بقلم : حنان أبو الضياء
(ميريل ستريب)، هى واحدة من الممثلات القلائل اللواتي يمكن أن يضاهين أثقل الممثلين وزناً من الذكور دون اللجوء إلى الجاذبية الجنسية ؛ عندما تراها تلعب أمام (كلينت ايستود) أو (روبرت دى نيرو) أو (ديستان هوفمان) .. تلك هى روح ستريب التى اعترف هوفمان برغبته في خنقها أثناء تمثيل فيلم Kramer.
قال (دستيان هوفمان) إن التمثيل معها مثل لعب التنس مع العظماء، في مرحلة ما من تنفيذ فيلم (كرامر) سأل (روبرت بينتون) نجميه عما يعتقدان أن شخصية (ستريب) يجب أن تقوله عند الاستجواب، وقال داستن : أعرف ماذا ستقول! ، وقال روبرت: انتظر، دع ميريل تتحدث، وهكذا ذهبنا جميعًا إلى غرفنا وكتبنا ما اعتقدنا أنه يجب أن تقوله في قاعة المحكمة واختار المدير غرفة (ستريب)، لقد ثبت من هذا الدور أن على المبدع أن يرتدي الملابس ويقل ما من المفترض أن يقوله.
من بين كل اللهجات التي قامت بها (ميريل ستريب) وجدت الأسترالية لـ A Cry In The Dark وهي السيرة الذاتية لـ Lindy Chamberlain، هي الأصعب، كان عليها تدرس قليلاً من أجل الأسترالية لأنها لا تختلف (عن الأمريكية) ، لذا فإن الأمر يشبه القدوم من الإيطالية إلى الإسبانية.
A Cry in the Dark فيلم درامي أسترالي عام 1988 من إخراج فريد شبيسي، يستند السيناريو إلى كتاب (جون برايسون) عام 1985 الذي يحمل نفس الاسم ويؤرخ قضية (أزاريا تشامبرلين)، وهي طفلة تبلغ من العمر تسعة أسابيع اختفت من أحد المخيمات بالقرب من (أولورو)، وكانت تسمى آنذاك (آيرز روك) في أغسطس 1980 وكفاح والديها (مايكل تشامبرلين وليدي تشامبرلين) لإثبات براءتهم لجمهور مقتنعًا بأنهم متواطئون في موتها حيث تقوم ميريل ستريب بدور الأم.
تلقى أداء (ستريب) إشادة عالية وترشيحًا لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، لكنه كان خيبة أمل في شباك التذاكر، حيث حقق 6.9 مليون دولار فقط مقابل ميزانيته البالغة 15 مليون دولار.
لقد اختلف الأمر قليلاً مع (ميريل ستريب) عند تقديمها دور البارونة (كارين بيلكسن)، لقد استحوذت على لهجتها لـ Out Of Africa من مربية Jeremy Irons الدنماركية بشكل جاد، اعتقدت أنها من الأفضل تحصل على اللهجة الدنماركية، لذلك اتصلت بـ (جيريمي آيرونز) لأنها كانت تعرف أن لديه مربية دنماركية وجعلهتا تقرأ الشعر في شريط تسجيل والذي استمعت إليه في طريقها إلى إفريقيا.. أنها روعة (ميريل ستريب) عند التحضير للدور.
كادت (ستريب) أن تفقد الدور لأن المخرج (سيدني بولاك) اعتقد أنها لم تكن مثيرة بما يكفي، لم تكن (ستريب) سعيدة أبدًا بمظهرها، وقد تكون اتهامات البرودة جزئيًا نتيجة لهيكل عظامها المدبب، تتذكر مراهقتها المبكرة عندما تقول: (تختفي دهون الأطفال وتبدأ في رؤية هذا الأنف الكبير يظهر وهذه العظام في وجهك التي لم تكن موجودة أبدًا وتعتقد أنك مرعب المظهر، كنت فتاة مع شقيقين لذلك لم يمر إخوتي بهذا، والآن لدي ثلاث بنات أرى أن كل فتاة تمر بهذا حيث يحاولون تجميل مظهرهم في عمر 12 أو 13 عامًا، يشعرون بالقلق حيال ذلك وهم أمام المرآة طوال الوقت)، وتتسأل ستريب: (هل لدي أكثر الأطفال سطحية في العالم؟ لكن البشر يفعلون هذا).
الخروج من إفريقيا من إنتاج عام 1985 وهو مقتبس عن الرواية الذاتية للكاتبة الدانمركية البارونة (كارين بيلكسن)، أخرجه (سيدني بولاك) الذي حاز على أوسكار أفضل مخرج لإخراجه الفيلم، ويحكي الفيلم عن تاريخ استقرار الأوروبيين في القارة السمراء تحديدا في كينيا في فترة 1914-1931 حيث مثلت النجمة (ميريل ستريب) دور البارونة التي رشحت لأوسكار أفضل ممثلة بجانب الممثل (روبرت ريدفورد)، وقد حاز الفيلم على 7 جوائز أوسكار من بينها: أفضل فيلم لعام 1985، أفضل مخرج، سيناريو وموسيقى، كما حاز على 3 جولدن جلوب، كما دخل في قائمة 100 عام، 100 عاطفة التابعة لمعهد الفيلم الأمريكي
هجوم الأسد
لأكبر قدر ممكن من الواقعية اختار المخرج (سيدني بولاك) تصوير الفيلم بين إنجلترا وكينيا بالإضافة إلى القواعد والقيود العديدة التي فرضتها الحكومة الكينية التي لم تكن معتادة على استضافة الإنتاجات الأمريكية الكبيرة، وقد واجه الفريق معضلة أخرى حيث أجبر الحظر الصارم لاستخدام الحيوانات البرية في الترفيه فريق الإنتاج على استيراد أسود من كاليفورنيا لمشاهد معينة.
من المواقف المرعبة فى حياة ستريب عندما طلب (سيدني بولاك) من الممثلة أن تلعب مشهد هجوم الأسد بنفسها نظرًا لأن الأسد لم يكن شديد التفاعل في البداية، فقد حاول المخرج أن يترك العنان للأسد، وبمجرد إزالة الطوق انطلق الحيوان أمام الممثلة التي حاولت إخافته مرة أخرى بالتلويح بسوطها، لا يمكن أن يكون المشهد أكثر واقعية من ذلك ، وخرجت (ميريل ستريب) منه بصدمة شديدة.
هناك اختلافات عديدة بين الكتاب والفيلم، فالكتاب يتحدث عن أسراب الجراد التي أكلت الأخضر واليابس، كما يتحدث عن معارك بالأسلحة النارية في المنطقة، وفي أحد فصول الكتاب تتحدث كارين عن الجيش النازي، ولم يتضمن الفيلم أي شيء من هذا، كذلك يتضمن الكتاب معلومات عن المزرعة التي كانت الكاتبة تملكها بالقول: إن مساحتها تبلغ أربعة آلاف فدان (16 كلم مربع)، وأن ثمانمائة عامل أفريقي كانوا يعملون فيها، وأنه يوجد فيها ثماني عشرة عربة تجرها الثيران، أما الفيلم فيظهر أن كارين كانت تملك كلباً واحداً.
ومن الاختلافات أيضاً بين القصة والفيلم أن القصة لا تأتي على ذكر تفاصيل العلاقة بين (كارين ودينيس) في حين أن الفيلم يغوص في التفاصيل، وفي القصة إشارة إلى أن (دينيس) ترك كينيا لمدة عامين حيث خدم في الجيش البريطاني المتمركز في مصر، وهذه القصة أيضاً لم يأت ذكرها في الفيلم، اختلاف آخر بين الفيلم والقصة، فالطيار بريطاني الجنسية في القصة أما (روبرت ريدفورد) الذي قام بدوره فهو أميركي، ومن المؤكد أن تحدثه باللكنة البريطانية سوف يحير المشاهدين، ومع ذلك فقد أتقن هذه اللهجة تماماً في الفترات الأولى من التصوير، لكن المخرج طلب منه إعادة تسجيل صوته باللكنة الأميركية وتكملة التصوير بهذه اللكنة.
أطول مدة مرت على (ميريل ستريب) بدون ترشيح لجائزة الأوسكار هى خمس سنوات بين 1991 و1996، وتوسلت إلى (ويليام ستايرون) الذي كتب رواية Sophie’s Choice لكتابة جزء آخر مثل هذا لها.
** اختيار صوفي هي رواية صدرت عام 1979 للمؤلف الأمريكي (ويليام ستايرون) يتعلق الأمر بالعلاقات بين ثلاثة أشخاص يتشاركون منزلًا داخليًا في بروكلين: ستينجو، كاتب شاب طموح من الجنوب وعالم يهودي (ناثان لانداو) وعشيق صوفي الناجية البولندية الكاثوليكية من معسكرات الاعتقال الألمانية النازية والتي يصادقها ستينجو.
** فازت Sophie’s Choice بجائزة الولايات المتحدة للكتاب الوطني للرواية في عام 1980، كانت الرواية أساس فيلم عام 1982 يحمل نفس الاسم، وكان مثيرًا للجدل بسبب الطريقة التي صاغ بها آراء (ستيرون) الشخصية فيما يتعلق بالهولوكوست، ومن ثم تم تحويل الرواية إلى فيلم يحمل نفس الاسم في الولايات المتحدة في عام 1982، وقد كتب الفيلم وأخرجه (آلان جيه باكولا) وتم ترشيح الفيلم لجوائز الأوسكار عن (سيناريو الفيلم والموسيقي والتصوير السينمائي وتصميم الأزياء)، و حصلت (ستريب) على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن أدائها لدور البطولة.
بجانب موهبتها الطاغية، لم تكتفي بتعلم اللكنة البولندية التي تكلمت بها طيلة الفيلم، ولكنها اتقنت اللغة البولندية نفسها والألمانية التي استعملتهما في بعض المشاهد، ولعل المجهود التي تبذله يوضح شغف كبير بما تصنعه ويوضح أيضاً لماذا تترشح كل عام وبفوزها بجوائز أوسكار منهم واحدة على هذا الدور.
في آواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي قدمت ستريب ما يعتبر أسوأ أفلامها مثل Death Becomes Her، فيلم كوميدي تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر في سنة 1992، والفيلم من إخراج (روبرت زيميكس)، تدور أحداث الفيلم حول امرأتين تشتعل الغيرة بينهما منذ الصغر وتتصارع كل منهما كي تصبح أفضل من الأخرى إلى أن تسرق إحداهما (ميريل ستريب) من الأخرى (جولدي هون) خطيبها (بروس ويلز) وتغريه حتى تتزوج منه، ولذلك يزداد الصراع بينهما ولكن بعد أن يتقدم بهما العمر تحاول كل منهما أن تكون الأجمل حتى تعثر إحداهما على دواء سحري يجعلها تعيش للأبد، ويحافظ على شبابها، وبعد ذلك تعود (جولدي) لخطيبها السابق وتخطط معه لقتل ميريل، ولكنهما يقتلانها وهي لا تموت!.
** في 8 نوفمبر 2002 ، ظهرت ستريب في برنامج (أوبرا وينفري) مع (نيكول كيدمان وجوليان مور) لتعزيز تعاونهما في فيلم يسمى (الساعات) والذي تم اقتباسه من مقتبس (مايكل كننجهام) لسيدة تدعى (دالواي) من فرجينيا وولف وزود النساء الثلاث بأدوار قوية للغاية.
** قالت كيدمان: (لا يمكنني فعل ذلك) موضحة شعورها قبل التصوير: (أنا فقط لا أريد العمل ، أنا مستاء للغاية، لن أتمكن من القيام بذلك، فقط أخرجني منه! أخرجني منه!).
** قالت مور: (في البداية ، أنا خائفة في المنتصف بدأت أشك في اختياراتي؛ ثم في النهاية أعتقد أنني دمرتها.. لقد دمرتها).
** قالت أوبرا وينفري: (واوميريل، هل تفعل نفس الشيء؟).
** قال ستريب: (أفعل ذلك طوال الوقت، لأنني أعتقد أننى لا أعرف كيف أتصرف،
لذلك تلجأ (ستريب) من الضغط الى عائلتها خاصة أولادها حين ذاك هم (هنري وماري وجريس ولويزا)، أكبرهم 26 عامًا وأصغرهم 15 عامًا وأخرى في سن السابعة.
اشتكى ابنها دائمًا من كونه الطفل الجديد في المدرسة وتوقفت الأسرة عن التنقل واستقرت في ولاية كونيتيكت حيث مكثوا لمدة 20 عاما، في وقت سابق انتقلوا إلى دور علوي في (تريبيكا – نيويورك)، في الريف أحبوا المكان هناك ولم يرغبوا في الانتقال إلى نيويورك، لقد كانوا خائفين، وقالت ستريب: (ستحبوا نيويورك .. إنها رائعة).
** سألت (أوبرا ستريب): لماذا كانوا خائفين؟
أجابت ستريب: (لأنها مدينة كبيرة ولا يعرفون أحداً، الأولاد محافظون للغاية ولا يريدون مقابلة أشخاص جدد.. إنهم يحبون جيرانهم).
الطريف أن (ستريب) تستنكر انجذاب أولادها إلى التمثيل، تقول ستريب: (أود أن يكون شخص ما عالم فيزياء فلكية أو حتى مجرد طبيب بيطري، لكن يبدو أنهم ينجذبون إلى التمثيل).
وفى الحقيقة أن ابنها الأكبر هو أكثر اهتمامًا بالموسيقى، وتتمتع (ستريب) نفسها بصوت قوي وواضح وغنت بشكل لا يُنسى بدون مرافق في المشاهد النهائية في (سيلكوود)، عندما فقدت دور البطولة في Evita أمام مادونا أشارت بشكل مشهور إلى أن صوتها أفضل، وهنا تتحدث بموضوعية تمامًا، تقول: (ابني موهوب بشكل لا يصدق، وقد حصلت ابنتي بعد التخرج من الكلية على وظيفة رائعة في مسرحية، وكان أول شيء أقلقها هو: هل حصلت على هذا الدور لأنها ابنة (ميريل ستريب)؟، وقلت: ربما حصلت على الاختبار بسبب ذلك، لكن لن يضعك أحد في المقدمة في مسرحية تُعرض ثماني مرات في الأسبوع على الرغم من عرضها عدة أشهر لأنك ابنة شخص ما.. المهم في النهاية أنها كانت رائعة.