بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
يعتقد بعض المسئولين أنهم كى يحافظوا على مقاعدهم عليهم أن يسايروا ما يظنون أنه يخدم النظام دون فهم حقيقى سواء لطبيعة النظام أو مقاصده و لا يملكون رؤية كاشفة لأهدافه و رؤاه ، فتأتى تصرفات هؤلاء لتسيئ للنظام . و عندما يتفاجأون بموقف معاكس للذى اتخذوه سرعان ما ينحازون للعكس دون خجل أو مداراة أو حتى فهم ، و فى كلا الموقفين يتطرفون . ليس من بينهم رجل رشيد يملك بوصلته التى ربما فى لحظة أو موقف تجعله يختلف عن موقف النظام فيدافع عن وجهة نظره ويحاول أن يثبت صحتها أو يتفهم مجالات حركة النظام و يدرك أبعادها ، و يعتذر عن تورطه فى الموقف السابق.
و الأمثلة كثيرة ..
أول الأمثلة و أكثرها فجاجة ماحدث مع شخصيات كثيرة من المعارضة على رأسها الأستاذ حمدين صباحى الذى تم تشويهه و إطلاق أوصاف غير لائقة عليه ، و بعد ترحيب الرئيس به فى إفطار الأسرة المصرية توقفت تلك الحملة ، و للأسف لزم الجميع بعدها الصمت و لم يعتذروا عما قاموا به . و نفس الأمر ينطبق على كثير ممن شملهم العفو الرئاسى و الذين تم اتهام بعضهم بالعمالة و الخيانة ، لم يناقش أحد أفكارهم أو أسباب القبض عليهم ، و لم يناقش أحد أيضا أسباب الإفراج عنهم و كأنه لم يحدث شيئ من هذا كله.
و هناك أمثلة أخرى صادفتها بنفسى و حضرت وقائعها ، منها ما قام به أحد المسئولين بالاعتراض على وجود إحدى الفنانات فى عمل ما تحت دعوى أنها مرفوضة من جهات عليا ، و لكن إصرار المخرج على وجودها تسبب فى كشف أن المسئول تخيل هذا لمجرد أن الفنانة اعترضت على موقف ما ، برغم أن النظام لم يتخذ منها أى موقف على عكس ما ظنه المسئول.
و مرة أخرى وجدنا مسئولا آخر يخشى من تقديم أحد الأعمال برغم موافقة الرقابة على المصنفات عليه – و هى الجهة المسئولة و التى تتحمل كافة التبعات لو أخطأت – ظنا من المسئول أن الظرف السياسى غير مناسب ، بينما الرقابة هى الأقدر على تقييم ذلك، و لكن المسئول أفتى فيما لا يعلم .
أما ليلة العيد فكان التليفزيون المصرى يقدم عملا لى على قناته الأولى ، أشاع أحد المسئولين مؤخرا أن الوقت ليس مناسبا لإعادته !! برغم أن إذاعة العمل تليفزيونيا و فى ليلة العيد على القناة الأرضية الرئيسية لتليفزيون الدولة يساوى انتشارا أعرض و أكبر من أى عرض مسرحى ، و ليس من المعقول أن يتم هذا مع عمل لا يناسب الوقت.
فمن أى مصدر يستقى هؤلاء المسئولين معلوماتهم ؟ ، من المؤكد أن المصدر الوحيد هو الخوف على مقاعدهم و مناصبهم.
و هناك نوع آخر من هؤلاء الملكيين ، إنهم أولئك الذين ينتظرون معرفة اتجاهات الريح لكى يتصرفوا وفقا لها ، فعندما أشاد السيد الرئيس ببرنامج ( الدوم ) فوجئنا بتصريحات غريبة عن برامج مشابهة فى مجالات متعددة كالرياضة و الفن ، و لم يلتفت أحد لمغزى كلام السيد الرئيس و لا من الهدف وراء تشجيع الرئيس لمثل هذا البرنامج . من المؤكد أن الرئاسة تقصد فتح المجال للشباب للتعبير عن أنفسهم فى كافة المستويات و على كافة الأصعدة ، و إبراز مواهبهم و محاولة تحقيق أحلامهم ، ذلك ما سيجعل هؤلاء الشباب ينتمون لوطن يسعى لاكتشافهم و تحقيق أحلامهم . فهذا يتفق مع محاور الثقافة فى رؤية مصر 2030 و التى ترمى إلى تعزيز القيم الإيجابية و مكافحة التطرف من خلال تحقيق العدالة الثقافية ، و اكتشاف و رعاية الموهوبين و المبدعين.
و لكن هؤلاء الملكيون يسعون لتكرار فكرة التسابق دون مضمونها ، و دون حتى النظر لهدفها الأسمى ظنا منهم أن هذا سيرضى الرئاسة ، و لا ندرى أيضا كيف يفهمون رسائل الرئيس و يفسرون أحاديثه ؟
فالحقيقة لو أراد هؤلاء تحقيق هدف الرئاسة لفتحوا قنواتهم لإذاعة ما ينتجه الشباب بأنفسهم فى فعاليات أخرى أكثر جدية و أعمق أثرا ، ففى وزارة الثقافة هناك نشاط تقوم به الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت اسم ( ابدأ حلمك ) يحقق ما تهدف إليه الرئاسة و لكن بشكل علمى متقن ، فهذا النشاط يقوم على اختيار و صقل و تثقيف و تدريب المواهب الواعدة فى التمثيل ، و ليس مجرد تسابق يحقق نسب مشاهدة و يجرى بين عدد محدود نسبيا . أما فى مجال الغناء فهناك مسابقة (الصوت الذهبى) الذى يتعاون فى إقامتها كل من قطاع الإنتاج الثقافى و صندوق التنمية الثقافية داخل نفس الوزارة ، و تلك أمثلة فقط لما يجرى من نشاط خاص بالشباب.
أما فى وزارة الشباب فحدث و لا حرج عن الأنشطة التى تستحق أن تذاع و تنشر ، سواء على مستوى الجامعات المصرية و المعاهد العليا الحكومية و الخاصة ، من خلال مسابقة إبداع التى تضم 17 مجالا فنيا و أدبيا و علميا و اجتماعيا ، أو على مستوى مراكز الشباب و التى تغطى مسابقاتها الجمهورية كلها ، و تضم العديد من جوانب النشاط.
رحم الله هذا الوطن من الملكيين و الخائفين و المرتعشين و المنتظرين للتعليمات أو متوهمى معرفة اتجاه الريح ، فهؤلاء يعرقلون خطوات الوطن نحو المستقبل.