بقلم : سامر عوض
الدراما تعكس الواقع ومنها الاجتماعية التي تعدّ مرآة حقيقية مباشرة له، حيث قالت لي صديقة يوماً: (إنّ الفتيات المصريات يتمتعن بالقوّة والجبروت؛ لأنّهنّ يظهرن كذلك في المسلسلات، وهي تمثّل الواقع)، لكن أحياناً تكون مؤثّرة على الواقع ولا تعكسه وحسب، كما في حالتنا السّورية التي كبرت فيها الدراما بقدرٍ كبيرٍ بات من الصعب استيعابه.
بقيت الدراما السورية تحمل بيرق العزّة والشّهامة والأنفة، حيث أسهمت في تربية جيل كامل من الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، لكن دخلت السّوسة ونخرت فينا حين بدأت مسلسلات البيئة (كالشامية) التي خرقت مناخاً خاصّاً من الحضارة والرّقي مثل (أيام شامية) وغيره، ثمّ قُرع الجرس فدخل مسلسل (باب الحارة) المشهد وأخرج غيره من الساحة إلى أن تصدّر الشاشات والقلوب وحقق جماهيرية رافقت دخول المسلسلات التركية المدبلجة.
شخصياً لم أتابع سوى 5 دقائق من مسلسل تركي والوقت نفسه لمسلسل باب الحارة، لكن ذلك كان كافياً لتكوين صورة تشعرني بالرّعب من أمورٍ عدة.
الشهامة المظهرية البصرية و(البوجقة)، إذ قام المسلسل بتشويه البيئة الشامية وطعن في تقاليدنا، وجرح صورة المرأة الدمشقية كأوّل طبيبة ومهندسة، وحوّلها إلى مجرد أداة لتلبية رغبات الذكر!.
كرّس مبدأ (العكيد والزّعيم) كتمهيد لتسهيل تمرير مفردات وأدوات الأزمة السورية اجتماعيا، ولم يعكس الصّورة الحضارية لأهل دمشق التي كانت تعجّ بالحراك الثقافي، ومليئة بالصالونات الأدبية.
أسهم المسلسل في تسطيح العقل العربي ومنه الشبابي بصورة خاصة، لا سيما في سوريا وما زيادة عدد أجزائه سوى نقل بإرادة إنتاجه من كتف إلى أخرى، مما يؤكد أن ّ الموضوع بالعمق مؤامراتي؛ والتسويق تجاري برخص، والهدف هو تمهيد اجتماعي للأزمة ثمّ تكريس لرعاية استمرارها.
شارك التمويل السعودي لـ (باب الحارة) مع تركيا في دبلجة بعض مسلسلاتها، حيث لا تعرف فيها الزوجة إن كانت حبيبة أم طليقة، لهذا أو ذاك، إذ أمعنت في فسخ الرّوابط الأُسريّة، وشرذمتها وجنسنتها، وجعل الدراما تطال الشاب الوسيم والفتاة الجذابة والرجل الغني والفخامة في الأكل والشرب والملبس، والمنظر والمظهر لا أكثر.
نجحت هاتين الدولتين في اقتحام مجتمعنا من الداخل قبل 2011، وحتما يوجد إصبع ثالث خفي قام بتحريك وتوجيه الزّنادين، ربما رافق ذلك ضعف في الدراما المحلية السورية مما أسهم في تعظيم هذين النوعين من الأجندة الدرامية الرامية لتفتيت المجتمع.
وقع الزيت على الأرض، ولم يعد سهلاً مسحه؛ لأنّ من سيقدم على ذلك سيسقط مباشرة لأنه سينزلق إلّا إن كان مغامراً أو مضحياً أو شريفاً، لكن يبقى هذين المساريين التركي والسعودي مفهومين نوعا ما، إن تم مقارنتهما بحفلة الدّجل هذه حيث تعرض مسلسلاتنا الرث وتتناسى الثمين بحجة عسر الإنتاج، مسلسل يعرض شتائم وآخر بلا فكرة وثالث بلا هدف، تحت راية (الشعب عايز كده)، وضعنا العربة أمام الحصان ثم ربطنا كل منهما باتجاه فباتت الدراما المشتركة على إيجابياتها أحلُّ البغض!.
برأيي يُفترض تنحية شخص جاهل كقبنض، وجلب من عندهم مشروع رؤيوي حضاري ثقافي فني عريق، فشعبنا الذي أنتج الحضارة ماضياً وحاضراً ليس بهذه السذاجة وهو متابع شرس نهم راقي له بعض الاستثناءات لكنه متعب، علينا أن نساعدَه وألّا نستغلّ وهن حاله.