في ذكرى محمد قنديل .. تعرف على سر منع الإذاعة لأغنيته في حرب يونيو 1967 !
كان بين الفنانيين زمان علاقة أقرب إلى الإخوة الصادقة، يعيشون طوال أيام التصوير علاقات صداقة بريئة، وزمالة محترمة، بعيدة عن المصالح الضيقة، والمنافع المؤقتة، والشوائب المكدرة، علاقة قائمة على الثقة والمودة والبساطة، أساسها الصدق وفروعها الكلمة الطيبة وإحسان الظن والألفة، لهذا كانوا يجتمعون دائما فى بداية أي فيلم أونهايته ليأخذون مع بعضهم صورة تذكارية أو (سيلفي) بلغتنا الآن.
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الثامنة عشر لمطربنا الكبير (محمد قنديل) الذي رحل عنا يوم الثامن من يونيو عام 2004، ويعتبر الراحل واحد من أعذب وأجمل الأصوات المصرية على الأطلاق، عندما تستمتع إلى صوته في الصباح وهو يغني (يا حلو صبح يا حلو طل) لابد أن تنتابك سعادة غامرة، وأمل وتفاؤل ليومك، فصوته عنوانا للتفاؤل عندما يحب، وعنوانا للشجن عندما يشدو الشجن، فموهبته فياضة عذبة عذوبة نهر النيل.
أسعدني الحظ بصداقة هذا العملاق والاقتراب منه، وكنت الصحفي الوحيد الذي أجرى معه حوارا مطولا نشر في عام 2003 في مجلة (الأهرام العربي) ولفت انتباهي أنه يغني كما يتحدث، فهو أحد الأصوات الهادئة التى لا تعرف الزعيق ولا الصخب في الغناء، يجمع في صوته بين جمال القرارات، وروعة الجوابات، وكما يقول أديبنا الكبير خيري شلبي : (إن كانت الجوابات في صوته خلابة في برقها الخاطف كإشعاع اللؤلؤة أثناء مرورها على الضوء، لاسعة كالكرباج بغير ألم، لاذعا كمشروب القرفة الساخنة، فإن قراراته حلوة كعسل النحل.
وينبع الجمال في صوته من قراراته العميقة العريضة حين يبحر اللحن في أعماقها يتهادى كزورق نشوان يبدو كأنه معلق في الشراع لا سابحا فوق الموج، كل ما تختزنه صدور المصريين من أوجاع قديمة، وأحزان غامضة، وهموم متراكمة، وخيبات أمل مكتومة، وأفراح مؤجلة، وعواطف محبطة، وآلام من فرط ترادفها باتت مجهولة المصدر، كل ذلك يتبعثر لدى هبوب ذلك الصوت الدافئ البديع الناعم كالقطيفة).
غنى (محمد قنديل) عشرات الأغنيات الوطنية والثورية والحماسية التى واكب بها كل الأحداث التى مرت على مصر، فهو والمطربة (شادية) لم يتركا مناسبة وطنية واحدة، إلا وقدما لها أغنيات تتغنى بالحدث، لم يكن يغنيها تمجيداً لحكام أو قائد، بل كانت تعبيراً خالصاً عن حب الوطن، و انحيازهما للشعب.
فعندما اندلعت ثورة يوليو 1952 كان من أول غنوا لها بعد انطلاقها بأيام قليلة حتى قبل أن يتأكد من نجاحها، مؤكداً فيها على الكرامة الإنسانية التي ما زلنا ننادي بها حتى اليوم فغنى من كلمات الشاعر حسين طنطاوي (ع الدوار، ع الدوار، راديو بلدنا فيه أخبار) التى يقول في مقطع منها (ارفع راسك .. إوعى تطاطي .. و لا تنذل لغير العاطي).
ولم يقتصر عطاء (قنديل) على الغناء لمصر فقط، ولكنه غنى وساند بصوته الثورات العربية و كفاحها ضد الاستعمار الأجنبي مردداً: (حي على الكفاح) فكان صوته ملهباً للثائرين الأحرار في الجزائر حتى احتفل معهم في عيد الاستقلال، وغني لليبيا وسوريا و الجزائر، واليمن و فلسطين، والكويت، والأردن، والسودان، ولكل البلاد العربية، داعياً لـ (وحدة ما يغلبها غلاب) تجمع العرب تحت راية واحدة.
من الأغنيات الوطنية النادرة التى لا تذاع له إطلاقا واختفت بعد إذاعاتها مباشرة أغنياته في حرب يونيو 1967، حيث قدم أكثر من أغنية، لكن نظرا لروح الغطرسة والغرور التى كتبت ولحنت بها هذه الأغنيات، وبعد حدوث النكسة، خجلت الإذاعة أن تعيد إذاعاتها مرة ثانية، لأن معظمها كان يتحدث عن نسف ودفن إسرائيل في البحر وتدميرها وأننا سنسحق إسرائيل في أيام قليلة أو ساعات معدودة، لهذا اختفت أغنيات (قنديل) وكل زملائه الذين غنوا لحرب يونيو 1967.
في هذه الأيام غنى (محمد قنديل) أغنية بعنوان (زي القدر نزلوا الجنود) كلمات عصمت الحبروك، وألحان عبد العظيم محمد يقول مطلعها :
دابو الجنود زي القدر، نزلوا على سينا مطر
بالدبابات بالطيارات بقلوب مايحملها بشر
نزلوا الجنود زي الأسود سدوا المنافذ والحدود
أزعق على أسيادك وقول عند الحدود
قابلني غول يحدف شرر
يحدف ولاد زي القدر نزلوا على سينا مطر
اليوم في باب (سيلفي النجوم) ننشر له صورة في بدايته مع أبناء جيله (عبدالحليم حافظ، ونجاح سلام).