بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
جاءت جوائز الدولة هذا العام لتثير نفس التساؤلات و الاعتراضات التى تثار كل عام بعد إعلانها و إن كانت تساؤلات هذا العام مختلفة و اعتراضاته ليست على من فازوا بها ، فهناك إجماع على استحقاقهم هذا الفوز ، و فى نفس الوقت حزن من أجل من لم يفوزوا ، و بذا كشفت الجوائز هذه المرة عن حب شديد للمبدعين الذين لم ينالوها، و هو أمر افتقدناه طويلا ، فلقد اعتدنا فى السنوات الأخيرة على الاعتراض فقط .
ففى جائزة النيل و هى أرفع تلك الجوائز و أكثرها قيمة على المستوى المادى والمعنوى ، و التى فاز بها فى فرع الفنون المخرج السينمائى الكبير (داوود عبد السيد) امتلأت وسائل التواصل بالتهانى لاستحقاقه إياها بالفعل ، و فى نفس الوقت امتلأت أيضا تلك الوسائل برسائل تشيد بأعمال و تاريخ المخرج الكبير (محمد فاضل) الذى نافس على نفس الجائزة و لم ينلها ، بل كتب البعض أنه لا يجوز المفاضلة بين الاثنين فكلاهما قيمة و قامة و كلاهما يستحقها .
و حتى فى الجوائز الأكثر عددا مثل جائزة الدولة التقديرية التى تسمى (جوائز الدولة للإنتاج الفكرى) و تمنح لمن يكون له مؤلفات أو أعمال أو بحوث لها قيمة علمية أو أدبية أو فكرية أو فنية ممتازة ، و سبق نشرها أوعرضها أوتنفيذها ، و هى ثلاث جوائز فى الفنون و مثلها فى الآداب و أربع جوائز فى العلوم الاجتماعية ، فأيضا كان التنافس شديدا بين شخصيات لا يجوز التنافس بينها ، فكلهم علمٌ فى مجاله ، وبالتالى فإن ما كتبته العام الماضى فى نفس التاريخ و فى نفس المكان مازال صحيحا و هو أن قلة عدد الجوائز بالنسبة لعدد فروع و تخصصات الفن و الأدب و العلوم الاجتماعية تظل هى العامل الأكبر فى إثارة الاعتراضات و المسبب الأول للمشاكل.
ففى الفنون على سبيل المثال هناك ثلاث جوائز فقط يتصارع عليها المبدعون من مجالات الفنون التشكيلية بكل أفرعها من نحت و تصوير و خزف و جرافيك و تصوير ضوئى ، و تشارك فى نفس الجائزة فنون المسرح من تأليف و نقد و تمثيل و إخراج و ديكور و ملابس ، و كذا فنون السينما و التليفزيون التى تضم التمثيل و السيناريو و الإخراج و المونتاج و التصوير و الديكور و الملابس ، و فنون الموسيقى تأليفا و عزفا و غناء ، إلى جانب العمارة و الباليه و بقية الفنون الأدائية بتخصصاتها المختلفة أيضا .
و لهذا رأينا على مواقع التواصل مظاهرة كبرى فى حب و تقدير الكاتبة و المخرجة (فاطمة المعدول) بعد إعلان نتائج الجوائز وعدم فوزها ، ليس اعتراضا على الفائزين و لكن لأنها تستحقها أيضا – و لم يقف فى سبيلها إلا قلة عدد الجوائز – فهى أول سيدة تتخصص فى الإخراج لمسرح الطفل و من أهم كاتباته و كانت الوحيدة فى زمن تخرجها التى تطلب تعيينها فى الثقافة الجماهيرية إيمانا منها بالدور التنموى و الحيوى لهذا الجهاز ، و بالتحديد فى قصر ثقافة الطفل لكى تساهم فى بناء مواطن المستقبل ، وفى عام 1977 سافرت في بعثة للمجر لدراسة مسرح الطفل ، و عادت لتعمل مديرًا لقصر ثقافة الطفل في 1978، ومن ثم مديرا لإدارة ثقافة الطفل بالثقافة الجماهيرية في 1980، ثم مدير عام المسرح القومي للأطفال في 1983، وكانت أول سيدة تتولى منصب مدير عام ثقافة الطفل في 1996، وأصبحت رئيس المركز القومي لثقافة الطفل في 1998 ، و تدرجت فى المناصب حتى وصلت الى منصب رئيس قطاع الانتاج الثقافى .
و إذا كانت الجائزة تعطى لصاحب المنجز الفنى دون النظر الى مناصبه أو جهوده الإدارية فالأستاذة فاطمة تستحقها ، فلقد كتبت وأخرجت العديد من مسرحيات الأطفال، وألفت أكثر من 50 كتاب أدبي للأطفال في كل الأعمار، وأخرجت أعمالا متنوعة مسرحية وسينمائية قصيرة ، و أقامت ورش عمل ودورات تدريبية للعاملين في أدب وفنون الحكي ومكتبات الأطفال ومسرح الطفل (عرائس وبشري) والعديد من الورش المسرحية للأطفال ذوى القدرات الخاصة ، وقدمت أول مسرح لهم في مصر، و لذا حازت على عدة جوائز دولية فى مجال فنون الطفل و تم تكريمها فى مصر وفى عدة دول أخرى . و مازال عطاؤها مستمرا ، فهى تعمل حتى الآن فى مجال الطفل و تهتم بكل ما يتصل بقضاياه . و لعل آخر إنجازاتها كمقرر للجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة له علاقة بقلة عدد الجوائز ، فلقد استطاعت اقناع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، بانشاء جائزتين سنويتين لكتاب و رسامى كتب الأطفال تماثل فى القيمة المادية جائزة التفوق .
و الحقيقة أن هناك اسبابا متعددة لحب الناس للأستاذة ( فاطمة ) كانت واضحة فى كتاباتهم و تعليقاتهم على عدم فوزها ، فهى سند لكل المحيطين بها ، تدفع الموهوبين و تدافع عن المظلومين ، و تتعامل بإنسانية مع الكل ، فتساعد دون إفصاح أو منة ، و تدعم المحتاجين على كل المستويات المادية و المعنوية ، برغم أنها ظلمت طويلا عندما اختصرها البعض فى أنها مجرد زوجة الكاتب الكبير ( لينين الرملى ) ، فلقد عاشت معه و له ، و آثرته على نفسها منذ أن عرفته و حتى غادرنا ، و بسبب شدة توهجه عاشت فى ظله دون شكوى أو مرارة ، بل فى فخر شديد و زهو أشد .
و تعليقا على مظاهرة الحب التى كانت بمثابة جائزة شعبية لها ، كتبت على صفحتها: ( أنا باكتب الكلمه دي أساسا علشان أشكرولادي وأصحابي وحبايبي وأصحابي الافتراضين اللي احتفلوا بي ، و اللي عملوا لي أكبر مظاهرة حب على الفيس بوك من امبارح ، وباعتبر نفسي خدت أكبر جايزة وهى إيمان الناس بما أفعله وحب الناس لما فعلته ، وهى أكبر جايزة يحصل عليها حد في الزمن ده وربنا يخليكو ليا ، حضن كبير ليكو ، أسعدتوني جدا جدا ، كتر ألف خيركم ، قبلاتي واحتراماتي ).
ثم تختم كلمتها بخفة دمها المعهودة :
(وعلي فكره انا ماكنتش مستنيه تقدير من حد ، أنا طول عمري مقدرة نفسي كويس، بصراحه أنا كنت عايزه فلوس الجايزة فقط علشان الجبنه غليت ) .
و .. مرة أخرى نطالب الدولة بإعادة النظر فى عدد جوائزها .