بقلم : بهاء الدين يوسف
على قافية الفيلم الكوميدي القديم (البحث عن فضيحة) نعيش في مصر هذه الأيام مولد البحث عن مجرم يتحمل مسؤولية الجريمة البشعة بمقتل الطالبة (نيرة) في المنصورة على يد زميلها الذي تقدم لها ورفضته.
مشكلتنا الكبرى في مصر أننا نرفض مواجهة أنفسنا ونهرب من النقاش الجاد الهادف إلى إيجاد حلول حقيقية لمشاكلنا، وبدلا من ذلك نلجأ للحل الأسهل وهو إلقاء التهم على أي شخص أو جهة أو فئة لكي نحتفظ نحن ببراءتنا المزعومة وننام ملء جفوننا دون أن نسمع صوت تأنيب الضمير الذي يبدو أنه أصيب بالخرس من كثرة ما صرخ فينا دونما استجابة.
أحدث موضات الجدل في مصر هذه الأيام حول مسئولية الفن عن مقتل نيرة، حيث يرى البعض أن أغلب الأعمال الفنية في مصر في السنوات الأخيرة باتت تروج للعنف، في حين يجادل أهل الفن أن الجريمة موجودة قبل الفن وبالتالي إلصاقها به يحمل إجحافا لمهنة تحث على الرقي بالذوق والسلوك.
لكن المدافعين عن الفن يتجاهلون حقيقة بسيطة أن أحدا لا يقول أن الفن هو من خلق الجريمة أو حرض على ارتكابها، لكن المشكلة أن الأعمال الفنية تقدم نماذج يتخذها الكثيرون قدوة لهم، وأتذكر في هذا الشأن أزمة حدثت في مصر في ستينيات القرن الماضي بعد انتشار حوادث انتحار الأطفال بسبب محاكاتهم لمسلسل (فرافيرو العجيب)، حيث كانوا يقفزون من فوق أسطح المنازل وهم يلفون أعلاما حول وسطهم مثل شخصية (فرافيرو) مما دعا السلطات لوقف عرض المسلسل حينذاك.
وبحسب التحليل النفسي فإن الشخص العادي يتأثر بما يشاهده على الشاشة بدرجة تفوق تأثره من خلال الكتب أو الأشخاص في الواقع، ومع تراجع معدلات القراءة لدى الشباب باتت ثقافة الشخص تكتسب بشكل أساسي من الأعمال الفنية التي يشاهدها أو يسمعها، وبالتالي فماذا ننتظر من شباب يشاهدون أبطالهم المحبوبين يهددون حبيباتهم على الشاشة بالتشويه إذا تمردن عليهم، مثلما فعل (أحمد عز) في فيلم (أولاد رزق) أو يهددون من يقترب منهن بقطع رجله لأن الحبيبة سيئة الحظ تخص البطل البلطجي؟!، وماذا ننتظر أن يحدث لشباب في مجتمع تكاد أعماله الفنية وتجمع على تكريم البلطجة ومد الأيدي واستخدام الأسلحة المختلفة بدلا من الحوار؟!.
هنا أعود لاقول لأهل الفن أننا لا نحملكم مسؤولية الجريمة ولكنكم مسئولون بالتأكيد عن زرع ثقافة البلطجة والعنف وتقديمهم في صورة محببة للشباب، ما يؤدي بالضرورة إلى انتشار العنف في المجتمع واستسهال البعض لاستخدام السلاح بديلا عن الكلمات، أو محاولة استعراض العضلات أمام فتاة الأحلام أو عليها بما أن الأعمال الفنية التي نشاهدها تؤكد أنه يجدي نفعا.