بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
لم أستطيع أن أتوقف عن الكتابة عن عظماء وحقائق وفنانين لم ينالوا حقهم من الشهرة ولا المال ولا التقدير في مصرنا الغالية ولكنها الطبيعة الإنسانية والبشرية وهكذا الحياة، وكما قال الكاتب الأمريكي والمتخصص في التنمية الذاتية (ستيفن كوفي) الناس غير منطقيين لا تهمهم إلا مصلحته ، ومن هنا قد يظلم البعض نعم وقد يظلم الكثيرون وهذا ما حدث مع الفنان العظيم والحالة الخاصة التي اتحدث عنها اليوم.
اليوم أتحدث عن نجم أعرف قدره وكثيرين من صناع ومبدعي السينما والمسرح كان بسمة كثير من أعمال خالدة نتذكرها بوجوده وحضوره المحفور في الوجدان إنه العملاق الموهوب العاشق للمسرح (عبد المنعم إبراهيم)، هل تستطيع أن تتجاهله في (إشاعة حب) مع عمالقة الحضور والكاريزما (عمر الشريف) والقديرة (سعاد حسني) ومعهم (يوسف بك وهبي)، و الفيلم من إخراج المبدع (فطين عبد الوهاب).
لقد كان ظهوره بسمة دون إسفاف وضحكة دون ابتذال وقد حفر تواجده وسط الكبار، إنه نموذج الكوميديان وإن كان في قليل من المشاهد ينتهي الفيلم وهو في ذاكرتك لا محالة، وكيف لا نتذكر صانع البهجة القدير (عبد المنعم إبراهيم) وهو يقلد الجميلة (هند رستم) في (إشاعة حب)، ويردد: (كده برضه يا سونة يا خاين، وكما حدث في فيلم (بين السماء والأرض) وكيف أتقن أداء المجنون بشكل مختلف غير مبالغ في تصرفات الجنون، ولكنه وجد مدخلاً للشخصية وكان أداؤه مختلفاً وملفتاً بوعي بتقمصه للمجنون واستخدامه لنظرائه وملامحه الطيبة والمعبرة، وأيضا لا نستطيع أن نتذكر فيلم (السفيرة عزيزة) مع العظيمة (سعاد حسني) دون أن نتذكر شخصية مدرس اللغة العربية وهو يتحدث كدرعمي ويطلب الغوث من سكان الحارة: (أغيثونا .. أغيثونا) بعد أن حاول شقيق عزيزه الاعتداء عليه وعلي حبيبها بالسكين.
ومن ينسي دوره في فيلم (الزوجة الثانية) الغفير الطيب بملامحه الطفولية المعبرة عن كل الحالات باقتدار، وهل ننسي تجسيده للشيخ (عبد البر) في فيلم (إسماعيل ياسين في البحرية ) وجملته التي لا تنسي: (يا لك من شنقيط)، وكثير من أعمال منها (إجازة نصف السنة، أضواء المدينة، بين القصرين، طقية الإخفا، الزوجة 13، قصر الشوق)، ولا نغفل (سكر هانم) الفيلم الكوميدي القائم علي كوميديا الموقف وعبقرية أداء المبدع والنجم (عبد المنعم إبراهيم) حتي وهو يرتدي ملابس نسائية، وإنما قد كانت الكوميديا لا تعتمد علي ابتزال ولا إسفاف ولا مشاهد مزعجة لأي من أفراد الأسرة.
لقد ظلت أعمال هذا النجم وأدواره رغم أنه السنيد في معظم الأفلام إنما هى بصمة يتذكرها المهنيون وأصحاب البصيرة الفنية والنقاد الحقائق وهم قلائل في زمن نجد أحياناً التمثيل لكل جميل وعريض المنكبين وساذج، ويجيد أن يخرج الضحك بأي طريقة، وحتى وإن تجاوز في الألفاظ والحركات.
إنه عبد المنعم إبراهيم صاحب الأكثر من 200 عمل سينمائي لا تستطيع أن تتجاهل وجوده فيها، ولا تستطيع أن تتغافل عن عظمة هذا الفنان في المسرح، فقد أخذ ما يستحق من الجمهور والنقاد وحضرت له عرض (حلاق بغداد) وكانت البطولة المطلقة له وشاهدت عملاقاً بوجهه الذي أضحكنا ها هو حزين مقهور، إنها قدرة علي الانتقال بملامحه من الترچيديا إلى الكوميديا وكيف يعبر بعيونه، إنها طاقة إبداعية لا توجد إلا عند العظماء أمثال (شارلي شابلن وچاك ليمون ولويس دي فنيس الفرنسي الشهير)، وفي نهاية العرض وحين ظهر لتحية الجمهور نال أمامي ما يستحقه، فقد وقف جمهور المسرح الحقيقي يصفق له أكثر من عشر دقائق والأصوات من الصالة تناديه بأسماء الشخصيات في أعماله وإفيهاته، وأعتقد أن ذلك جعلة دائمآً يفتخر بأعماله المسرحية، ولدي يقين أن كثيرآً من النقاد الحقائق في المسرح هم من أسباب أن يستمر هذا المبدع حتي آخر أيامه عاشقاً للمسرح، وكان يعمل في مسرحية (فندق خمس نجوم) آخر عمل له.
ليس بغريب على نجم تخرج من معهد التمثيل وعمل مع الكبار بداية من (زكي طليمات) إلى كبار مخرجي مصر وكتابها أمثال (نعمان عاشور) في مسرحية (عائلة الدوغري، وعلي جناح التبريزي وتابعه قفة) تأليف (ألفريد فرج) و(سكة السلامة) لسعد الدين وهبة، و(باب الفتوح) للقدير (محمود دياب)، فعلا لقد عمل الرجل مع الكبار وعياً وفهماً لقيمة الفنون وتأثيرها علي المواطن، فهل يتذكر أحد جملة مخجلة لفيلم لفطين عبد الوهاب العبقري فعلا، لا أتذكر ولكن للأسف الآن أتذكر كثير من إفيهات أفلام مواسم الأعياد المخجلة والمسيئة لتاريخ السينما، هى الثانية في العالم، وعمل بها الكبار وعياً وعقلاً، كيف بالله عليكم أن ننتظر من نجوم هذا الزمن والأثرياء مالاً فقط.
ولمن لم يقرأ بعضهم كتاب ثم بعض نجمات تصرف فقط على ملابسها ومكياچها والنحت والشفط والهطل، ولا تفكر فيما تتركه بعد سنين ولا يتذكر أعمالها احد فهي اسكتشات يتبادلها نجوم الكوميديا الجدد دون أي قيمة ولا فائدة.
لم يمثل هذا المبدع البطولة ولم يكرم في حياته ولم يجد فرصته الحقيقية، ولكن أجزم أن عبد المنعم إبراهيم من أعظم الكوميديانات في تاريخ السينما، لقد قام الرجل بالعمل في أكثر من 18 عملاً في المسرح مثل خلالها عشرات الأدوار التراجيدية بنفس قدراته الكوميدية، وكان صامتاً صابراً قليل التواجد في التجمعات الفنية وليس له وجود في برامج المسابقات ولا أحاديث له مسجلة فقط يعمل، ويعود إلى منزله وكان مؤمناً أن الفنان يوجد من خلال أعماله وليس تواجده الإعلامي ورغم عمله بالاذاعة والدراما التليفزيونية، وله أعمال لا يمكن أن يتغافل عنها أحد مثل دوره في (الشهد والدموع، والرقم المجهول، وزينب والعرش، وأولاد آدم)، وكان مثله الأعلي في الأداء العملاق (شارلي شابلن). يحزني أن يكون الجيد والمتقن والحقيقي أقل بكثير من الساذج والطيب والممجوج، فلم يعد لدينا مكتشفون لحقائق ولا (رمسيس نجيب) وأمثاله، أصبح الاختيار أحياناً يتم بنجم صعد بفيلم أكشن أو بنوتة جميلة متواجدة في كل الحفلات والتجمعات والمناسبات، وصرفت على جمال وحسن مظهرها ويساعدها بعض الطيبين هواة الشهرة والتصوير في الحفلات والمناسبات.. لكم كامل الحق والله معكم.
لكن ما يزعجني أن يكون لذلك أثر على الفن المسرحي والسينمائي وأوضح يا سادة: كيف أصبحت النجومية السريعة للبعض وهى صفة من صفات زمن (الفيس بوك واليوتيوب) تفرز يوميا كائنات بعضها طحلبي لبلابي لديه قدرةعلي التواجد والتسلق والظهور صفات خاصة، لكنها تفرز وتقدم للوسط الفني كائنات (الترند)، وقانون الطفو يساعد أحيانآً علي تواجد الخفيف وزناً وحبذا وملابس وتلك أيضا لا تزعجني ولكم كامل الحق، المزعج لي أن تكون تلك الطفيليات هى فلتر للاختيار، ونجد أعمالاً تقدم من خلال اختياراتهم.
كيف بالله عليكم فأحياناً تختار البطلة الورق والبطل الطيب يختار المنتج والعجيب ويقترح عليه (الدكوباچ) وحركة الكاميرا، نعم ويختار المشاهد وكيفية إدارة الضرب وقد تختار أو يختار بعض الممثلين طبعاً الموافقين والموتسيكلات.
أتذكر حين حضرت سيدة الشاشه (فاتن حمامة) عرض مسرحية (سحلب) من إخراج وتأليف (محمد نوح) وإنتاجنا وجدتها مستنيره وتتحدث الفرنسيه بطلاقة مع زوجة (محمد نوح) وتتناقش في الموسيقي والعمل بشكل واعي ومشرف، وقد حدث نفس الموقف مع الفنانه الراقصة (سامية جمال) كم كانت رقيقه مهذبة وتتحدث الفرنسية أيضا، وحين تقابلت مع سيدة التمثيل والحضور والإبداع القديرة (سعاد حسني)، كان واضحاً من حديثها كم استفادت من المحيط التي اختارته ومجموعة الأصدقاء من (عبد الرحمن الشرقاوي وعبد الرحمن الخميسي لصلاح چاهين ويوسف إدريس ويحيى العلمي وعبد الرحمن الأبنودي وعلي سالم وحرافيش كافيتريا سوق الحميدية).
توفي النجم عبد المنعم إبراهيم 17 نوفمبر سنة 1978 وترجل فارس من فرسان التمثيل العظماء، والمظاليم لدينا مبدعون في كل المجالات مصر عامرة بالمواهب، ولكنه والبحث والفرز والاستسهال أحياناً، فكثيراً ما نجد منتجين تجار تعمل لمجرد الكسب وتتوه الحقائق والمنتجين أصحاب المهنية، المنتج ياسادة هو من أهم مفردات العملية الإبداعية في السينما العالمية، وكثيرا ما نجد معظم الفنانين ينتجون لأنفسهم وللآخرين ومنهم (أوليفر ستون) المخرج والسيناريست وأكبر موسيقي في أمريكا (كوينسي جونس) وأكبر مذيعة (أوبرا وينفري وكلينت استود) وكثيرون.
وفي مصر علي سبيل المثال (أنور وجدي) مخرج ومنتج وممثل (ماجدة وفريد شوقي وصلاح ذو الفقار) فيختار عملاً لثروت أباظة (شيئ من الخوف) من علامات السينما المصرية، إنه اختيار الممثل الواعي وبالمثل عمل النجم (نور الشريف) فأنتج ما يرضي وعيه وثقافته، وفي المسرح اختيارات (تحية كاريوكا وفايز حلاوة وجلال الشرقاوي ومحمد صبحي والرحبانية في لبنان) .. إنه عشق الفن عند الحقائق من المبدعين مصر تاريخ سينمائي طويل، ولدينا كوادر في كل المجالات فعلينا الاهتمام والنقد الجيد والفرز فمصر تنطلق وتستحق.