قلب الليل .. فيلم عاطف الطيب الذي أكد (أبوسيف) أنه لا يجرأ على إخراجه !
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى مبدع من عمالقة الإخراج السينمائي في مصر وهو المخرج (عاطف الطيب) الذي رحل عن حياتنا في مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 23 يونية عام 1995، عاطف الطيب الذي لم يأت حتى الآن مخرج بتفكيره ولا اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة للأسرالمصرية متوسطة الحال، فكان البسطاء النبلاء هم شخصياته المفضلة، عنهم يحكي بالصورة، ويتحدث إليهم بلغة السينما التى كان ينشدها شعرا ويرسمها لوحة ويعزفها لحنا.
في شهادة نادرة للمخرج الكبير (صلاح أبوسيف) نشرنا منها جزء العام الماضي، ونستكملها هذا العام يقول: (عاطف الطيب يشبهني فكرا وفنا، وعندما كنت أشاهد أفلامه كنت أتوقف أمام بعض المشاهد، وأشعر كما لو كنت أنا الذي أخرجتها، وبالذات تلك المشاهد التى كان يصور فيها الحواري والشوارع الشعبية، وشقق الطبقة المتوسطة بتفاصيلها الصغيرة الدقيقة، إن شخصية مثل التى قدمها (عاطف الطيب) وأداها أحمد زكي في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) كنت سأقدمها بنفس الأسلوب إذا أخرجت أنا هذا الفيلم.
وكان لابد أن نلتقي أنا والطيب وتربطنا علاقة ود واقتراب حميم ساعد على تعميقها أنه كان يتمتع بسلوك أخلاقي نادر المثال وحياء وأدب جم، التقينا كثيرا في مهرجانات المغرب وفي (كان) لسنوات وكنا نجلس على المقاهي لساعات طويلة نتبادل حوارا سينمائيا يبدأ ولا ينتهي إلا عندما نحزم حقائبنا عائدين إلى القاهرة.
وفي تقديري أن (عاطف الطيب) لم يلق التقدير النقدي الذي يستحقه في حياته فقد هوجم كثيرا، وظلم كثيرا، وبالنسبة لي فقد كنت أتوقف بالإعجاب الشديد أمام جرأته في خوضه تجارب سينمائية غير مسبوقة كما فعل في فيلم (الزمار) مثلا، أو تلك التجربة الجديدة كتابة وإخراجا التى خاضها في فيلم (قلب الليل) عن رواية نجيب محفوظ، أنا شخصيا لو قرأتها لا يمكن أن تشجعني على تحويلها إلى عمل سينمائي، ولكنه ومعه – السيناريست محسن زايد – كان أكثر جرأة مني، وهى مسألة تحسب له رغم أن صعوبة تحويل تلك الفكرة الفلسفية إلى لغة سينمائية حالت دون وصولها إلى الناس.
لقد ظل اسم (عاطف الطيب) مرتبطا بفيلم (سواق الأتوبيس) باعتباره أفضل أفلامه وهو كذلك فعلا، ولكنى أرى أن فيلما مثل (البرئ) لا يقل عنه أداءا في المستوى الفني، وإن كان لم يأخذ حظه من النجاح، عاش (عاطف الطيب) مشواره السينمائي مبدعا ومتجددا يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا ولكنه كان يواصل طريقه بصدق فني وإنساني دائما، وعندما شاهدت بعد رحيله آخر أفلامه (جبر الخواطر) لم أجد فيه (عاطف الطيب) الذي أعرفه، ولكنني واثق أنه لو امتد العمر به كان سيجد نفسه مرة أخرى وكنت سأجده على الشاشة أنا وملايين المشاهدين كما عرفناه.
هذا الأسبوع ننشر له في باب (سيلفي النجوم) صورة تجمعه بالملك فريد شوقي والفنان محمود الجندي في مشهد من فيلم (قلب الليل) هذا الفيلم الذي ينتمي لنوعية ليس لها شبيه في السينما المصرية، حيث أنه قائم على فرضية افترضها نجيب محفوظ، ماذا لو أعاد الله خلق آدم؟ هل سيظل في الجنة أم سيهبط؟، ووجهة نظر نجيب محفوظ كانت تتلخص في أنك في الحياة لا تعرف أين الطريق الصحيح، إنك تمشي فقط.