بقلم : علي عبد الرحمن
كل عام وحضراتكم بخير، لقد ظللنا عقودا نسمع في الإعلام عن مشروعات تطوير وتنمية صعيد مصر، وظللنا نسمع عن مشروعات تنمية وتطوير القري، وعن مشروع (شروق) للنهوض بها، ومشروعات إدخال المياه النظيفة، ومشروعات الصرف الصحي والمغطي، ومشروعات إدخال قري مصر منظومة التخطيط والموازنة، على أنها ظهير استراتيجي للمدن والحضر، وأن اهلها مصريون على هامش الخطط والاستراتيجيات،.
وظللنا كثيرا نسمع ونقرأ ونشاهد دون مقابل يري على أرض الواقع، وظل أهلنا في القري والصعيد يعانون في حياتهم اليوميه ويتحدثون عما يحدث في المدن على أنه يحدث في أماكن خارج وطنهم، ويعتقد الأهل أنهم ضحية أخبار وبيانات لا تنفذ، وأنهم خارج إطار الزمن والخطط والاهتمام، وكانوا يعيشون بمفردهم، سائلين المولي تحسين الأحوال، وترقيق قلوب القائمين على شئونهم، وظلوا كذلك حتي بارت الأرض الخضراء، والتهمتها أعمدة الخرسانه والبيوت الحديثة، واعتمد أهل القري على المدينة في غذائهم بعد أن كنا عكس ذلك، وسافروا خليجيا لتحسين مستوي دخولهم، وهاجروا داخليا بحثا عن أمكنة وفرص أحسن، وتركوا قراهم بلا زراعات ولا إنتاج ولا صرف ولا مياه نقية ولا أدني تنظيم لحياتهم.
ولقد استجاب الله وخلفائه في الأرض لشكوي وأنين وهجرة أهل القري وبدأت الحياة تتغير رويدا رويدا وظهرت ملامح ذلك علي الأرض، وأصبح أهل القرى يتحدثون عن إنجازات على أرض قراهم وعلي قوانين وتشريعات تنظم حياتهم وعن يد الدولة الفتية الممتدة إليهم وأصبحوا مواطنون كاملوا الأهليه يدورون في فلك قوانين وتشريعات وخطط وإنجازات عامة لدولة توزع نشاط حكومتها علي أرضها ريفا وحضرا.
ولقد رأيت فيما يري الرائي اليقظ الملاحظ لما حوله وليس فيما يري النائم، رأيت قرانا غير التي كانت، ورأيت حديثا جديدا خلاف ماكان متداولا، وبشرا ضمن إطار منظومة لدولة وليس على هامش حياة سكان حضرها، فلقد زرت في عيدنا المبارك قريتي ومسقط رأسي في صعيد مصر بمحافظة أسيوط، إحدي القري القابعة في زراعات الجبل الغربي الذي يحيط بمحافظات الصعيد غربا، ورأيت حقيقة مالم أتوقع، رأيت مجمعات خدميه أنشئت لخدمات التعليم والحكم المحلي، ورأيت عمارات سكنية لأهل القري، ورأيت طرقا معبدة وحفرا لإتمام مشروعات المياه والصرف، ورأيت مبان جاهزه قيل إنها ضمن مشروعات المبادرة الرئاسية (حياة كريمة)، ورأيت المفاجأه كباري وطرق دائريه تخترق القري لربط الطريقين الصحراويين الشرقي والغربي لصعيد مصر، رأيت منازل ومطالع للطرق والكباري بين زراعات قريتي، وحديثا بين أهلها عن مستقبل قريتهم بعد اتمام هذه المشروعات وشكل الحياة القادمة بعد ذلك، وسهولة الحركة والعيش حينها، والخدمات المقدمه لقريتهم من مبادرتي (حياة كريمه وتطوير الريف)، وسمعت أحاديثهم عن دخولهم منظومة الخدمات الإلكترونية ودفعهم لرسوم الكهرباء والمياه وإدخال مشروعات الغاز، وأنه لم يعد الأمر عشوائيا في استهلاك الخدمات دون مقابل.
وبدأوا يحرصون على ترشيد استهلاك الخدمات المدفوعة، وسمعت حديثا جديدا عن قوة يد الدوله في منع البناء على الأرض الزراعيه الذي التهم كل الخيرات وأخفي معه اللون الأخضر للزراعات في ربوع قري مصر، ورأيت حرص أهل قريتي على الالتزام بتنفيذ القوانين والتشريعات بعد أن كان الامر عشوائيا، ورأيت متابعة وحدات الدولة لتنفيذ كل التعليمات، ورأيت شباب قريتنا المسافر إلى روسيا وأوروبا الشرقيه للتعلم، ورأيت حديثا يشبه حديث أهل المدن علي كل شئ، غلو الحياة وتسعير الخدمات والتشريعات وأمور ضبط الحياة وتنظيمها، ورأيت مواطنون متواصلون مع دولتهم، متابعون لحركتها داخل منظومة عمل وطني عامو، ومصريون في داخل دائرة الاهتمام وليس علي هامشها، وقلت إنها شائعات مثقف القرية وفصيحها، وقلت فتاوى المتخبطون بأفكارهم في تفسير تقصير الدولة وإهمالها.
ورأيت في مركز ديروط وحده أكثر من 200 جمعيه تكافلية خيرية للمعاونة في تخطي ظروف الحياه الصعبه، ورأيت نظما ومتابعة لكل مفردة في حياة أهل القري، وظهرت في البيوت عدادات المياه والكهرباء وطفت علي السطح حواديت نصوص القوانين والتشريعات وضوابطها وصحوة وحدات الحكم الإداري في متابعة كل شئ.
فرحت كثيرا بما رأيت واقعا وليس حلما، وفرحت بما سمعت قناعة وليست مجاملة، وسعدت بعقول وأحاديث جديده في جمهورية جديده بمواطنين جدد، فرحت بدخول ريف مصر ملفات الخطط والموازنات، ودخول قرانا دائرة الإهتمام والمتابعو، ودخول اهل الريف منظومة المبادرات والإنجازات، واهتمام أهلها بكل تشريع وقانون، وبتغير مفردات الحديث إلي مواطنة كاملة، وفوجئت بصحوة وحدات الدوله في المتابعه، وبتغير ملامح الأماكن في ربوع قرانا.
ولما كنت في طريق عودتي رأيت ماتحقق من منظومة الطرق والكباري، والأنفاق ومخرات السيول، والمدن الجديدة، وقري الخريجين وامتداد الإنجازات المتواصله التحاما مع العاصمة وماحولها من مدن وحضر.
ولما عدت إلي عاصمة المحروسة استغربت واستعجبت، ولم أجد أبدا مبررا لما يلي:
(١) لماذا ظللنا نسمع عن مشروعات تنميه وتطوير للصعيد والريف وهى شعارات لم تنفذ أصلا!
(٢) لماذا لم نسمع عنها أو نراها وهى واقع تم تنفيذه بالفعل!
(٣) لماذا سمعنا عن تهميش الصعيد وريفه ولم نسمع عن الاهتمام به وتطوير حياته!
(٤) لماذا سمعنا عن هجرة أهلهما خارجيا وداخليا ولم نسمع عن ماهم فرحون به من إنجاز يتحقق!
(٥) لماذا سمعنا عن التهام الرقعه الزراعية بالريف ولم نسمع عن توقفه وسطوة يد الدولة الفتيه!
(٦) لماذا سمعنا عن عادات ضارة وسلوكيات خطأ ولم نري أو نسمع عن حوارات عصرية مسئوله لأهلنا في الصعيد والريف!
(٧) لماذا سمعنا عن إهمال المسئولين لشئون أهلنا في الصعيد والريف ولم نسمع عن دقة متابعة وحدات الجهاز الإداري لكل أمور الحياة التنظيميه بهما!
(٨) لماذا سمعنا عن إهمال الصعيد والريف ولم نسمع عن حكومة حياتهما وإدخالهم عصر التحول الرقمي والحفاظ على موارد الدولة!
(٩) لماذا سمعنا عن إهدار حقوق أهل الصعيد والريف ولم نسمع عن حصصهم المنفذة في موازنات الدولة تطويرا وتنميه!
(١٠) لماذا شغلنا الإعلام بمركزيته وتقوقعه وتسطيحه!
وإلي متي ستظل ازمة التواصل بين الدولة ومواطنيها قائمة ومستمرة؟، وإلي متى تظل صورة الإنجاز في بقاع مصر النائية بعيدة عن شاشات ومحطات الإعلام المصري؟، وإلى متي تظل الوجوه رياضية أو فنيه تملأ الشاشات وتختفي وجوه وأصوات أهلنا الجاهزون لجمهوريتنا الجديدة؟، وإلى متي يظل مواطنونا في لهف لم يشرح لهم ماوراء خطط الإنجاز والتطوير، وإذا كان الإعلام المركزي منهمكا في طبخه وسحره وشعوذته، فأين الإعلام الاقليمي الملتحم بهم؟، وأين وحدات إعلام الوزارات والهيئات المشاركة في تنفيذ مايتحقق هناك؟.
وإلي متي يظل أهلنا يتساءلون ودولتهم تعمل وهى مظلومة من إعلامها؟، وأين اختفي مسئولونا بعيدا عن الشرح والتفسير؟، وأين مراكز شباب القري وبيوت ثقافتها؟، وأين قوافل التنوير الثقافية والدينية؟، وماذا يفعل إعلامنا الإقليمي أصلا؟، ولماذا لايزود إعلامنا المركزي المتقوقع اللاهي بتقارير وأفلام ومقابلات من أرض واقع كل إنجاز؟، ومن يوجه الإعلام أصلا؟، ومن يتابعه ومن يقيمه ومن يرده إلي صواب عمله؟.
أهلا بصدق مشروعات تنمية وتطوير صعيد مصر وريفها، وأهلا بصدق الوعد وصحة التنفيذ، وأهلا باحترام الحكومات لمواطنيها، وأهلا بسمات مواطني الريف الجدد، ومرحبا بمرحلة التحول الرقمي، وأهلا بالحفاظ على موارد الدولة، وأهلا بجاهزيتنا للجمهورية الجديدة، ولا أهلا ولا سهلا بغيبوبة الإعلام أو إعلام الغيبوبة وفقدان التواصل بين الدوله بخططها ومواطنيها بأحلامهم، وكل عام ومصر وأهلها بخير، عندما نرى تغير شكل الحياة في أطرافها، نرفع أصواتنا، ودوما تحيا مصر.