للدنيا شبابا وابتساما
لو درى المبضع من يحمله، لجثا للطب قدسا واحتراما
يا (علي) المجدد عنا الأسى، من جراح أو هفت فينا العظاما
لك المعجز فى آياته، طار للأنجم سحرا واعتصاما
طب أرواح وأجسام كما رقرق الفجر نشيدا ومداما
قد تساميت به فوق النهى، وجعلت النيل فى الطب إماما
وإذا العلم شآي فى أمه، بلغت فى المجد شأوا لن يراها
السنباطي ابتغوا ناصية الشمس.
أما الموسيقار (رياض السنباطي) فقد تجلى وابدع وهو يشدو من ألحانه بأشعار (أحمد شوقي بك) من خلال قصيدة (ابتغوا ناصية الشمس) التى يشيد فيها بالطب وبعميده فغنى قائلا :
اِبـتَـغـوا نـاصِـيَـةَ الشَـمـسِ مَـكـانا
وخُــذوا القِــمَّةــَ عَــلَمـاً وَبَـيـانـا
وا طــلُبــوا بِـالعَـبـقَـرِيّـاتِ المَـدى
لَيـسَ كُـلُّ الخَـيـلِ يَـشـهَـدنَ الرِهـنا
ابــعَــثــوهــا ســابِــقــاتٍ نُــجُــبــا
تَـمـلَأُ المِـضـمـارَ مَـعـنـىً وَعِـيـانا
وَثِـــبـــوا لِلعِـــزِّ مِـــن صَهـــوَتِهـــا
وَخُـذوا المَـجـدَ عِـنـانـاً فَـعِـنـانـا
لا تُــثــيــبــوهــا عَــلى مـا قَـلَّدَت
مِـــن أَيـــادٍ حَــسَــداً أَو شَــنَــآنــا
وَضَــــئيـــلٍ مِـــن أُســـاةِ الحَـــيِّ لَم
يُـعـنَ بِـاللَحـمِ وَبِـالشَـحمِ اِختِزانا
ضـــامِـــرٍ فـــي شُـــفــعَــةٍ تَــحــسَــبُهُ
نِـضـوَ صَـحـراءَ اِرتَدى الشَمسَ دِهانا
أوطَــبــيــبــاً آيِــبــاً مِـن طـيـبَـةٍ
لم تَــزَل تَــنــدى يَـداهُ زَعـفَـرانـا
تُـــنـــكِـــرُ الأَرضُ عَـــلَيــهِ جِــســمَهُ
وَاِســمُهُ أَعــظَــمُ مِــنــهــا دَوَرانــا
نــــالَ عَــــرشَ الطِـــبِّ أُمـــحـــوتَـــبٍ
وَتَــلَقّــى مِــن يَــدَيـهِ الصَـولَجـانـا
يـــا لِأَمـــحــوتَــبَ مِــن مُــســتَــألِهٍ
لَم يَــلِد إِلّا حَــوارِيّــاً هِــجــانــا
خـــــاشِـــــعــــاً لِلَّهِ لَم يُــــزهَ وَلَم
يُـرهِـقِ النَـفـسَ اِغتِراراً وَاِفتِتانا
يَـــلمُـــسُ القُــدرَةُ لَمــســاً كُــلَّمــا
قَــلَبَ المَــوتــى وَجَــسَّ الحَــيَـوانـا
لَو يُـــرى اللَهُ بِـــمِــصــبــاحٍ لَمــا
كــانَ إِلّا العِـلمَ جَـلَّ اللَهُ شـانـا
فـــي خِـــلالٍ لَفَــتَــت زَهــرَ الرُبــى
وَسَـجـايـا أَنِـسَـت الشَـربَ الدِنـانـا
لو أَتــــاهُ مــــوجَـــعـــاً حـــاسِـــدُهُ
سَـلَّ مِـن جَـنَـبِ الحَـسـودِ السَـرطـانا
خَــيــرُ مَــن عَــلَّمَ فـي القَـصـرِ وَمَـن
شَـقَّ عَـن مُـسـتَـتِـرِ الداءِ الكِـنـانا
كُـــلُّ تَـــعـــليـــمٍ نَــراهُ نــاقِــصــاً
سُــلَّمٌ رَثٌّ إِذا اِســتُــعــمِــلَ خــانــا
دَرَكٌ مُـــــســـــتَـــــحـــــدَثٌ مِــــن دَرَجٍ
وَمِــنَ الرِفــعَــةِ مـا حَـطَّ الدُخـانـا
لا عَـــدِمـــنـــا لِلسُـــيــوطِــيِّ يَــداً
خُــلِقَــت لِلفَــتــقِ وَالرَتـقِ بَـنـانـا
تَـــصـــرِفِ المِــشــرَطَ لِلبُــرءِ كَــمــا
صَـرَفَ الرُمـحُ إِلى النَـصـرِ السِنانا
مَــدَّهــا كَــالأَجَــلِ المَــبــسـوطِ فـي
طَـلَبِ البُـرءِ اِجـتِهـاداً وَاِفـتِـنانا
تَــجِــدُ الفــولاذَ فــيـهـا مُـحـسِـنـاً
أَخَــذَ الرِفــقَ عَــلَيـهـا وَاللِيـانـا
يَـــدُ إِبـــراهـــيـــمَ لَو جِــئتَ لَهــا
بذبيح الطَـيـرِ عـادَ الطَـيَـرانـا
لم تَــخِــط لِلنــاسِ يَــومــاً كَــفَـنـاً
إنمــا خــاطَــت بَــقــاءً وَكِــيــانــا.