بقلم : علي عبد الرحمن
نعيش عصر التكلات السياسية والاجتماعية، ونعيش عصر القوي المتضامنة، وينقسم العالم لأحلاف واتحادات وتجمعات ذات صبغات سياسية وعسكرية واقتصادية، وتمدد الدول حولها قريبا وبعيدا، وتبحث الدول عن مناطق المصالح والنفوذ، وتتداخل الأوراق والأرزاق، كل ذلك هى بعض ملامح المشهد العالمي الحالي، ولاننا متأثرون بما يحدث حولنا ولأننا في قرية كونية صغيرة كان لزاما علينا أن نتمدد عربيا وأفريقيا وإقليميا، سواء في إطار سياسي أو اقتصادي أو عسكري.
وعلي هذا الأساس فطنت القيادة السياسية إلى ملف الجنوب في عمق قارتنا السوداء التي أهملنا ملفها سنوات جعلت البعض يتجه إلى أقصي الشرق، حيث الصين العظمى وإلى أقصي الغرب حيث أمريكا المتداخلة في شئون كل شيئ وإلى أقصي الشمال حيث دول أوروبية وآسيوية، سواء فرنسا أو روسيا أو غيرهما، ومنهم من اتجه خليجيا حيث الإمارات والسعوديه الشقيقتين، ولأن التوجه جنوبا هو جزء من الأمن القومي المصري وحيث منابع شريان الحياة في مصر وحيث مخازن المواد الخام وحيث أسواق الاستهلاك العظمى، ومن قبل ذلك حيث المكان المتجاور والظروف المتشابهة.
وخيرا فعلت مصر عندما توجهت جنوبا عبر مشروعات التنمية في دول الحوض، وحيث فرص الاستثمار في دول غرب أفريقيا، وحسنا أيضا عندما دعمت مصر دور الاتحاد الأفريقي وأنشأت صندوقا للإنماء المصري في دول القارة، وحيث ضاعفت من المستشفيات الميدانية بها وحثت مستثمريها علي التوجه جنوبا، ودعمت دور الأزهر والكنيسه في التنوير والتثقيف، وحيث حرصت علي فتح أبواب مؤسساتها للتعليم والتدريب والتداوي ونقل خبرات التنميه لدول القارة والدخول في تكتلات دفاعيه وإستراتيجيه مع بعض من دولها.
وحسنا فعلت مصر بمعارضها الكبرى الدفاعية والصحية لتسويق منتجاتها والاطلاع علي إنتاج الغير ودعم روافد قوتها الناعمة، وفي المعرض الطبي الأخير الذي عقد بالقاهرة نقلت مصر خبراتها للأخوة الأفارقه وتبرعت بملايين الأمصال لدول القارة وعرضت تجاربها التنموية علي جيرانها، وبعد المعرض بقليل أطلقت قمرها الثالث نايل سات 301 لتغطية جنوب القارة وغربها، ومن قبله أقامت مهرجانها للسينما الأفريقيه بالأقصر وأنشأت أكاديميتها الوطنية للتدريب، إضافة إلى مركز تدريب الأفارقه التابع للمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، كل ذلك تجاوبا وتعمقا وتغلغلا في الشأن الأفريقي الذي يعد ظهيرا استراتيجيا ومستودعا للمواد الخام وسوقا لايقارن للمنتجات المصرية الواعدة.
بقي لنا وفي صحة أفريقيا أن نقدم قناة لأفريقيا تذيب الفوارق وتضاعف نقاط الالتقاء وهى فكرة مصرية تم طرحها في قمم الاتحاد الأفريقي ولم تنفذ ودراساتها جاهزة، وبقي أن تتوسع مدينة الإنتاج جنوبا كبيت خبره في إنشاء المدن والاستديوهات ومناطق التصوير المفتوحة والإنتاج الذي يدعم تاريخ وثقافة هذه الشعوب دعما لروافد قوة مصر الناعمة، وبقي أن نرى جامعة أفريقية تحتضن شبابها وهم قادة الغد، وبقي أن نروج للتعليم والابتعاث في مصر، وبقي أن نجذبهم للعلاج والسياحة عندنا، وبقي أن نقيم معارضا دورية للمنتجات هنا وهناك، وبقي أن ننقل خبرات التنمية المستدامة عبر شركاتنا الكبري ومستشارينا العظام، وبقي أن نجذب التدريب بكل أنواعه في أكاديميتنا الوطنية، وبقي أن نضاعف زيارات الوفود المتنوعه لدول القارة، وبقي أن نري إنتاجا برامجيا ووثائقيا ودراميا حول قضايا القارة المشتركه، وبقي أن نقيم مهرجانا لدول (حوض النيل) للإعلام وفنونه ونقيم علي هامشه معارضا للمنتجات والمعدات وندوات لنقل الخبرات.
وبعد أن تكتمل منظومة الربط في التنقل بين دول القارة، وبعد كل ذلك ومايستجد من مشروعات تحسن ظروف الحياة في القارة سيصبح الاتحاد الأفريقي الأغني بمواده الخام والأكثر توافرا للأيدي العامله والأكبر في أسواقه الإستهلاكية، عندها يصبح للاتحاد عملة موحدة وجيوش متكاملة وصناعات أفضل وكلمة مؤثرة دوليا ودور فاعل لمفوضية تحمل صوته للعالم ومكافحة للفقر والمرض والفساد أفضل.
هذا دور مصر الكبرى، وهذا قدرها المقدر، وهذا حلم شعوب القارة، وهذا مستقبل الاتحاد الأفريقي المنشود، عندها تقل الحاجه لاستيراد الغذاء ويتحرر القرار الأفريقي ويعلو صوته ونصبح قارة شابة وليست عجوز، وتعود قوتنا الناعمة إلى مقدمة عوامل التأثير، ويصبح صوتنا عند العالم جماعيا ذو شأن بين، وعندها نرفع شعار تحيا القارة السوداء كما رفعنا شعارنا تحيا مصر، ونغرد سويا مع نخب في صحة أفريقيا ودولتها العظمي مصر الكبري الواعدة .. وتحيا دوما مصر.