رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سفينة (نوح) الإبداعية تنتشلنا من طوفان الفن المبتذل !

كتب : محمد حبوشة

في أمسية جميلة بمداد من الحب والعشق للجمال في الفن والحياة، حل  الموسيقار والروائي والفنان التشكيلي المثقف الموسوعي (حسين نوح)، ضيفا على صالون الأوبرا في نهاية موسمه الحالي، وحملنا معه في سفينة الإبداع الراقي والثقافة الرفيعة وعلى جناح حكي ذو شجون استطاع أن ينتشلنا من طوفان الفن المبتذل والضحالة والإسفاف إلى آفاق أوسع محلقا بجناحي نسر غير جارح في سماء الإبداع، وعلى إيقاع من الشجن المحبب تحدث منطلقا عن الجمال والفن، واستعرض اللقاء الذي أداره الفنان أمين الصيرفي، مدير عام النشاط الثقافي بالأوبرا، أهم أعماله والمحطات المضيئة في مسيرته (نوح) الفنية التي تشبة سفينة تحمل في أجنابها أطواق النجاة من حالة العبث التي نعيشها حالي، إلى جانب تناول العلاقات الرابطة بين مختلف أشكال الفنون وعلم الجمال وتحققه في الموسيقى والفن التشكيلي والأدب.

وفي السابعة والنصف تماما على المسرح الصغير بدار الأوبرا بدأت فعاليات الأمسية التي حضرها كوكبة من فناني ومثقفي ومفكري مصر، قدم (الصيرفي) نبذة مختصرة عن سيرة الفنان الكبير (حسين نوح)، ذلك الفنان الشامل متعدد المواهب مستنكرا مقولة (أبو بالين كداب)، قائلا: ما بالك بحسين نوح صاحب أكثر من بال ووجه وموهبة بحكم أنه ينتمي لأسرة فنية، فهو شقيق الموسيقار الراحل محمد نوح، ومواهبه تتعدد بين التشكيل والعزف وكتابة الرواية والإنتاج، وأضاف الصيرفي: لذا فالاحتفاء بنوح وبتجربته الانسانية والفنية العظيمة الملهمة في ختام موسم صالون الأوبرا الثقافي اليوم يمنحنا الأمل في النجاة من براثن الفن الهابط والمستوى الثقافي المتدني.

مواهبه تتعدد بين التشكيل والعزف وكتابة الرواية والإنتاج

ثم استكمل (الصيرفي) حديثه  بمقوله الفيلسوف (شوبنهار): (إن كل الفنون تسعى أن تكون موسيقى)، وبهذه الكلمات انطلق حواره مع الفنان (حسين نوح) حول أعماله الموسيقية والسينمائية والمسرحية والتشكيلية، وقد أعرب (نوح) عن سعادته وسط أهله من مثقفي مصر الذين يعتز بهم كأصدقاء وأحباء لفنه الراقي، وذهب إلى نشأته الأولى حيث تشكلت حياته الفنية والاجتماعية في مدينة دمنهور من خلال (مكتبة البلدية) التي كان يزورها باستمرار، ومن خلالها برزت شخصيته الفنية، مؤكدا أنه لا يستطيع التعبير عن مدينة دمنهور، فالكلمات والعبارات لا تكفيها بل تحتاج إلى كتب ولوحات تشكيلية ترصد كل مظاهر الريف المصري الغض بالفن والثقافة والأصالة.

وفي حماس أشار نوح، إلى أهمية الثقافة والتنوير والفنون في إحداث التطور الحقيقى في الحياة على اختلاف مظاهرها، مستنكرا الإسفاف الذي يظهر فى بعض الأغاني مؤكدا على أهمية الكلمة ومستشهدا في ذلك بمقولة الأديب عبد الرحمن الشرقاوي: (الكلمة نور وبعض الكلمات قبور)، مؤكدا أن لولا رسومات الفراعنة على الجدران ما تميزوا؛ فالفن يحول الحياة إلى جمال، وفي هذا السياق أكد الصيرفي أن الجمال هو كل شيئ متناسق تماما مع السياق العام للحياة في تجلياته المبدعة.

جانب من المثقفين والمفكرين والفنانين الذين حضرور الصالون يتوسطهم الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق

وبحديث مشحون بالعذوبة والطاقة الإيجابية استطرد نوح، أنه لابد أن نتعامل مع الجمال بشيء من الاحتفاء والتقدير، واستكمل حواره حول مشواره الفني وأول رواياته التي قدمها وهى (تعاريج) التي احتفي بها الدكتور صلاح فضل بالكتابة النقدية التي اعتبرها وسام على صدره، كما أوضح أنه عزف بيانو ودرامز مع فرق متعددة منها أوركسترا القاهرة السيمفونى، وأنه كان يمتلك (ستوديو خاص) وعمل خلاله مع كبار الفنانيين، هذا بجانب المعارض الفنية التي أقامها منها معرض (حابي الثقافة) وحضرته معالى وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، قبل عدة شهور، كما عرض أعماله في دول عربية عديدة، وقام بتجربة الرسم على السجاد التى نجحت نجاحا كبيرا، بل إن أذهلت جمهور العالم العربي والغربي من فرط جمال التجربة.

وأكد (نوح) على دور تنشئته الاجتماعية مع شقيقه الفنان الكبير محمد نوح في تشكيل شخصيته من خلال الكتب التي كان يشتريها بجنيهات قليلة فقرأها خلسة وتعلم العزف على آلاته الموسيقية التي كان يقتنيها، وأشاد بدور والدته  معبرا بمقولة (حين أردت أن أكتب عن أمي اكتشف أننى أمى)، وغنى (حسين) على طريقة (محمد نوح) أغنيته الشهيرة (مد .. مد .. شدى حيلك يا بلد)، وقد نالت استحسان جميع الحضور، وأتبعها بحديث حار عن شقيقه الذي درس الفن في أمريكا وأجاد العزف على تسع آلات موسيقية، وعاد إلى مصر ليشق صدر سماء الغناء الوطني بطريقة مغايرة استلهم فيها تجربته الخاصة من تراب الأرض وشغفه بالموسيقى الحديثة بإيقاع عصري أكسبه لون آخر مغاير للسائد في تراثنا الغنائي، ومن ثم يصبح (محمد نوح) مجددا في شكل وملامح الغناء المصري، فضلا عن تجربته في التمثيل.

اكتظ المسرح الصغير بالحضور من محبي وعشاق فن (حسين نوح)

حكى حسين نوح عن التمثيل والمسرح والغناء، قائلا كنت طفلا صغيرا عمره لايتجاوز تسع سنوات عندما حضرت تصوير فيلم (الزوجة الثانية)، حيث لاحظت الانضابط والحرفية في الأداء، ولمست عن قرب كم كانت الراحلة العظيمة (سعاد حسني) موهوبة موهبة طاغية إلى حد أنه قال بالحرف الواحد (إنها أكبر وأهم موهبة مرت على تاريخ الفن المصري على الإطلاق) – هذا من وجهة نظري الشخصية – ثم تحدث (نوح) بشغف كبير عن الفيلم الأمريكي (شاوشانك) الذي أبدع فيه المخرج (فرانك دارابونت)،  والممثلان (تيم روبنز، ومورجان فريمان)، على مستوى الفكرة والأداء التمثيلي وزوايا التصوير المذهلة التي يهتز لها القلب والوجدان، رغم أن الفيلم يحكي عن قصة سجين حفر نفقا بطول خمس كيلو مترات وتوج معاناته الكبيرة بالهروب إلى درجة إصابة مأمور السجن وضباطه بالذهول من فرط هذا التحدي والإصرار من جانب هذا السجين.

الأمسية الجميلة تضمنت كثير من الحكايا التي سردها (حكاء مصر الأول حاليا)، وتخللها عرض سريع لبعض من لوحاته التشكيلية التي تضج بالحيوية وتحاكي الطبيعة والناس والوجوه المصرية المعبرة، الديك حين يؤذن معلنا صحوة جديدة في العقل والروح، والخيول السارحة في ملكوت الكون العظيم معبرة عن الجمال المطلق، وبحسب تعبيره (أجمل مافي الكون: المرأة والخيل)، وربما لاحظ جمهور الأمسية جانبا من هذا الجمال الإبداعي في لوحات تحمل ألوانا مزركشة تعبر عن تنوع جمال الألوان في الحياة، وهو القائل عندما تنظر إلى لون الأسماك في قاع البحر أو في الغابات الاستوائية تدرك أن كل فناني العالم التشكيليين مازاولوا عاجزين حتى اليوم عن إدراك هذه العظمة في تنوع ألوان الخالق سبحانه وتعالي في تجلياتها المذهلة في الطبيعة التي تضج بالجمال من حولنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.