بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
خلف قطع الديكور وكواليس الاستوديو جلست (ليلى مراد) تبكي في صمت حتى لا يراها أحد.. لكن المدهش أيضا أنها كانت فجأة تتوقف عن البكاء لتضحك ولكن في صمت أيضا.
المشهدين رآهما أبو السعود الإبياري مؤلف قصة فيلم (ليلى بنت الأكابر) فتقدم في صمت ليعرف ما يحدث مع ليلى مراد.
سألها:
خير يا ليلى هانم.. في إيه؟
رفعت ليلى مراد وجهها إليه وقالت حزينة أن الأستاذ أنور انفجر غاضبا في وجهها حتى ظنت أنه قد يضربها عندما صرحت له أنها قد تأثرت بمشهد جدها الباشا (زكي رستم) وهو يخرج للحج مرور الموكب الصوفي الديني فبكت.. وحكت لأنور وجدي ما حدث فانفخر في وجهها غاضبا يصيح أمام عمال الاستوديو:
يعني ايه يا ليلى هانم.. موش فاهم!
قالت:
يعني عاوزة أحج يا أنور.. فصرخ فيها:
يعني أعطل الفيلم عشان (الحاجة ليلى) عايزة تحج؟!، وتغيب حضرتها ثلاث أسابيع أو شهر وادفع يا أنور أجور الممثلين والفنيين وعمال الاستوديو والإيجار والديكور وكل ده.. وعشان ايه؟ عشان (الحاجة ليلى) طلع في دماغها تحج ببساطة كده.
ثم يضيف ومازال على توتره:
اعقلي يا هانم.. مش وقته أبدا.. الفيلم فاضل فيه قولي شهر ويخلص.. مش قادرة تستني لحد ما يخلص وإلا ادفع يا أنور للأستاذ زكي رستم وسليمان بك نجيب وإبراهيم بك عمارة وزينات صدقي وإسماعيل يس إلخ إلخ.. والهانم فين؟ بتحج..
عيب يا هانم.. حسى شوية بالمسئولية!
سحت ليلى مراد دموعها وهى تسمع الأستاذ أبو السعود الإبياري يقول محاولا تهدئتها:
معلش يا ليلى هانم.. الأستاذ أنور معاه حق بس يمكن هو اتعامل بعصبية شوية.. وحضرتك عارفة قد ايه هو طيب.
قالت ليلى:
عارفة انه طيب القلب لحد العبط، لكنه عصبي لحد الجنون.. بس كمان لسانه طويل والناس مش عارغة ليه بتحبه.
وقال أبو السعود الإبياري:
أنا عندي حل يريحك ويريحه.. أنا مؤلف الفيلم حأحط هنا غنوة عن الحج تريحك لحد ما تخلص والفيلم وحضرتك بعد كده تسافري بالسلامة وحج مبرور ان شاء الله.
سالته ليلى مراد:
وتفتكر أنور يوافق يا أستاذ ابو السعود؟
قال الابياري:
دي سبيها عليا.. أنا عارف الأستاذ أنور.. ده راجل يفهم في الفلوس.. وفكرة الأغنية معناها ان فيه جمهور إضافي حيدخل عشان يسمع الأغنية، ودا عند الأستاذ أنور إيراد جديد فحيوافق على طول.
وكتب أبو السعود الإبياري على عجل أغنية:
يا رايحيين للنبي الغالي
هنيالكم وعقبالي
وبسرعة تم التلحين والغناء والتسجيل لتكون من أحلي اغاني الفيلم.
هدأت أعصاب ليلى مراد واستراحت.. وهدأ أنور وجدي وانتهي الفيلم وسافرت (الحاجة ليلى) مراد إلى الأراضي الحجازية وعادت ولم يفت الأستاذ أبو السعود الإبياري أن يسألها عما كان يضحكها خلال بكائها؟
تذكرت ليلى مراد فعادت تضحك وهى تقول انها تذكرت في إحدى حفلاتها الأولى وكان قوامها يشبه عود القصب بلا أدني ملامح للأنوثة، وكان هذا هو الهم الأكبر لأمها الست (جميلة زكي إبرهيم) التي شغلت نفسها بحشو منطقة الصدر بقطع الاسنفج ثم إصرارها على أن تلبس ابنتها أربع جونلات على الأقل تحت الفستان لتضع لها قواما تبدو به أنضج سنا وقد امتلأ جسمها من الأمام والخلف مع إصرار (ليلى مراد) على ارتداء الفستان الأسود عند تقديم حفلاتها، وكانت ليلى قد تعلمت التفصيل وأشغال الإبرة والكروشية والتريكو في أحد معاهد تعليم الخياطة بعد دراستها في مدرسة النوتردام.
حتى ذلك اليوم الذي سقطت فيه إحدى الجونلات فوق قدميها بينما هى تغني.. واستمرت ليلى في الغناء ثم حيت الجماهير ووقفت مكانها تشير لعمال الستارة أن يقفلوا الستارة لتنحني وترفع الجونلة التي سقطت فوق قدميها ثم تندفع تجري إلى غرفتها لتصلح ما حدث!!
وتضحك.. ويضحك أبو السعود الإبياري من هذه الحكاية، وتنسى ليلى مراد ما حدث حتى جاء ذلك اليوم الذي رأت فيه أمها أنه لم يعد هناك أي مبرر لارتداء الفستان الأسود الذي يغطي كل ما تحته!.