كتب : محمد حبوشة
هي فضيحة بكل المقاييس، أن نكتشف قيام مصممة مصرية قامت بسرقة لوحات فنان روسي واستخدمتها في محطة مترو (كلية البنات) على اعتبار أنها من تصميمها، ولم تكتشف الفضيحة إلا بعد أن راسل بعض المصريين، ممن يعرفون المصممة الفنان الروسي وأخبروه بالسرقة، وبدأت فصول الحكاية تظهر، ويتم التأكد أن اللوحات مطابقة تماما مع وضع بعض التفاصيل البسيطة لتحويلها إلى صورة فرعونية، ووصف القصة بالفضيحة لأن السرقة ليست مجرد لوحات ادعت (غادة والي) بالكذب أنها رسمتها أو صممتها، أي سرقة بين أرباب مهنة واحدة، تتكرر كثيرا في مختلف التخصصات، لكن أن تكون السرقة من فنانة مصرية يفترض أنها عالمية وتعاقدت مع الدولة ممثلة في الهيئة القومية للأنفاق وشركة (آر. إيه. تي. بي) ديف للنقل كايرو، وتعلم جيدا أن اللوحات سيتم وضعها على جدران مترو الأنفاق أمام عيون الدنيا كلها، ومع ذلك ارتكبت جريمتها.
بالطبع، حسنا فعلت الهيئة في ردها عندما أصدرت بيانا أكدت فيه أنه تم التعاقد مع وكالة (ستوديو والي) لصاحبتها غادة والي، وتم إدراج بند ملزم قانونا ينص على أن شركة الدعاية هي المسؤولة الوحيدة عن تقديم تصميمات فنية أصلية، وفي حالة الاقتباس أو النسخ، يتعين عليها الحصول على موافقة قانونية رسمية من الفنانين القائمين على تلك الأعمال، وأكدت الهيئة والشركة أنهما ضد التعدي على حقوق الملكية الفكرية بأي شكل لذا سيتم دراسة الإجراءات القانونية المناسبة ضد شركة الدعاية لحفظ جميع الحقوق الخاصة بالهيئة القومية للأنفاق وشركة (آر. إيه. تي. بي) ديف للنقل كايرو عند إثبات الادعاءات، وعليه سيتم تغيير التصميمات المقتبسة بشكل غير قانوني، فيما قدمت الشركة اعتذارها للفنان التشكيلي الروسي (جورجي كوراسوف).
الذي أثار دهشتي أن (غادة والي) المصممة على السرقة علقت في وقت سابق، على تزيين محطات الخط الثالث لمترو الأنفاق، قائلة إنها زيّنت المحطة برسومات تعبر عن الحضارة المصرية القديمة بحسب تصريحات سابقة لها، وكشفت في لقاء تلفزيوني في مارس الماضي، أن عملية تزيين محطات المترو استغرقت عاما ونصف العام، لافتة إلى أنها حاولت من أن تضع الركاب في رحلة تتنقل بهم وسط المراحل المختلفة للحضارة القديمة، وأشارت تحد سافر إلى أنها ترغب من وراء هذه الجهود في أن يعتز المواطن المصري بحضارته القديمة، مؤكدة أنها عملت مع مؤرخين ومتخصصين في التاريخ المصري القديم، حتى (تتجنب أي خطأ في التنفيذ) بحسب قولها، وهو ما تطلب منها الإلمام بعدد من المعلومات عن هذه الفترة.
تسببت الفنانة المزيفة (غادة والي) في فضيحة كبيرة، وكأن مصر ليس فيها من يستطيع أن يقدم مثل هذه الرسومات، وحصلت على أموال لا تستحقها، وتسبب في إهدارها عندما يتم إزالة آثار جريمتها، والأهم من كل هذه الحقوق، لا بد أن تكون عبرة لغيرها، ونموذج يحتذى به في معاقبة من يسرق مجهود غيره وينسبه لنفسه، رغم أن (والي) مصممة الجرافيك المصرية، من أشهر الشخصيات في جمهورية مصر العربية، كما قدمتها (منى الشاذلي) في برنامجها قبل خمس سنوات، وهللت لها مشيدة بنموذج لفتاة مصرية برعت في التصمميم الجرافيكي، بعد أن تخرجت في الجامعة الألمانية بالقاهرة عام 2011، وواصلت دراستها في الجامعة الإيطالية فلورنسا تم اختيارها كممثلة للشباب في منتدى شرم الشيخ العالمي للشباب وحصلت على جائزة من الرئيس المصري السيسي.
لكن قبل أسبوع تقريبا أثار حديث فنان روسي عن (سرقة) لوحات من أعماله واستخدامها في إحدى محطات المترو في العاصمة المصرية القاهرة، جدلا وغضبا عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، واتهم الفنان التشكيلي الروسي، جورجي كوراسوف، المصممة المصرية، غادة والي، بـ (سرقة) أربع لوحات من أعماله، واستخدامها في جداريات محطة مترو (كلية البنات) في العاصمة القاهرة، والغريب في الأمر أن (كوراسوف) أشار إلى أن إحدى اللوحات المسروقة هى بالأصل (ليست عن مصر القديمة بل هي عن اليونان القديمة)، وكتب الفنان الروسي عبر صفحته على فيسبوك: (لقد استخدمت لوحاتي في مترو أنفاق القاهرة بدون إذني وحتى ذكر اسمي)، وأضاف: (أنتظر ردًا رسميًا بشأن هذا الأمر).
في البداية أعلنت الجهات المسؤولة عن المترو بيانا برأت نفسها من كل الحكاية وأدانت المصممة على اعتبار أنها المنفذة للرسومات، لكن هيئة المترو عادت واعتذرت للفنان الروسي في النهاية، عن فضيحة واضحة، متهمة (غادة والي) بأنها أساءت لمصر وفنانيها، في الداخل والخارج، وعند التأكد من سرقتها للوحات، أعلنت الشركة المسؤولة أنها ستتخذ الخطوات القانونية اللازمة ضد شركة المصممة لأنها حسب العقد مسؤولة عن جلب رسومات أصلية أو تحصل على موافقة رسومات ليست من تصميمها.
لقد لفت نظري أن الفضائيات المصرية كلها صمت أذنها عن الفضيحة عدا الإعلامي (محمد الغيطي) الذي راح يفند السرقة ويستضيف متخصصين للتعليق على الواقعة، وذلك في أعقاب ما أثارته محطة (سكاي نيوز – العربية) عبر تقرير صادم يسئ إلى سمعة مصر وفنانيها التشكيليين الذين علموا البشرية أصول الرسم والتصميم من قدم التاريخ المسجل على جدران المعابد الفرعونية، بينما قال الإعلامي عمرو أديب: (أمر مخجل.. شيلوا الميتين اللي تحت، لدينا فن فرعوني ملهم يكفي لملء مجلدات، وصلنا لدرجة إننا نضرب رسم للفراعنة من فنان روسي، وتابع أديب: (ده لا يمكن يكون توارد خواطر، دي سرقة وكمان سرقة ضعيفة، والفنانة غادة والي حاولت تحط التاتش بتاعها بس ملقتش حل غير إنها تستر رجلين البنت اللي في الصورة).
كل ما مضى يؤكد أن الحكاية رغم أنها بدأت بفضيحة تسببت فيها غادة والي، إلا أن الجهات الرسمية تعاملت مع الموقف بشجاعة كبيرة في حفظ الحقوق الأدبية للفنان الروسي، وبالطبع سوف تكلف الشركة فنانين آخرين لعمل تصميمات جديدة بدلا من التصميمات المسروقة، وبميزانية جديدة، وهو مايطرح جوهريا: من المسئول عن إهدار المال العام لصالح مغامرة وضعت اسم مصر في القائمة السوداء؟، ولماذا لم يتم محاسبتها حتى الآن، خاصة أن الإزالة ربما تكون حلا للمشكلة بالنسبة للفنان الروسي فقط، وحرمان غادة والي من شرف وجود تصميماتها واسمها عليها، لكنها في نفس الوقت، إهدار أموال أنفقت بالفعل عليها، كما أن الرسومات كانت مرضية للمسؤولين عن المترو، والأزمة فقط في من يملك حقها الأدبي، واي تعويضات مالية تدفعها غادة والي للفنان الروسي والشركة المسؤولة أيضا، لكن عموما لقد أزيلت الصور، وننتظر البدائل المناسبة.
هذه الكارثة أو هذا النوع من الفساد أو الجهل بوضع وأحوال مصر التاريخية والاقتصادية، سيكلفنا العمل على الدخول في معركة الدفاع عن انتمائنا لاجدادنا المصريين القدماء أمام أصوات دولية خاصة من السودان تسعى منذ فترة لنسب الحضارة المصرية القديمة لها، بالتشكيك فينا ووصفنا نحن المصريون الحاليون بأننا لسنا أحفاد القدماء المصريين بل ننتمي للقبائل العربية فقط، بعد أن أعطت (غادة والي) الرسامة السارقة حجة لهم بأن أجدادنا ذوات البشرة السمراء القاتمة، لأنها غيرت في ألوان بشرتهم في الجدارية المسروقة.
تلك الرسامة النكرة التي صعدت في ظروف غامضة في أحداث قومية تهم البلد في غياب وتجاهل متعمد لفنانين شباب من خريجي كلية الفنون الجميلة وفي غياب وعي مسئولين بحجم التحديات الاقتصادية والتاريخية التي تمر بها البلاد، يتطلب هذا أن لا تقف واقعة فضيحة (غادة والي) عند حد الاعتذار، بل يجب التحقيق معها ومع كافة المسئولين عن تلك الفضيحة ونشر التحقيقات في الصحف العالمية، ليعلم الجميع أن مصر تحترم حقوق الملكية الفكرية وملتزمة بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها، وأنها دولة منظمة وليست عبثية، وحتى يعلم كل مسئول أنه يدير وقت ومال الشعب لا يدير مشروعه الخاص وعليه يجب أن يدقق جيدا مع من يتعاون، وإذا كان لا يعلم أمرا فنيا فليبحث ويستعن بذوي الخبرة، ويتأكد أن من يدير مصالحه الشخصية في عمل عام سيفقد في مقابلها وظيفته ثمنا لتهوره.
والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا: هل يمكن أن تنتهي الحكاية عند هذا الحد، لأنها ليست مجرد خلاف في التعاقد بين شركتين، أو قيام شركة بمخالفة ما عليها في العقد، لكنها حكاية فتاة مصرية معروفة في الخارج، اتضح أنها فنان (فشنك) سارقة لتصميمات باعتها للدولة، إضافة إلى ما نشر حول سرقتها لتصميم طريق الكباش من خمس فتيات أخريات شاركوا معها في التصميم، لكنها سرقت مجهودهم لنفسها؟، خاصة أن المسؤولين في نقابة التشكيليين والفنانين الكبار، أكدوا أنها ليست عضو في النقابة من ناحية، وأن ما فعلته لا يمكن أن يكون توارد خواطر، أنه نسخ كامل لرسومات الفنان الروسي، ومنثم : كيف تم التعاقد معها دون باقي الفنانين الكبار المعروفين بتاريخهم؟ أو على الأقل لماذا لم تكن هناك منافسة فيما بينهم في تقديم التصميمات ربما كانت قادرة على كشف الغث من السمين؟