(هى) .. هدية رائعة من (نادر عبدالله) إلى (رامي صبري) لجمهورهما في الصيف
كتب : أحمد السماحي
في السنوات الأخيرة بدأ المطرب (رامي صبري) يخلص لعمله ويركز فيه، ويجتهد اجتهادا واضحا لكل من يتابع الساحة الغنائية، وكل فترة يقدم لنا ألوانا وأشكالا موسيقية جديدة وحديثة جعلته مع الوقت يقترب أكثر من جمهوره ومن الأرتام السريعة المنتشرة في العالم، لهذا لم يكن غريبا أن تحقق أغنياته الأخيرة مشاهدات جماهيرية ضخمة، كان الشيئ الوحيد الذي أخذه عليه أحيانا خفة بعض كلمات أغنياته، حيث كان يهتم اهتماما متميزا بالموسيقي من حيث اللحن والتوزيع، لكن كان يأتي هذا على حساب الكلمات.
ونحن هنا لا نطالبه هو أو غيره أن يغني القصائد أو التواشيح أو الأدوار، لأن هذه الألوان الغنائية التى اندثرت من حياتنا تتطلب جهة حكومية تقف وراءها، وتتطلب أيضا جرأة ليس في مقدور (رامي صبري) وجيله والأجيال السابقة واللاحقة له أن تقدمها لأن هذه الألوان صعب أن يتقبلها الجمهور الحالي، ولو تقبلها تريد إلحاح في العرض من وسائل الإعلام، وهذا الدور للأسف لا تلعبه الفضائيات حاليا، حيث تسعى وراء الفقاقيع الغنائية وتعمل على ترويجها وانتشارها، لكنها لا تنشر كل ما هو راق ومحترم في عالم الغناء الذي يعاني من ظلم بين وواضح، يتمثل في عدم الكتابة النقدية عنه ومن عدم وجود برامج فضائية تهتم بكل ما هو جديد فيه ومناقشة أصحابه.
لهذا أعتبر الجيل الحالي من المطربيين خاصة الجادين منهم من مظاليم الفن، لأنهم لا يجدون طريقا أمامهم لنشر أعمالهم الجديدة التى ينفقون عليها من أموالهم الخاصة غير وسائل التواصل الإجتماعي.
استغرقت في الكتابة وبعدت بعض الشيئ عن الأغنية التى سلبت عقلي مؤخرا وأريد أن أتحدث عنها وهى أغنية (هى) التى قدمها رامي صبري منذ أيام من ألحانه، وتوزيع المبدع الجميل المتطور جلال الحمداوي، الأغنية أعجبتني جدا جدا، وتحمست لها فور أن استمعت إليها لأول مرة، وتركتها يوم واثنين، وجدتني اشتقت إلى الاستماع إليها مجددا، فأعدت السماع مرة أخرى، ووجدتني أصيح (الله الله) ما هذا السحر والجمال والإبداع؟!، وتناقشت مع أحد أصدقائي المطربيين فقال لي: أنها عادية جدا!، ورغم هذا لم يفتر حماسي للأغنية، ولم أستطع الابتعاد عنها طويلا، خاصة أن الاستيل الموسيقي جديد على (رامي صبري) وأعتقد أنه لم يقدمه من قبل.
الأغنية من مقام (النهاوند)، وهو له طابع رقيق عذب يناسب الألحان العاطفية الحزينة، وأيضاً له طابع طربي فرح، وهنا أخذ منه رامي طابعه المرح، لن أتحدث طويلا عن التميز الذي فعله رامي في اللحن، حتى لا أثقل على القارئ، لكن الشيئ الملفت إبداع (جلال الحمداوي) في التوزيع حيث قدم استيل متميز للغاية ومختلف عن المنتشر حاليا على الساحة الغنائية، ذكرنا بالاستيلات التى كانت منتشرة في فترة التسعينات مثل التى قدمها الموسيقار محمد ضياء في (أيوه بشتاقلك ساعات)، والتى قدمها أيضا الموسيقار جمال سلامه في العديد من الأغنيات خاصة التى قدمها لسميرة سعيد، ولطيفة.
أما الكلمات فهي لواحد من المجددين في مفردات الأغنية المصرية وهو الشاعر المبدع (نادر عبدالله) الذي قدم أغنية غزل عاطفية جديدة ومختلفة رغم أن كل تراثنا الغنائي معظمه أغنيات غزل عاطفي، لكن الثقافة والإختلاف يا جماعة يصنعون أعمالا مدهشة!، نادر لا يريد أن يكون شبها لأحد، ولايريد أن يسرق أفكار من أحد، يريد الاختلاف، فكانت النتيجة أغنية غزل مليئة بالمفردات الجديدة الرائعة التى نسمعها لأول مرة، من يستطيع طرح أسئلة ويجاوب عليها في أغنية غير (نادر عبدالله)، من يستطيع أن يقول (صورتها ولا صورة أفيش، اودامها شعرا ورسامين، بيسرحوا بالساعات ويحكوا بالسنين)، ومن أيضا يستطيع أن يقول: (معرفش انا مين اللي قال، يخلق من الشبه اربعين، إذا كان دا في ملكات جمال دول، اودامها احتمال يتقلبوا معجبين) مين غير المبدع النادر (نادر عبدالله)؟!.
رغم أن الأغنية غزلية عاطفية، لكنها كانت تصلح أغنية أب يغنيها لطفلته الجميلة، لولا جملتين في نهاية الأغنية هما (كملت نصي التاني بيه، ومكمل عمري فيه، ومكمل نص ديني)، نعم لولا هاتين الجملتين كانت ستصبح نموذجا جديدا ومتفردا لم يسبقه إليه أحد في عالم الغناء للأطفال، لأنني بصراحة توقفت كثيرا أمام العاطفة الكبيرة الموجودة في الأغنية، ووجدتها مناسبة لحبيب مع حبيبته في الأيام الأولى من شهر العسل فقط، وقبل أن يتحول العسل إلى بصل!.
إن ما يجعل لـ (نادر عبدالله) خاصيته الشعرية وحب المطربيين للتعاون معه ليس براعته اللفظية ولا روعة قوافيه وتراكيبه، إنها بساطته وإشراق مشاعره واهتمامه بالاختلاف وأفكاره الجديدة التى لا تشبه أحد والتى لم تقدم من قبل في عالم الغناء.
في النهاية لابد أن نشكر (رامي صبري) على لحنه الجميل الذي أسعدنا في هذه الأغنية التى ستبقي طويلا في وجداننا وستدخل التاريخ الفني الذي يحتفظ مع مرور الوقت بكل ما هو جميل وأصيل، ويهمل التافه والرخيص والمستهلك حتى لو حقق هذا النوع النجاح الكاسح في وقته، لكن مع الأيام لا يبقى إلا المختلف.