بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
اسمها في شهادة ميلادها (بدوية محمد علي الميادين كريم)، أما اسمها الفني الذي عرفناها به فهو (تحية كاريوكا) بنت الإسماعيلية أو بنت البلد (الجدعة) الممتلئة شهامة ووطنية وحب الناس ومساعدة الناس حتى أحبها كل الناس.. ومع ذلك فلها بدل الحكاية حكايات.. بعض يفيض بالسعادة والتفاؤل.. والآخر ملئ بالشجن والدموع..
نبدأ من البداية؟!
سنبدأ من البداية..
كانت بدوية فتاة الإسماعيلية صاحبة جسم جميل وابتسامة ودودة وعينان تتكلمان، ومع هذا كله كانت تعشق الرقص وكثيرا ما ضبطها شقيقتها ترقص أمام المرآة سعيدة برقصها وبالموسيقي التي لا تتوقف في آذانها..
وضربها شقيقها أكثر من مرة وسمعها الجيران وهي تصرخ وترد عليه وترقص أن يضربها فهي ليست صغيرة وكان ذلك لأنها لابد أن تسمع الكلام لأنها كبرت وأن ما تفعله يضر باسم عائلة الميداني كريم المعروفة.
وقررت بدوية أن تترك الإسماعيلية التي لم تعد تتسع لأحلامها ولا حياة لها فيها مع شقيقها الذي لا يعترف بموهبتها..
وانتهزت بدوية الفرصة وجمعت ما استطاعت من ملابسها وبما يكاد يكفيها الشهر إلى القاهرة عند خالتها الفنانة سعاد محاسن..
ولم تكن سعاد محاسن خالتها بالنسب ولكنها كانت صديقة الأسرة..
نزلت بدوية إلى القاهرة وذهبت إلى سعاد محاسن التي فوجئت بها أمامها فحسبت أن مكروها قد وقع للأسرة.. لكن بدوية حكت لها حكاية علقة كل يوم وأنها لن ترجع إلى البيت!
وسألتها (بترقصي كويس) فأجابت بدوية بالإيجاب.. فأدارت سعاد محاسن الجراموفون لترى كيف ترقص هذه البنت بدوية؟!
وذهلت سعاد محاسن.. فبدوية يمكن أن تكون راقصة مبدعة وقررت أمرا.
وقالت محاسن.. من الصبح سنذهب أنت وأنا إلى الست بديعة لتراكي.. وسألت بدوية عن بديعة فضحكت سعاد وقالت إنها صاحبة أكبر كازينو في مصر على نيل العجوزة يجتمع فيه كل فناني مصر تقريبا وستراك وتمنحك وأنا كلي ثقة أنك ستعجيبها..
وقد كان..
استقبلها هناك (بشارة وكيم) وكان يساعد الست بديعة في الكازينو أو المسرح فيكتب لها الاسكتشات التمثيلية ويقوم بإخراجها لأن كازينو بديعة كان يقدم الرقص والغناء والتمثيل أيضا وكان يضم من الفنانين (كارم محمود ونعيمة عاكف وبيا عزالدين وبيا ابراهيم واسماعيل يس) وغيرهم..
وكان على بدوية أن تظهر تنتظر الست بديعة لتراها وتمتحنها.. وكانت سعاد محاسن متفائلة ..
وسألت الست بديعة سعاد محاسن عن الحكاية فحكت لها حكاية البنت قريبتها التي تحب الرقص وأنها هديتها إلى الست بديعة التي نادت (روبير) مدرب الرقص ليراها..
ورقصت بدوية فأعجبت الست بديعة وأعجبت روبير لكن اسم بدوية لم يعجب الست بديعة فستمها هدية أو تحية.. وأصبحت تحية ترقص في المجاميع خلف الراقصة الأولى (الصولو)، وأن أجرها سيكون 20 قرشا في اليوم أو خمسة جينهات كل خمسة وعشرين يوما.. واختارت بدوية الحل الثاني لكنها ظلت مقيمة عند الست (سعاد محاسن) التي طمنت أم بدوية أنها عندها فلا تقلق عليها.. وأنها ستكون في الإسماعيلية قريبا..
كانت هذه البداية حتى وجدت بدوية أو تحية سكنا مع إحدى زميلات المجموعات في بنسيون خلف شارع عماد الدين تدفع فيه عن نفسها 150 قرشا بدون الإفطار أو أكواب الشاي.. لتذهب عصرا إلى كازينو بديعة ثم تعود بعد منتصف الليل..
حتى كان ذلك اليوم الذي دق جرس الباب صباحا فلم يستيقظ من البنات سوي (بدوية) التي فتحت الباب لتجد أمامها راهبة تلبس الملابس البيضاء وتحمل في يدها دفترا.. سألت بدوية عن اسمها فأخبرتها.. وقالت الراهبة أنهم ينبون مستوصفا لعلاج العيون هنا في الحي فدفعت لها بدوية كل ما كان معها واستأذنت لتدخل وتنام لكن الراهبة سألتها عن عملها فردت بدوية بكل حسن النية..
أرتست!
وتغير وجه الراهبة وألقت بكل ما دفعته بدوية في وجهها قائلة لها إنهم لا يجمعون المال من أجل الخير من أشباه الارتستات!!
ووقفت بدوية مذهولة لا تعرف ماذا تقول.. وبعد فترة أفاقت لتنحني وتلتقط باقي مكافاة الشهر وهى تسال نفسها عن الجريمة التي ارتكبتها.. ثم عادت للنوم ودموعها لا تتوقف على الوسادة ..
وكانت هذه هي إحدى حكايات الفنانة تحية كاريوكا.. وهى حكايات كثيرة.. مع أنور السادات الذي أخفته عند إحدى قريبات الأسرة في القنطرة وحكايتها مع عبدالناصر عندما قادت مظاهرة ضمت عمال وممثيلي مسرح تحية كاريوكا من شارع سليمان تهتف لمصر ووجهت لمحاكمة كل من تسبب في النكسة.. وأمر عبدالناصر شعراوي جمعة ألا يتدخل مخلوق في المظاهرة يرتكوها تقول ما تشاء فهي على حق..
ثم حكايتها مع كمال أتاتورك زعيم تركيا العلماني الذي نقل تركيا من اللغة العربية والإسلام إلى دولة بلا دين ولا هوية..
وهناك حكاية غريب وأغرب منها أن تحية تزوجت 17 مرة وكان من أزواجها (رشدي أباظة وأحمد سالم ومحمد سلطان وفايز حلاوة).
وربما تحكي هذه الحكايات جميعا بتفصيل أكثر لنعرف من هي بدوية.. أو تحية وقصتها مع هذا العالم العجيب الذي عاشته!!