كتب : محمد حبوشة
على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، أطلق الكاتب المبدع (محمد جلال عبد القوي) نداء أظنه بمثابة صرخة مدوية تضع متخذي قرار صناعة الدراما المصرية في خانة المسئولية وتوخذ ضمائرهم الحية باعتبارهم الأولى برعاية جيل الشباب الحالي الذي يفتقد البوصلة، من خلال إنتاج درامي هادف يضرب المثل والقدوة ويظهر البطولة المصرية لسلفنا من الأباء والأجداد العظماء، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الدراما المصرية الحالية في ظل تحديات عصر جديد يضعنا على المحك، حيث يقول:
أعتقد أن الأمر بالدرجه الأولي يهم (الشركه المتحدة للخدمات الإعلامية) بالتحديد القائمين على أمر الدراما، ولا شك أنهم أحرص ما يكون على العودة بالدراما إلى مسارها الصحيح .. لاحظ الجميع هذا فيما عرض أخيرا أو معظمه، وحرصا مني كأحد صناع الدراما على عودتها لسابق عهدها ريادة، أعرض على أولي الأمر اقتراحا بعمل مسلسلين يتناولان شخصيتين مصريتين حتى النخاع جديرتان بالاحتفاء بهما وتقديمهما مثلين يحتذيا لشبابنا وشاباتنا، وما أحوجهما الآن للقدوة والمثل.
أولي الشخصيتين: (البطل سيد زكريا خليل)
مقاتل الصاعقه الذي أجبر أعداءه على احترامه وأداء التحيه له بعد استشهاده، وقد قضى على سرية قوات خاصه إسرائيليه بعد استشهاد زملائه مجموعة الصاعقة التي كلفت أول ايام العبور بمنع تقدم القوات الإسرائيلية حتى تعبر قواتنا للضفه الأخرى.
حكايه أغرب من الخيال يحكيها آخر جنود العدو وكان مختبئا في حفرة معتقدا بشهادته أن من يقاتلهم سريه كاملة.. هذا الجندي الإسرائيلي الذي يحكي حكاية البطل (سيد زكريا خليل) هو من حكى حكاية بطولته بعد أن أصابه من خلفه، وهذا الجندي الإسرائيلي الذي ألح عليه ضميره وذهب إلى السفارة المصرية في ألمانيا حيث يعمل رجل أعمال وسلم السفير المصري متعلقات البطل التي احتفظ بها أكثر من عشرين عاما.
هناك في المتحف العسكري (بانوراما حرب أكتوبر) تكمن هذه المتعلقات ناطقة ببطولته.. سترته المدممة.. بطاقته العسكرية جنيه ورقي وقرش واحد.. خطاب لأخيه الأكبر يوصيه خيرا بإخوته البنات ويوصي أهله بعدم الحزن لو استشهد فالشهاده كانت أمنيته بعد هزيمه 1967.
كل ذلك تنبئ عنه لوحة نحاسيه تحمل اسمه وشرف تضحيته التي استحق نوط الشجاعة ونجمه سيناء من الرئيس الراحل مبارك، وأعتقد وتوافقونني أنه يستاهل أن يعرف شبابنا حكايته.
الشخصية الثانية: (علي باشا إبراهيم)
أعتقد أنه من الخطا والتقصير أن يكون بيننا من يجهل سيرة هذا الطبيب الفذ الذي كان أول طبيب مصري يعين عميدا لكلية الطب ومديرا للقصر العيني بعد المدير الإنجليزي، و أول نقيب للأطباء بعد تأسيسه للنقابة، ثم وزيرا للصحة.
والدكتور على إبراهيم، هو من أنشا كليه طب الأسكندرية، وصاحب مشروع التأمين الصحي، وصاحب مشروع القرش، وأول طبيب في مجمع اللغة العربية، كما أنه عالج السلطان حسين كامل بعد عجز الأطباء الأجانب في علاجه ومن ثم منحه البكوية، ومنحه الملك فؤاد الباشوية، ومنح لقب (سير) وهو أعظم لقب يمنح لأجنبي في إنجلترا.
الدكتور علي إبراهيم، تفوق على كل الأجانب وعالج السيد المهدي في السودان، واختير رئيسا للجنة العليا للبرامج في الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934، وأنشأ مستشفي الأطفال (أبو الريش)، وصاحب مجموعه أدبيه نادرة في المتحف الإسلامي.
حصل الدكتور علي إبراهيم، على قلادة الطب باسمه من الرئيس السادات – رحمه الله – وإنجازات ومساهمات أخرى لا تعد، لكن إذا كنا نقف مبهورين أمام هذه الشخصية الفذة فما أكثر انبهارنا حينما نقف علي مربية وأم هذا العظيم، قرويه من كفر الشيخ تدعي (مبروكه خفاجي)، بائعه جبنة على أرصفه شوارع الأسكندريه لم تحارب الفقر فقط لتربي ولدها وقد أحست بتفوقه طفلا، بل حاربت أباه (طليقها) الذي كان أصر أن يعمل أي عمل ليساعده.
لم تجد هذه الأم العظيمة وسيلة إلا الهرب بولدها إلى القاهرة حيث ألحقته بمدرسه (درب الجماميز) وجاهدت في سبيل الإنفاق عليه حتى التحق بمدرسة الطب متفوقا عام وتخرج عام 1901، ليبدا رحلة النجاح والنبوغ حتي وصل إلى ما وصل إليه بفضل هذه الأم المثل والأسوة لبناتنا.
أظنكم أيهاالسادة المسئولين توافقونني أن هاتين الشخصيتين (البطل سيد زكريا خليل، والنابغه الدكتور علي باشا إبراهيم، وأمه العظيمة مبروكه خفاجي)، يستاهلون منا بذل الجهد في انتاج درامي يليق بهم، كما توافقونني أيضا أن شبابنا بنين وبنات من حقهم علينا عرض تلك المثل والقدوة دعوة للانتماء لمصرنا الوطن الأعظم.
محمد جلال عبد القوي.
………………………
بعد هذا النداء الذي نكأ جرحا غائرا في جسد الدراما المصرية يفتح لنا أسئلة مشروعة ومنها: لماذا لايدير صناع الدراما المصرية وعلى رأسهم (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) ظهورهم لكل هذا الغث الذي يقدمونه جنبا إلى جنب مع أعمال وطنية أظنها لفتت أنظار الشباب خلال المواسم الرمضانية الثلاثة الماضية وعلى رأسهم (الاختيار بأجزائه الثلاثة، هجمة مرتدة، العائدون، القاهرة كابول).
لقد سئمنا أعمال البلطجة (زلزال، نسر الصعيد، موسى، المشوار) وغيرها من أعمال اجتماعية تخاصم القيم والعادات والتقاليد وتجنح نحو السلبية والتشتت والضياع، وأعمال أكشن تقدم الهزل في أبشع صوره (نسل الأغراب)، وخيال علمي ساذج إلى حد الضحك علينا من جانب المنصات العالمية التي تخرج لسانها لنا كل يوم بجديدها البراق، فضلا عن كوميديا بلهاء تجنح في غالبيها نحو النطاعة والاستخفاف بعقولنا، ونحن الذين علمنا الشرق كله صناعة الدراما الهادفة.
إن نداء الكاتب المبدع (محمد جلال عبد القوي) لهو صرخة عالية نحو الاتجاه نحو المسار الصحيح للدراما المصرية التي ينبغي أن تصحوا من غفوتها الحالية وتنتبه إلى أن الدراما أصبحت الآن تكتب التاريخ، ولأننا نعيش صحوة معرفية وتنموية جديدة مع انطلاق (الجمهورية الجديدة) ينبغي أن تعتدل الدفة إلى نوعيات من الدراما تعتمد على سير الأبطال والعظماء أمثال (سيد زكريا خليل، والدكتور علي إبراهيم)، وأضيف عليهم بطولات (رأس العش، إيلات، ملحمة البرث التي تحتوى بطولات لشهداء آخرين من رفاق أحمد منسي، جبل الحلال وملابسات القضاء على الإرهاب الأعمى، عملية الكربون الأسود) وغيرها من بطولات سطرت على أرض سيناء تسجل في مجلدات تتوق لخروجها للنور في صورة أعمال تعيد الثقة لشبابنا الذي تفاعل مع (الاختيار) بصورة غير متوقعة.
ناهيك عن السجل الفرعوني الذي يسرد لنا بطولات نادرة لملوك ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر (مينا، أحمس، تحتمس، امنحتب، رمسيس الثاني)، وغيرهم، وملكات عظيمات مثل (نفرتيتي، حتسبشوت، إياحة حتب) وغيرهن من ملكات سطرن أعظم البطولات المسجلة على جدران معابدنا الفرعونية، وفي عصرنا الحديث هناك شخصيات تستحق أن يتخد منها شبابنا المثل والقدوة في الاجتهاد والعصامية، مثل (سيد درويش، محمد عبد الوهاب، محمد علي، سعد زغلول، محمد فريد، طلعت حرب، سميرة موسى، شجرة الدر، مجدي يعقوب، أحمد زويل، محمد صلاح، محمود العربي، أنسي ساويرس) وغيرهم من رجال أعمال وطنيين، فضلا عن كم هائل الأدباء والمفكرين الذي أضاءوا مشاعل الثقافة المصرية بإبداعهم الحي.
ظني أن مبادرة أحد أهم صناع الدراما المصرية (محمد جلال عبد القوي) ينبغي أن تؤخذ في عين الاعتبار وعلى محمل الجد، فما أحوج شبابنا إلى القدوة والمثل في هذا الظرف التاريخي المهم الذي نعيشه حاليا في ظل إنجازات غير مسبوقة في التاريخ الحديث والمعاصر، فليس أقل أن نربط الماضي بالحاضر في ثوب مختلف تماشيا مع فكر القائد العظيم الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحرص على ذلك حرصا كبيرا في سبيل إثبات أن أحفاد الفراعنة يسيرون على هدى أجدادهم في البناء والتشيد وتحسين أحوال المعيشة، وكل ذلك بلاشك يجسد ملامح (الجمهورية الجديدة) التي نتطلع إليها.