(لحن الوفاء) .. فيلم ولد بسبب ليلى مراد، والفضوليين تحرشوا بـ (شادية وحليم) !

* عبدالحليم : رفض عبدالوهاب أن يكتب (محمد مصطفى سامي) السيناريو والحوار فطار الفيلم منه إلى إبراهيم عمارة

* كان شرط حليم الوحيد للحاج (إبراهيم عمارة) قبل دوران الكاميرا أن يجري له  (تيست) بالكاميرا، ويعطيه الفرصة ليرى نفسه على الشاشة وحده

* الصيفي : أصحاب دار عرض (الكورسال) طلبوا تغيير (حليم) واستبداله بـ (محمد فوزي، أو كارم محمود).

* حليم : المحافظة أوفدت إلينا فرقة تحرسنا وتبعد عنا الفضوليين، وقد تحرش بنا بعض الشباب، وكادت الدماء تسيل في الأرض الخضراء لولا أن الله سلم!.

كتب : أحمد السماحي

نحيي هذه الأيام وبالتحديد يوم الثلاثاء القادم  21 يونيو الجارى ذكرى ميلاد عبدالحليم حافظ، وبهذه المناسبة نتوقف مع كواليس تنشر لأول مرة عن فيلمه الأول (لحن الوفاء)، قمنا بتجميعها من كتابي (حليم .. سيرة وأغنيات مجهولة) ومن مجلة (الكواكب)، ومن ذكريات المخرج الكبير (حسن الصيفي) الذي أجريت معه حوارا صحفيا مطولا نشر في مجلة (الأهرام العربي) ويعتبر هو الحوار الوحيد له في الصحافة المصرية في سنواته الأخيرة.

إذا كانت أغنية (صافيني مرة) حققت لحليم قدرا معقولا من الشهرة، فإن أغنية (على قد الشوق) كانت هى الصاروخ الذى حقق النجومية لحليم، فبعد أيام قليلة من إذاعتها بدأ المنتجون يدقون بابه بقوة، من هؤلاء المخرج (حسن الصيفي) الذى أعجب بها، وأقنع زوج شقيقته المخرج (إبراهيم عمارة) بعمل فيلم للصوت الجديد، ووضع أغنية (على قد الشوق) ضمن أحداث الفيلم، وذهب الحاج (إبراهيم عمارة) لـ (عبدالحليم) وأقنعه بدخول عالم السينما، ورحب عبدالحليم لكنه قال له:

مع احترامي لك يا حاج لكني متعاقد مع الأستاذ عبدالوهاب.

الحاج عمارة: لكن بقالك أكتر من سنة ونصف وعبدالوهاب لم ينتج لك شيء، سواء سينما أو أغنيات.

حليم: لا أستطيع تمثيل أي فيلم إلا بعد انتهاء مدة التعاقد معه.

الحاج عمارة : بس أغنيتك (على قد الشوق) حاليا على كل لسان بعد شوية هتتنسي، لازم تستغل حب الناس لها ونعمل لك فيلم هذه الفترة، وكمان أنت أصبحت نجم وأصبح عندك متطلبات جديدة.

حليم : كل شيئ بأوانه يا حاج، قولي أنت لو مكاني تعمل ايه؟

الحاج عمارة: لو بلغت عبدالوهاب إنى طلبتك فى فيلم هيوافق، وهجيبلك شادية يا سيدي كمان تكون البطلة أمامك، وحاديلك ألف جنيه.

حليم : ربنا يعمل اللي فيه الخير يا حاج.

وتركه الحاج إبراهيم وحليم غارق فى أمواج الحيرة.

حليم يتحدث:

الآن نترك (حليم) يتحدث لنا عن كواليس فيلمه الأول (لحن الوفاء) كما جاءت في مجلة (الكواكب) عام 1957، فيقول: كان (لحن الوفاء) أول فيلم أقوم ببطولته ولعملي في هذا الفيلم قصة وللمرة الأولى التى أخرج فيها إلى الطريق لأؤدي مشهدا خارجيا قصة أخرى، أما القصة الأولى فالصدفة هي وحدها التى صنعتها، حيث كنت متعاقدا منذ إبريل سنة 1952 مع الموسيقار (محمد عبدالوهاب) على أن أقوم بدوري البطولة في فيلمين ينتجهما خلال عامين، والعامان هى المدة التى ينتهي فيها العقد، ولكن (عبدالوهاب) لم ينتج فيلما واحدا خلال هذه المدة، مما أدخل اليأس إلى نفسي، ولكن إشراقة أمل دخلت حياتي عندما ذهبت لبيت الأستاذ (عبدالوهاب) ذات مساء فوجدت عنده الأستاذ (محمد مصطفى سامي) المؤلف السينمائي وهو يروي له قصة (لحن الوفاء) وقد قال له عبدالوهاب: إنها قصة جميلة، وأنه سينتجها لأقوم أنا بدور البطولة فيها.

صدفة خير من ألف ميعاد

يستكمل عبدالحليم كلامه قائلا: بعد أيام عاد (عبدالوهاب) فوضع تحفظا بدد أملي، حيث طلب من (محمد مصطفى سامي) أن يبيعه فكرة القصة ويتولى هو – أي عبدالوهاب – اعطاءها لمن يعد لها السيناريو ولمن يكتب لها الحوار، ورفض (سامي) هذا لأنه في العادة يضع الفكرة مع السيناريو والقصة وخرج من عند (عبدالوهاب) في تلك الليلة وهو غاضب وكنت أغادر بيت (عبدالوهاب) معه حين قال لي: والله ما أنا مديلة القصة!، وهونت عليه الأمر ولكنه أصر وقال لي فجأة: إسمع يا عبدالحليم تقبل تقوم بدور البطولة في القصة، أنا حانتجها أنا والأستاذ (إبراهيم عمارة)، قلت له: هذا يسرني، وسبق وعرض علي الأستاذ (عمارة) التمثيل.

قال لي: إنت لو ما قابلتنيش الليلة كنت مستحيل أفكر فيك لأني ماكنتش راجع لـ (عبدالوهاب) تاني ومكنتش حاشوفك، قلت له: الناس يقولون : رب صدفة خير من ألف ميعاد وكانت بالفعل صدفة خيرا من ألف ميعاد.

شرط عبدالحليم لدخول عالم السينما

تعاقد عبدالحليم على بطولة فيلمه الأول (لحن الوفاء)، وكان شرطه الوحيد للحاج (إبراهيم عمارة) قبل دوران الكاميرا أن يجري له (تيست) بالكاميرا، ويعطيه الفرصة ليرى نفسه على الشاشة وحده فإذا رأى نفسه مقنعا وأحس فى داخله بالرضا والاقتناع كان بها وإلا فإنه لن يوقع العقد ولن يمثل، وعن هذه الواقعة قال لإيريس نظمى فى كتابها (مذكرات عبدالحليم): طلبت أن يجري لي اختبار أمام الكاميرا (تيست) أشاهده وحدي قبل البدء فى العمل والتصوير، وحدث ونفذ الحاج (إبراهيم) ما طلبته، وجلست وحدي فى الظلام داخل صالة العرض فلم أكن أريد أحدا معي، كنت أريد أن أختلي بنفسي على الشاشة، أن أواجه نفسي بصراحة وبدون تأثير من الآخرين، وبدون أي مجاملة من أحد، وما أكثر المجاملين فى الوسط الفني.

 أريد أن أقيم نفسي قبل أن يقيمني الناس، إن الإنسان هو أصدق ناقد لنفسه، هو الذى يعرف أخطاءه وعيوبه قبل محاسنه ومزاياه، وأنا أريد أن أعرف عيوبي قبل أن يقولها لى الآخرين، ظللت أتطلع إلى نفسي باهتمام على الشاشة لست وسيما مثل بقية نجوم الشاشة، لست فارع الطول ولا عريض الصدر ولست ممشوق القوام، وبعيدا جدا عن صورة الشاب الجميل (الحليوة) صاحب الشعر الغزير (المسبسب) الذى تهواه الفتيات وتقع في غرامه كل الجميلات، لست فارس الشاشة المنتظر القوي المكتمل الصحة والعافية، فأنا عكس ذلك تماما، ورغم ذلك كله فقد شعرت بالرضى عن نفسي أحسست بأن لي (حضورا) على الشاشة، وخرجت من صالة العرض الصغيرة وعلي وجهي ابتسامة أمل وقلت: (اتفضلوا ادخلوا اتفرجوا علي!!).

ليلى مراد تنقذ عبدالحليم

بدأ تصوير المشاهد الأولى لفيلم (لحن الوفاء) لكن أصحاب دور العرض من (الخواجات) رفضوا أن يكون (عبدالحليم حافظ) بطلا سينمائيا، ونترك المخرج الراحل (حسن الصيفي) يحكي لنا ما حدث كما جاء فى حواره معي الذى نشر فى مجلة (الأهرام العربي) ونحتفظ بنسخة منه: بعد استماعي لأغنيتي (صافيني مرة، وبعدها  على قد الشوق)، شعرت أن المطرب الجديد عبدالحليم حافظ لو أقتحم المجال السينمائي سيكون له شأنا عظيما، وأقنعت زوج شقيقتي المخرج والمنتج الكبير الحاج إبراهيم عمارة بهذا، لأنني وقتها كنت جديدا في عالم الإخراج وصعب أن يثق في مطرب جديد.

 ولثقة الحاج (إبراهيم عمارة) الشديدة في ذهب وتعاقد معه، وبدأ تصوير الفيلم، لكن أصحاب سينما (الكورسال) كانوا من (الخواجات) اعترضوا على بطولة (عبدالحليم) للفيلم وطلبوا استبداله بالمطرب محمد فوزي، أو الموسيقار فريد الأطرش، أو كارم محمود أو عبدالعزيز محمود، لكنني أصررت على موقفي خاصة والحاج إبراهيم تعاقد مع (شادية وزوزو نبيل، وحسين رياض، وعبدالوارث عسر)، وبدأ تصوير الفيلم فألهمني ربنا بحيلة ذكية ما أن قلتها حتى وافقوا على الفور.

 قلت لهم إذا لم توافقوا على بطولة عبدالحليم للفيلم لن تحصلوا على فيلمي الجديد مع ليلى مراد، – مع العلم إنه لم يكن هناك فيلم بيني وبين سندريلا السينما الغنائية فى هذا الوقت – وما أن ذكرت اسم (ليلى مراد) التى كانت قد انفصلت عن أنور وجدي وابتعدت قليلا عن السينما حتى تراجعوا عن موقفهم اتجاه عبدالحليم ووافقوا على بطولته للفيلم!، لأنهم اعتبروا أن الفيلم بطولة شادية التى كانت اسمها فى هذا الوقت بدأ يرتفع بقوة.

ويشاء السميع العليم بعد أسابيع قليلة من حواري هذا مع أصحاب سينما (الكورسال) أن أقابل السيدة ليلى مراد التى تربطنى بها وبأسرتها علاقة صداقة وطيدة، فطلبت منها أن نتعاون معا، فرحبت على الفور على شرط أن نجد موضوعا جديدا ومختلفا يليق بعودتها للسينما، وفى هذا الوقت كان (كمال الطويل) يلحن لها أغنية بعنوان (ليه خلتنى أحبك) وكلمتني عنها وكانت سعيدة بها للغاية، فطلبت منها عدم إذاعتها فى الإذاعة على أن نخلق لها مشهدا فى الفيلم الجديد وتغنيها لأول مرة، فوافقت وحجبت الأغنية حتى بدأنا تصوير فيلم (الحبيب المجهول)، ووضعنا فيه الأغنية، وكان من المقرر أن نسمي الفيلم (ليه خلتني أحبك).

التحرش بـ (عبدالحليم وشادية)

يعود عبدالحليم في مجلة (الكواكب) ويتذكر خروجه لتأدية أول مشهد خارجي في حديقة الأسماك فيقول: أعتبر (لحن الوفاء) الباب الذي فتح لي لأدخل منه إلى الشاشة وقد لقيت من حب العاملين فيه ما ساعدني على أن أؤدي دورا أعتقد أنه كلل بالنجاح لهذا فهو عزيز علي قلبي معزة الولد البكر على أمه وأبيه، وقد التزمت الطبيعة في أدائي، وتغلبت على الرهبة التى سيطرت علي عندما وقفت أمام الكاميرا لأول مرة.

وقال لي المخرج: تصور ما ستفعله وأنت في بيتك، وأنت مع أصدقائك، وافعل مثله أمام الكاميرا، وقد فعلت ولكن صادفت عقبة حين خرجنا لتسجيل أغنية (تعالي أقولك) في حديقة الأسماك، وكانت هذه هى المرة الأولى التى أخرج فيها لتصوير خارجي، ولست أدري كيف علم الناس أننا سنذهب إلى هناك لأنني وجدت الحديقة مكتظة، وقلت للأستاذ إبراهيم عماره: إزاي إحنا حانقدر نمثل وسط الناس دول كلهم، فقال يا سيدي دول زباين هنا ما نقدرش نقولهم ماتجوش الحديقة!.

وأضاف إلى ذلك قوله: وما تنساش أننا حنكون طبيعيين خالص في تمثيلنا، والناس حايبعدوا، واللقطة مش حاتاخد أكتر من ربع ساعة، وكنت أعرف أن (عمارة) يقول هذا ليبدد رهبة الموقف بالنسبة لي، وكانت (شادية) معي في الأغنية والمشهد يتطلب منا أن ننتقل بين أشجار الحديقة وحشائشها وكهوفها، نجري ونمرح وأمسك يدها فأضغطها وأنظر في عينيها نظرات الحب والوله.

وابتلعت ريقي فلم أجده، لأنه جف وأنا أتصور كيف أؤدي كل هذا أمام هذه الجموع التى كانت تتزايد دقيقة بعد أخرى حتى صارت مظاهرة، بعدها قال لنا الأستاذ عمارة: نبتدي، وكنت كلما اقتربت من شادية كأوامر المخرج صاحوا بي: ابعد .. ابعد! ويرتجف قدمي على فأتوقف عن الأداء، وينظر المخرج إلى الجمهور ليرجوه الصمت، ونعيد الكرة فإذا جريت خلف شادية، صاح صائح : امسك حرامي!، فأتوقف مرة أخرى، ويعيد المخرج رجاءه.

ومن هنا رفضت أن ألمس يدها مثلا أو أن أجلس بجوارها في وضع غرامي كما يتطلب الدور، ورغم هذا ورغم أننا اقتصرنا في أداء الدور على الحركات السهلة الخفيفة فقد ظللنا ساعة كاملة نؤدي حركات لا معنى لها ولا هدف والجمهور يتدخل بطريقة سخيفة أثارت حنقنا جميعا.

وأخيرا اضطر الأستاذ (إبراهيم عماره) إلى أن يستعين بالبوليس، وقد كانت المحافظة ملبية لرجائنا لأنها أوفدت إلينا فرقة تحرسنا وتبعد عنا الفضوليين، وقد تحرش بنا بعض الشباب وكادت الدماء تسيل على الأرض الخضراء لولا ان الله سلم!.

وكانت هذه أول مرة أخرج فيها لأؤدي مشهدا على مرأى من الناس وأعترف بأن توتر أعصابنا كان سببا في أننا لم نؤده بالصورة التى كانت مرسومة له، والذي يرى هذا المشهد سوف لا يحس بالمتاعب التى صادفناها أنا وشادية ونحن نعمل وسط ألف فضولي على الأقل.

………………………………………………

بطاقة الفيلم

إنتاج : شركة أفلام عمارة.

قصة وسيناريو وحوار : محمد مصطفى سامي.

مدير التصوير : محمود نصر.

الأغنيات : (أحن إليك، احتار خيالي، على قد الشوق، تعالي أقولك، لا تلمني، لحن الوفاء، شبكت قلبي).

الشعراء : فتحي قورة، محمد علي أحمد.

الملحنيين: محمود الشريف، رياض السنباطي، كمال الطويل، منير مراد، حسين جنيد، محمد الموجي.

بطولة : (عبدالحليم حافظ، شادية، حسين رياض، زوزو نبيل، عبدالوارث عسر).

إخراج : إبراهيم عمارة

تاريخ العرض : مارس 1955.