بقلم : علا السنجري
الصراع الدائم بين الأجيال وبين الآباء والأبناء مادة خصبة للدراما المصرية، إلا أن معالجة الصراع عادة تكون غير محايدة، تجد حلول معتادة ترضي الآباء، دون الوصول إلى عقول الأبناء.
ربما صناع مسلسل (مين قال) فهموا هذا الصراع، في محاولة منهم لطرحه دون الوقوع في المباشرة والنصائح التقليدية، قد لإيكون المسلسل أفضل عمل ناقش ذلك، إلا أنه دراما هادئة، هناك مشاهد عديدة لا تنتصر لطرفي الصراع على حساب الطرف الآخر، وفي ذات لوقت يقدم سلطة الأب بشكل متفهم من قبل الأبناء دون تقبل منهم للتنفيذ.
كما يحاول أيضا تفهم مخاوف الآباء على أبنائهم، ومناقشة فكرة الأمان الاقتصادي الدائم.
العمل لا يناقش هذا الصراع فقط، بل يقدم شرح وتحليل لطبقة جديدة ظهرت، وهي الطبقة التي تعيش في المدن الحديثة والتي يطلق عليها (كومباوند)، شرح بموضوعية بعيدا عن الانبهار بالثراء، بل يوضح أنه ليس مجتمع منغلق على ذاته وفقا لمخططات بنائه.
لا يتوقف العمل على مناقشة هذا الصراع فقط، بل يحاول من خلال الأحداث مستغلا فئة الشباب في مناقشة ظاهرة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي ومشكلة التنمر الإلكتروني، والأمراض النفسية التي تصيب المترددين على تلك المواقع.
الأحداث تتوالى دون مفاجآت أو أسرار مخفية، لا توجد مشكلات كبرى، بل تمر برتابة الواقع اليومي لحياة الناس العادية، تتابع الشخصيات والأحداث دون مفاجآت غير متوقعة أو أسرار تهدد الأبطال.
يدور العمل حول (شريف) الابن الذي حصل على مجموع كبير لكن لا يؤهله للالتحاق بكلية هندسة في جامعة حكومية، بل يؤهله للالتحاق بجامعة، لأن والده يرى أن وظيفة المهندس هى الأفضل في توفير وظيفة بدخل ثابت، محاولا تدبير الأمور المالية لتوفير مصاريف جامعة خاصة.
شريف لديه قدرات ذكاء عادية، لكنه شاب طموح وقادر على التحرك، والتفكير في كيفية الخروج من سلطة العائلة إلى عالم الأعمال، ليطور من ذاته بأفكار غير تقيليدية، بالتحول للعمل الحر ليكون عصامي، يصنع مستقبله بنفسه، تجده يقوم بتجارب البيع أون لاين، ليفكر في مشروع إعادة تدوير الورق واستخدامه في تصنيع الأثاث.
هناك حالة شد وجذب بين شريف ووالده، بسبب تمسك شريف بالأعمال الحرة، ويهمل في دراسته، بل يصل به الأمر إلى استغلال مصاريف الجامعة ليبدأ به مشروعه الجديد، ولا يلتحق بالسنة الدراسية الأولى. نجد أخته الطبيبة حديثة التخرج تحاول بداية حياتها الوظيفية كما أراد والدها، والأم هى همزة الوصل بينهم في التهدئة وإيجاد حلول مرضية، على الرغم من مخاوفها كأم على مستقبل ابنها.
فريق كتابة المسلسل ورشة الكاتبة (مريم نعوم)، فكرة وسيناريو (مجدي أمين) قاموا بالتركيز بشكل كبير في أزمة الأجيال لكن ذلك لم يكن كافيا ليتطور القصة في أحداث عديدة متداخلة، تحمل بعض التشويق أكثر، لا يحدث شيء، التصاعد الدرامي بطيء رغم أنه يتناول حياة سبعة مراهقين من الطبقة المتوسطة التي تسكن الأحياء الحديثة، بعد حصولهم على شهادة الثانوية العامة ليعيشوا حياة القلق والضغط من الآباء ومحاولة اكتشاف أنفسهم وإيجاد مساحة لتحقيق أحلامهم.
نجحت المخرجة (نادين خان) في تحقيق أسلوب واقعي في اختيار أماكن الأحداث، وأماكن التصوير الخارجي، استطاعت دمج الشباب مع كبار النجوم.
اختيار أغنية التتر بأسلوب الراب لشاهين يعتبر تجسيد لحالة التمرد الموجودة في السياق الدرامي، (أحمد داش) استطاع تجسيد الشاب صاحب الطموح الكبير رغم قلة إمكاناته وخبراته، وتجسيد الحماس المفرط المصحوب بالتوتر.
قدم العمل ميزة رائعة وهي مجموعة من المواهب الشابة الجديدة، أميرة أديب: (سلمى)، إلهام صفي الدين: (زينة)، يوسف أشرف مصيلحي: (عمرو)، يوسف جبريل: (أكرم) مروان وليد: (صلاح)، ترميم : (كارين)، عمرو جمال: (هيثم)، محمد زيزو: (سيد)، هنا داود: (فريدة)، حنين سعيد: (تامالا)، هاني سمير: (حسام)، كل هؤلاء استطاعوا تجسيد أدوار الشباب بأزماتهم الاجتماعية والنفسية المختلفة بتفاصيل توضح فجوة العلاقة مع آبائهم.
لا أستطيع القول إن الفنان (جمال سليمان) أجاد الدور مائة بالمائة، فقد كان قادرا على إظهار انفعالاته المتعددة بين الغضب واللين، لكن لهجته الأصلية تؤثر على إتقانه اللهجة العامية المصرية ليقدم دور الأب التقليدي بإجادة تامة.
قامت الفنانة (نادين) بأداء دورها بوعي فني لكونها الحلقة الوصل بين أفراد الأسرة، رغم مخاوفها على مستقبلهم تترك لهم مساحة حرية للاختيار.
المسلسل قدم محتوى يهم كل الأجيال من خلال بيئة ليست ثرية، إلا أنها قادرة ماديا بشكل ما، لديها أزمات مالية ومهنية، كما تستطيع اعتباره دراما خفيفة ناقشت مشكلات كبيرة، ربما أفضلها من وجهة نظري صعوبة القراءة ونوبات الهلع والتوتر وعدم التكيف الاجتماعي وعدم الثقة بالنفس، لتأتي النهاية بحلول غير تقليدية لمشاكل هذه النماذج التي تم عرضها.