رضا العربي يكتب : تحليل (برا المنهج) من وحي الأفلاك والنجوم !
بقلم الفلكي : رضا العربي
في فيلم (برة المنهج) الذي كتبه وأخرجه عمرو سلامة وخالد دياب، يجسد الفنان (ماجد الكدواني) صورة شبح، ثيمة قديمة يمكن أن نكون قد شاهدناها من قبل، أنا مثلا أول ما تذكرته حين بدأت مشاهدة الفيلم كان فيلم الرسوم المتحركة الأجنبي (الوحش) الذي يحكي قصة رجل عجوز يرهب الأطفال ويمنعهم من اللعب أمام منزله، لنكتشف مع تطور الأحداث أنه ليس هو المرعب وأنه لايريد طرد الأطفال، لكنه يفعل ذلك خوفا عليهم من شبح امرأته الغاضب، لم يكن هو الشبح لكن زوجته، في (برة المنهج) يجسد الكدواني نفسه الشبح، ونكتشف مع تطور الأحداث أن اختياره للانزواء في هذا البيت القديم المواجه لمدرستين متلاصقتين للبنين والبنات هو بسبب خوفه من أن يتسبب بالعار لابنته.
وإذا كنت تريد أن تعرف حقيقة الأمر فى أى أمر، فتأمل ما يحدث لك ولغيرك فبحسب فيلم (بره المنهج) انظر فى الحوادث واربط بينها!، اخرج بفكرك خارج نطاق الأشخاص والذوات و الألوان والأشكال !، وأدخل فى كل شيئ تراه عامل (الزمن)، فإن عامل (الزمن) فاعل فى حياتنا بقوة بل هو الذى يقودها ويشكلها!.
فكل حال أنت فيه الآن أو غيرك يحكمه ويغلفه شكل معين من أشكال الزمان!.
للزمان أشكال وأحوال وألوان تغلف جميع الشخصيات وتسيطر على جميع الذوات !، ويصبح كل (فعل) محدود بشكل (الزمان) الذى وقع فيه، وتصبح كل (الذوات) محدودة بإطار زمنى يسبقها ويرسمها !
فالذى قال لك (لا) هو محكوم بزمانه الذى قال فيه (لا) ! ، والذى قال لك (نعم) محكوم بزمانه الذى قال فيه (نعم) !، فليس (الشخص) هو من قال (لا) أو (نعم) ، بل الزمان !!، وإذا تبدل (الزمان) بينك وبينه فسوف يغير ما قاله لك سواء نعم أولا ، فالذات أو الشخص يتغير بتغير الزمان دون أن يدرى !، لكن الباحث و المتأمل و المفكر يدرى!
فكل حال أنت فيه أو غيرك فهو محكوم بزمان مشترك بينك و بينهم !، زمانه هو وزمانك أنت فى وقت محدد ينتج زمانا مشتركا يرسم ما يحدث !
وتتقاطع الأزمان مع بعضها تماما مثل تقاطع الخطوط الهندسية على الورق!، فالزمان المصبوغ بلون الفرح يتقاطع مع زمان مصبوغ بلون الحزن، أو يلتقى زمان الفرح مع الفرح أو الحزن مع الحزن.
في خيط آخر من الحكاية هناك الطفل (عمر شريف) في دور (نور) المشهور في المدرسة بـ (عماشة) بسبب ارتدائه لنظارة لا تتناسب والخلل في بصره، فلا يبصر جيدا ما يمكن أن يكون على مد نظره، نور الذي يحاول أن يجذب انتباه حبيبته (سهام) حتى لو كان هذا يعني أن يوقع نفسه في المتاعب، نور الذي سنعرف عن طريقه حكاية الشبح (المراكبي)، ثم نكتشف المفارقة بأن الطفل نفسه هجره أبوه، وكرد فعل قرر أن يعتبره شبحا لأنه لا يعيش معه وقرر تركه لخالته.
ومن ثم ففى كل وقت هناك (تقاطعات) زمانية بينك وبين الناس أو أحد من الناس، وعلى هذا النحو تتشكل أحداث الحياة كلها لك ولهم وللجميع منفردين أو مجتمعين.
والذى قال لك (لا) سيعود و يقول لك (نعم)، لو بلغت ذلك الزمان بينك وبينه الذى فيه (نعم) !، و قد لا تبلغه !، وربما قد فات و قد يكون آتيا !
فالناس ليست على ذواتها وليست على أشخاصها، بل هى على أوقاتها!، فالوقت والزمن هو الذى يحكم ويرسم أشكال الناس وأفعال شخصياتهم فى وقت معين، ثم يمر الزمان ولوقت وتسأل نفسك (لماذا تغير من تغير)؟!
ثم تلقى عليه الصفات و الأوصاف والمعانى بسبب ذلك (التغير) !، و لماذا عاد من عاد ؟! فتلقى عليه أيضا سبب العودة !، لكن الحقيقة أن (الزمن) تغير و ليس الشخص الذى تغير من تلقاء نفسه!
والزمن مسيطر عليه وعليك ويقود ذلك التغير وكل هذه التغييرات، و ينتج عن هذا كله عنصرا آخر يشعر به الناس و لا يدركون معناه !، ألا و هو (الحظ)!، فأنت فى أى وقت تقع فى مجال (حظك)، فحظك الآن هو ما أنت فيه من حال الآن.
يمكن أن نعتبر الفيلم يسير على ثلاثة خطوط متوازية؛ الخط التاريخي الذي يحاول أن يوصل المخرج عن طريقه رسالة أن ليس أشهر الروايات في الوقائع التاريخية هى دائما الصحيحة، والخيط الذي يتحدث فيه عن علاقة الأبوة والبنوة، والخيط الذي يشير إلى الخرافة التي تتسبب الصدفة وحدها في تحويلها إلى حقيقة.
وفي رأيي، فإن أهم خط والذي أعتبره صلب القصة بالنسبة لي هو حكاية (الكدواني) وأبنائه، ربما لأننا طوال الوقت نعرف أكثر عن وجهة نظر الأبناء، من يشتكي دائما ومن تبرز أصواتهم في القصة هم الأبناء، وفي الفيلم نحن نركز على معاناة الأب الذي يخاف أن يكون بجانب ابنته حتى لا يتسبب لها في الشعور بالعار من أبيها المذيع الذي أتقن الكذب للتخفيف عن الناس ثم تمادى فروَّج لإشاعة كاذبة ليخفف وطأة الهزيمة في الحرب على المستمعين بينما كان جيشنا في الحقيقة يهزم، فيتم تحويله إلى التحقيق ويفقد على إثر ذلك وظيفته.
انظر هنا جيدا سوف تلحظ (الحظ) يتغير فتصبح فى حال أخرى فى وقت آخر !.. و هكذا، إذن فالحظ هو (تقاطع) زمانك مع زمان غيرك أو مع زمان الآخرين!، وقد عرف الناس الحظ بأنه هو الأمر المجهول الذى يسيطر عليهم ، فيقول (هذا حظى)، أو يقول (أنا محظوظ) أو يقول (حظى سيئ)، أو يقول (حظى جيد مع فلان) أو (حظى سيئ مع فلان) .. إلخ!
وهذا أمر حاصل بين الناس جميعا، وجميع الناس يقولون ذلك . .
وهذا هو إحساس الناس بأن أمرا ما حولهم أو فيهم (يحدد) أوضاعهم و(يحدد) أحوالهم و يقيد تطلعاتهم أو يطلقها.. يمنعها أو يحققها!، وهذا الإحساس صحيح 100% وهو موجود فى خبرة جميع الناس، لكنهم لا يعرفون (ما هو)؟! فيسمونه (الحظ) كاسم (مجهول) !
ظني أننا لا نرى الكثير من الأفلام في السينما المصرية التي تحاول نشر ثقافة الأخلاق الحميدة، أو ما يمكن أن نطلق عليه أفلام العائلة؛ لذا يعتبر (برة المنهج) فريداً من نوعه، ففي الفيلم يأخذنا المخرج في لقطات (فانتازية) للتحدث عن زعماء التاريخ، يأخذ من كل قصة عبرة ليعلم الطفل (نور) شيئا ما يطبقه كي يكسب احترام أصدقائه ومعلميه وكي يكون شجاعا كفاية كي يعترف لحبيبته بإعجابه، وربما بعد نجاح الفيلم ينتبه المخرجون أن المجتمع مل الثيمات المتكررة للتحدث عن البلطجة والعنف والسباب والبذاءة.
لم يناقش الفيلم بوضوح الخيط الدرامي للخرافة التي تسبب الصدفة في تحويلها لحقيقة، لكنه بلور القضية كلها بشكل جيد في المشهد الذي خرج فيه (نور) ليحلف لهم أنه لا شبح في البيت المهجور، وأنه إنسي مثله مثلهم لكن لا أحد يصدقه لأنه وعن طريق الصدفة تحدث الأمور التي طلب منه الأصدقاء التوسط فيها لدى الشبح كي تتحقق، وربما حتى نهاية القصة سيكون هناك آخرون يرفضون تصديق عدم وجود الشبح مثل أخت (سهام) التي تظن أن قطعة من وشاح المراكبي تسببت في حملها بطفلها.
في نهاية الفيلم يترك لنا المخرج نهاية حزينة وربما قابلة للتأويل بأكثر من طريقة؛ إذ إنه لا سبب واضحا للتسبب في موت (نور)، هل كي تكتمل الحبكة الدائرية من وجود إنسان يختار بإرادته أن يكون شبحاً، وتحول إنسان بغير إرادته إلى ذكرى شبحية؟، هل لإبراز فكرة أن (نور) هو أيضاً سينضم إلى شجعان التاريخ؟ أم لإبراز فكرة أخرى؟ لماذا يموت نور؟
وبعد كل مامضى فإن علم الفلك (الأسترولوجى) يكشف ذلك (الحظ) ويقرأه ويحاول توصيفه ، سواء لفرد من الناس أو لمجموعة من الناس شعبا أو دولة أو كل العالم!، ففى الأفلاك والنجوم والبروج حولنا وفوقنا (معرفة) هامة بهذه الأطر الزمنية، معرفة (قديمة) تعود إلينا (حديثة) فى عصر آخر و زمان آخر، هو وقتنا الحالى والتالى!.