بقلم : محمود حسونة
ماذا حدث لأهل الفن؟ الفنانون اليوم يختلفون جملة وتفصيلاً عن الفنانين بالأمس. فنان الأمس كان يبني نجوميته على فنه فقط، ولا يسمح بأي حال للصحافة أو جمهوره أو حتى رابطات المعجبين به بالاقتراب من حياته الخاصة، حيث كانت بالنسبة للكثيرين خطاً أحمر، بما في ذلك من كانت حياتهم الاجتماعية غير مستقرة، ومن كانوا في حالة قطيعة مع أهاليهم بسبب عدم رضاهم عن التحاقهم بالفن، بعضهم كان يطلق ويتزوج ثم يكرر الطلاق، والصحافة لاتعلم إلا بعد أشهر وأشهر، وبالمصادفة وعبر طرق بعيدة عن الفنان أو الفنانة صاحبة الأمر؛ ولم يسمح معظم الفنانين لأحد اقتحام حياتهم الخاصة أو التعرف على حياة أولادهم أو الزج بزوجة أحدهم في عالم القيل والقال.
كثير من فنانات الأمس غضب عليهن أهلهن بسبب التحاقهن بالفن، ووصل الأمر بالبعض إلى التبرؤ من بناتهم، حتى بعد أن أصبحن نجمات كبيرات القيمة والقامة في عالم الشهرة بقين ينتظرن رضا الأهل، وكان وجعهن الأوحد غضب الأب أو الأم أو الإخوة عليهن، وهو ألم لم يتم كشفه أمام أحد سوى دوائر المقربين الموثوق فيهم والمضمون عدم إتجارهم به، ومن هؤلاء الموثوق فيهم من كان يعمل في مجال الصحافة، إلا أنه لم يكن يشغله الفوز بسبق صحفي قدر ما كان يشغله وغيره من صحفيي ذاك الزمان الغير بعيد الحفاظ على السر المؤتمنين عليه والالتزام بقيم الصداقة واحترام من اختارهم للبوح والفضفضة بما لا ينبغي إعلانه على الملأ.
نعلم أنه زمن غير الزمن، وكثير من فناني اليوم لم يتعلموا من سابقيهم شيئاً رغم أنهم كانوا بالأمس يحلمون بمكانهم ومكانتهم، وكانوا يتشبهون بهم، وبعد أن تحقق لهم المراد لم يعودوا يشبهونهم في شيء، بعد أن جعلوا حياتهم كتاباً مفتوحاً ومفضوحاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وسمحوا لكل من هب ودب أن يستبيح خصوصياتهم ويحشر نفسه في أدق أسرارهم ويجعل من نفسه أحياناً الناصح لهم وأحياناً الشامت فيهم وأحياناً الحاقد عليهم.
يبدو أن نجوم اليوم لا تشبعهم الشهرة التي يحققونها من خلال ابداعاتهم الفنية، فجعلوا أنفسهم مادة للنميمة الاجتماعية حتى يظلوا داخل دائرة الضوء أكبر وقت ممكن، وأصبح التنافس على الترند يفوق التنافس على دور أو فيلم أو مسلسل أو لحن يفوز به أحدهم ليرفع من رصيده الابداعي، فالرصيد الأهم هو رصيد الشائعات والفضائح والنميمة وما يجعل هذه الفنانة أو تلك حديث السوشيال ميديا أطول وقت ممكن حتى لو كلف ذلك فتح أبواب الغرف الخاصة أمام الجمهور لبعض الوقت.
(ياسمين عبدالعزيز)، نجمة مشعة في سماء الدراما والسينما، ولكن يبدو أن إشعاع الفن وحده لا يكفيها، فانزلقت إلى هاوية السوشيال ميديا، سواء من خلال ما تنشره هى عن نفسها من صور وبوستات، أو ما ينشره عنها شقيقها الغاضبة عليه والناقم عليها بعد زواجها الثاني، أو زوجها الفنان (أحمد العوضي)، أو الفنانة (ريهام حجاج) زوجة طليقها، ولأن الباب مفتوح على مصراعيه فقد دخلت على الخط أحياناً شقيقة طليقها!!
انقسم هؤلاء إلى فريقين، فريق يضم النجمة وزوجها، وفريق يضم الشقيق والطليق وأخته والغريمة، وبدأت سلسلة من التلاسن فضحت المستور، وجر كل فريق وراءه جيشاً من المتابعين على مواقع التواصل والذين حشروا أنفسهم، تعاطفاً وشماتة ودفاعاً وشتماً.
وبعد أن تعرضت النجمة للأزمة الصحية تعاطف معها معظم المصريين، والكل دعا لها بالشفاء وخصوصا أن لا أحد ينكر قيمتها كفنانة أضحكت الناس وتحدثت بلسان فئات مختلفة في أعمال متنوعة، وبعد عودتها سالمة وخروجها على إحدى المحطات لتروي مأساتها لعن الناس الطبيب الذي كان من أسباب أزمتها، ولكن أن يصل الأمر بها عندما تغضب من زوجها أن تلغيه من قوائم متابعيها على مواقع التواصل، فهذا هو لعب العيال، وأن يوجه محاميها إنذاراً عبر بيان لشقيقها ويتم نشره علانية، فهذا ما لم ولن يقبله مجتمع يقدس علاقات الدم ويحترم العلاقات الزوجية ولا يقبل بخروج مستورها إلى العلن، ويزعجه أن يفضح الفنان نفسه بنفسه ويجعل حياته مستباحة من القاصي والداني، وبعد أيام من اشعال مواقع التواصل الاجتماعي تخرج فنانة زميلة وصديقة لياسمين وإن كانت أقل شهرة لإعلان عودة المياه إلى مجاريها بين ياسمين وأحمد، لتركب ياسمين الترند مرة أخرى.
الجمهور لا يحترم الفنان الذي ينشر خصوصياته على العلن، بما في ذلك من يعلقون عليها عبر مواقع التواصل تعاطفاً، والجمهور لا ينكر حق الفنانة المتزوجة في أن تختلف مع زوجها، وتخاصمه، وتهجره، وحتى لو تم الطلاق فهو أمر خاص لا ينبغي تحويله إلى قضية عامة إلا إذا كان هؤلاء يبحثون عن فضيحة تجدد انشغال الناس بهم.
(ياسمين عبدالعزيز) ليست سوى واحدة من هواة فضح أنفسهم وعرض تفاصيل حياتهم على الناس، فبعض فناناتنا لجأن للقضاء لإثبات بنوة أطفالهن من زواج عرفي مع فنانين أنكروه ورفضوا الاعتراف به، ويبدو أن غياب العقل وعمى القلب هو ما أوصلهن إلى ذلك. وبعض فنانينا فضحته زوجة باسم الغيرة عليه من المعجبات، وفنانات ومطربات فضحهن الآباء نتيجة تمردهن الفني أو الانفاقي عليهم وآخرهم المطربة الشعبية (بوسي)، التي لم تنتظر حتى تنسى فصول حكايتها المثيرة والمأساوية مع والدها حتى ظهرت في حفل زفافها تحلف بالطلاق (علي الطلاق أبوظ لكم الفرح ده)، ليخرج زوجها مدافعاً عن فطريتها وتلقائيتها!!. كذلك تطل (شيرين) التي شغلت الناس بها وبمشاكلها الخاصة مرارا وآخرها مع طليقها طلبت له الشرطة إثر زيارة لها في بيتها، وهو الأمر الذي كثرت بشأنه الأقاويل.
ما ينقصنا هو أن تخرج إحداهن علينا بمقال صحفي تفضح فيه زوجها أو طليقها، لتتداول المحاكم تشهير كل منهما بالآخر مثلما فعلت (آمبر هيرد) مع (جوني ديب)، واللذان شغلا الصحافة الكلاسيكية ومواقع التواصل في العالم شهوراً حتى قال القضاء كلمته من دون أن يوقف طوفان أكاذيب (هيرد) التي خرجت قبل أيام تقول أنها ما زالت تحب (ديب) رغم مافعله معها، ولكن يبدو أنه الحب الذي يفضح ويقتل ويشرد وينتقم، وليس من نوعية الحب الذي يربط بين كل رجل وامرأة برباط مقدس والذي يخلق لدى كل منهما استعداد فطري للتضحية بذاته من أجل سمعة حبيبه.
mahmoudhassouna2020@gmail.com