بقلم : بهاء الدين يوسف
بينما ينغمس المصريون في متابعة التنافس البارد بين أفلام العيد المحلية التي يمكن أن ينطبق عليها المثل الشعبي القديم (الجنازة حارة والميت ولا مؤاخذة).. يتابع العالم منذ أسابيع الحالة الفنية الفريدة التي أحدثها أجدد أفلام النجم توم كروز (Top Gun) والذي حقق إيرادات ناهزت حتى وقت كتابة هذه السطور المليار دولار حول العالم ليكسر (كروز) كل أرقامه القياسية السابقة على مستوى شباك التذاكر بفارق كبير، بعدما كان أعلى أفلامه في السابق هو الجزء السادس من سلسلته الأشهر (مهمة مستحيلة) الذي عرض عام 2018 وحقق 790 مليون دولار، علما بأن الفيلم الجديد ممنوع من العرض في الصين، وهو ما اعتبره بعض النقاد الأمريكيين فتحا جديدا في وقت بالغ الحساسية سياسيا، ومؤشرا على أن هوليوود يمكن أن تنجو وتستمر في إنتاجها دون الاعتماد على السوق الصينية التي يبدو أن الاعتماد عليها سيقل في المستقبل القريب بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
بالنسبة لي لست من المعجبين بتوم كروز ربما بسبب موقفه غير الودي من العرب وخصوصا أشقائنا في فلسطين حيث لا يترك فرصة دون أن يوصم العرب والفلسطينيين بالإرهاب متمنيا أن تسحقهم إسرائيل دون رحمة، لكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أمنع نفسي من التوقف أمام رصيده السينمائي الملفت للانتباه، والذي أرى في بعض جوانبه تشابها كبيرا مع نجم الأغنية المصري عمرو دياب.
يتشابه الاثنان في قدرتهما الفريدة والمذهلة على التجدد الفني الذي يتحدى الزمن وسنوات العمر التي تقدمت بهما وهما متقاربان جدا في السن (عمرو من مواليد أكتوبر 1961، وكروز من مواليد يوليو 1962) وهو أمر غريب خصوصا أن الاثنين اشتهرا بحركات مرتبطة بعمر الشباب، إذ كان (عمرو دياب) سيد الأغنية الشبابية المعتمدة على الحركة والأداء الكاجوال، بينما تبلورت نجومية (كروز) حين اتجه للتخصص تقريبا في أفلام الحركة عبر سلسلة (مهمة مستحيلة).
لكن المثير أن كلا من (عمرو وتوم) تمكنا من الاستمرار في نفس الخط الذي اشتهرا به دون أن يتأثرا بتجاعيد الزمن التي بدأت تترك خطوطها العميقة على وجهيهما، والأهم والأكثر إثارة بالنسبة لي أن يتأثر بذلك جمهورهما العريض الذي لا يزال يصدق بنفس الحماس والبراءة أن (الحاج كروز) يستطيع الطيران دون أجنحة وضرب عشرة رجال بينما يحتاج فيه من هم في مثل عمره لمن يقدم لهم كوب الماء، مثلما ينتظر مئات الآلاف من الشباب العربي (طلة) جدو (عمرو دياب) ليرسم لهم ملامح الموضة الجديدة في الأزياء وقصة الشعر دون أن يكون للفارق العمري الكبير أي تأثير على انبهارهم به.
كذلك يبهرني النجمين بقدرتهما على الاستمرار في القمة ومزاحمة الأجيال التالية لهما بينما انزوى أغلب نجوم جيلهما أو تحولوا إلى الأدوار الثانوية، وهو أمر أظن دون مبالغة يحتاج إلى دراسات متعمقة أكثر لمعرفة سر ظاهرة (عمرو كروز) و(توم دياب) ونجاحهما في البقاء على القمة لمدة تناهز الأربعة عقود، وهى دراسات يمكن أن نجد في الغرب من يتطوع للقيام بها بينما من المؤكد أن نظل في مصر مستمرين أمام حالة الانبهار دون أن محاولة جادة لدراسة الظاهرة.