بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
خبر حزين ذلك الذي طالعتنا به جريدة الأهرام يوم 23/6 وهو خبر وفاة الصحفي الكبير الأستاذ (محمد صالح) الذي كان مشرفا على صفحة الإذاعة والتلفزيون والصفحة الأخيرة في الجريدة، ومن هنا ربطت الصداقة بينه وبين عدد كبير من الإعلاميين داخل الإذاعة والتلفزيون، وكان هو يتابع معظم البرامج ويكتب نقدا مهما عليها.
لم يكن (محمد صالح) من المعدين الدائمين للبرامج ولكنه قدم لي فكرة برنامج من البرامج القصيرة التي تذاع في شهر رمضان المبارك بعد أذان المغرب والفوازير في البرنامج العام بالإذاعة، كان البرنامج بعنوان (ابن الوز ) وفكرته هى أن نلتقي بضيف من نجوم الفن أو العلم أو الأدب ونجري معه حوارا حول الأبناء ومن منهم ورث موهبة الأب النجم، أي هل الابن يستطيع أن يرث ألموهبة وهل الموهبة تورث وراي الآباء في ذلك، وهل يحب الأب أو الأم أن يعمل الابن أو الابنة في نفس الوظيفة أو المهنة التي يمارسها الآباء أو ينشغل بنفس نوع الفن الذي نبغ فيه الآباء.
وبما أن (محمد صالح) كان يعد البرنامج فقد رشح لي ثلاثين اسما نسجل معهم لقاءات على مدي شهر رمضان المبارك عام 73، التقيت ببعض منهم في الأسبوع الأول وجاءتني لأول مرة لاتعرف بها السيدة المنتجة الجميلة والمخرجة العظيمة السيدة (ماري كويني) التي كانت متزوجة من المخرج القديم (أحمد جلال) وأنجبت منه المخرج الشاب (نادر جلال) الذي اصطحب الأم السيدة (ماري كويني) في لقائنا الإذاعي، ومن الضيوف أيضا في برنامج (ابن الوز) الفنانة الكبيرة (مديحة يسري) التي قدمت لي ابنها (عمرو محمد فوزي) رحمهم الله جميعا وسجلت معهما الحلقة.
من الحلقات أيضا حلقة مع الموسيقي والملحن الكبير (علي إسماعيل) الذي ذهبت الي بيته في الدقى وقابلته مع ابنه الموسيقي الشاب الواعد (مصطفي)، ومن الحلقات أيضا حلقة مع الطبيبة الأستاذة (الدكتورة تماضر النمرسي) وابنها الفنان (عبد المنعم كامل) الذي أصبح مديرا للأوبرا بعد ذلك، وسجلت حلقة أخري مع الفنانة هند رستم التي حدثتني عن ابنتها وكيفية تربيتها وتعليمها بعيدا عن الفن تماما، وكنت قد سجلت وأذعت تسع حلقات من هذا البرنامج في التسعة أيام الاولي من شهر رمضان المبارك.
وكانت الخطة الموضوعة و المتفق عليها مع المعد الأستاذ محمد صالح – رحمه الله – هى إذاعة الحلقة العاشرة مع الفنان السيد بدير وابنته المذيعة (سميرة بدير) في إذاعة صوت العرب، وعندما ذهبت صباح اليوم المقرر للإذاعة للتسجيل مع الأستاذ السيد بدير في مكتبه بشارع سليمان باشا في عمارة هيئة الاستعلامات، وفي السيارة التي اقلتني استمعت إلى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة وهو البيان الأول الذي أذيع في الساعة الثانية بعد الظهر من إذاعة البرنامج العام بصوت المذيع القدير (صبري سلامة) ويعلن خبار اقتحام قواتنا المسلحة للمانع المائي بقناة السويس واقتحام حصون العدو الإسرائيلي وتحطيم خط بارليف المنيع.
كان اليوم هو العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 73 ذهبت الي مكتب الفنان (السيد بدير) فوجدته يبكي بكاء حارا ويتذكر ابنه الذي استشهد في حرب الاستنزاف من قبل، وهو أيضا ابن الفنانة (شريفة فاضل) التي غنت له أغنية (أم البطل)، ولم نتمكن من تسجيل الحلقة معه ولم أصر علي ذلك نظرا لخبرتي وعلمي بأن البرنامج لن يذاع وأن جميع البرامج سوف تتوقف ولا صوت يعلو فوق صوت الحرب ونشوة الانتصار العزيز، أما عن الحلقات التي أذيعت فكان لي عليها بعض الملاحظات:
هناك أبناء لم يقدموا لأبائهم الاحترام الكافي فكان الابن يقاطع الأم أو الأب أثناء التسجيل وأحيانا يكذب ما رواه من ذكريات عن هذا الفن أو الوظيفة من خبرته القديمة ولا يراعي وجودي أو أن البرنامج يذاع علي الهواء، وأيضا هناك الأب الفنان الذي أقسم بأن ابنه هذا الذي يدرس دراسة فنية لن يفلح فيها ولن تكتب له الشهرة لأنه لا يشتغل علي نفسه ويطورها، أما الحلقة التي سببت لي غضبا وقلقا شديدا فكانت هذه : بعد إذاعة حلقة الفنانة (هند رستم) وكنت قد سألتها عن هوايات ابنتها ثم الطريقة التي تتبعها في تربيتها وعن المستقبل الذي ترجوه لها، وأجابت (هند رستم) بأنها شديدة جدا مع ابنتها وتربيها التربية الحديثة مع قليل من الحرية التي تسمح بها، لكن رقابتها محكمة جدا حول الفتاة، وأنها لن تجعلها تعمل بالفن او بالوسط الفني بتاتا.
وفي اليوم التالي للإذاعة وجدت مقالة نقدية شديدة اللهجة ضد الحلقة والبرنامج كتبها الأستاذ الدكتور (عماد فضلي) أستاذ الأمراض النفسية والعصبية يهاجم فيها حواري مع الفنانة، ليقول: هل نحن نأخذ بعض الفنانات قدوة للأسرة المصرية عندما تحدثت الفنانة عن أسلوب تربيتها لابنتها؟، وهل يصح ذلك ولهجة عنيفة أخري ضد حديث (هند رستم) ولم أستطع الرد على هذا الهجوم لأنني أنا التي سألتها كيف تربي وتعلم ابنتها؟، وما هو المستقبل الذي ترجوه لها وهل تحب أن تعمل ابنتها بالفن أم لا؟.
لكنني قابلت الطبيب بعد ذلك وكان من المتعاملين مع الإذاعة ومضي الموقف علي خير بعد المناقشة معه، وهكذا كان شهر رمضان بالنسبة لي هو تسعة أيام فقط، ومع كل البرامج الأخري التي توقفت وبدأنا نستمع ونطرب للبيانات العسكرية الحقيقية والأغاني الجميلة التي واكبت الحرب، (وانا علي الرباب باغني، وباسم الله، وسمينا. وعدينا)، وغير هم من الأغنيات الوطنية الشجية التي عاشت إلى الآن.