بقلم : محمد حبوشة
مهما بلغت العلاقة بين الزوج وزوجته من حب وتفاهم ومودة، إلا أنه لابد من وجود حدود معينة يقف عندها كل منهما، وذلك حفاظا على هذه العلاقة المقدسة من التراخي والانهيار، وأولى تلك الخطوط التي ينبغي التوقف عندها، وعدم السماح لأي من الزوجين انتهاكها، هى وجوب مناصحتهما لبعضهما، ومداركة هذا الأمر من البداية، إن التعود على زوجك (وميانتك عليه) لا تعطيك الحق في أن تحقريه وتقللي من شأنه؛ أو تقومين بالتعدي عليه لفظيا أوبدنيا بأي شكل من الأشكال.
تلك هى أبرز الدروس المستفادة من علاقة (جوني ديب وآمبر هيرد) اللذين وقعا في مستنقع الدراما المفتعلة التي أفضت بهما إلى ساحة القضاء، وفتحت شهية الجمهور على المشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للخوض فيها، ولست متحيزا هنا لطرف دون الآخر، لكني أقول أنه كان ينبغي أن يتم وضع خط أحمر وشريط لاصق على فم الزوجة (آمبر) عند ملاحظة أن رب البيت في حالة من الضيق والهم؛ لأن أبغض شيء عند الرجل الثرثرة والإزعاج إذا كان في حالة انزعاج، ويمكن للزوجة بعد ذلك تلطيف الجو بخبرتها وحنكتها، فالرجل يحتاج أن تشعر زوجته بأهميته وتقدر عمله، وتفخر به، ويحتاج إلى تشجيعها، لكنها للأسف جنحت نحو التقليل من شأن مجهوداته أو الاستهانة بما يلاقيه من تعب مقارنة بما تقوم به داخل بيتها لأن المقارنة هنا فاشلة على الأقل من وجهة نظر الزوج.
يا ست (آمبر) زوجك ليس أحد أطفالك، حتى تملي عليه ما تريدين من الأوامر والنواهي، فانتبهي لهذا وضعي عنده خطا أحمر، ليس مطلوبا منك أن تلغي نفسك وشخصيتك عند زوجك على الأقل في الأمور التي تستوجب وجودك، فكون الزوج هو القوام عليك هذا لا يمنع من إبداء رأيك، أو رفض ما ترين أنه ليس في صالح الأسرة، وطبعا يكون ذلك بأسلوب لبق يناسب الحال – فلكل مقام مقال – وهناك مبدأ أساسي يجب أن نسير عليه هو: (ولهن مثل الذي عليهن)، ولايتأتى ذلك إلا بالاحترام المتبادل، والبساطة في التعامل، ولعل التمسك بالرأي من أحد الزوجين في تربية الأبناء (على سبيل المثال) من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الأزواج.. مما يسبب تذبذب الأبناء بين فكرين مختلفين، ولله الحمد أنه ليس بينكما أبناء.
ساءني جدا الاهتمام المبالغ فيه من جانب كثير من النساء العرب اللاتي ذهبن بخيالهن الواهي إلى التعاطف مع (جوني) حين هبت على مواقع السوشيال ميديا والفضائيات دفاعا عنه وكأنه من (بقية أهلنا)، والتعاطف معه كعصفور مهيض الجناحين لا يستطيع أن يتل من جبروت زوجته (آمبر) .. بصراحة هذا ليس رجلا لأنه سمح لزوجته بتعنيفه وضربه، ومن ثم لا يستحق التعاطف في ظل خزلانه وتراجعه عن فطرته الإنسانية كرجل، علما بأنه لا يقتصر الزواج على كونه علاقة بين الرجل والمرأة تترتب عليها التزامات وحقوق للطرفين، بل هو أكبر من ذلك، فهو ارتباط وثيق وتآلف بين القلوب والعقول لتحقيق الراحة والاستقرار الداخلي والأسري لهما، فالعلاقة الزوجية تختلف عن باقي العلاقات في جديتها وأهميتها للفرد والمجتمع، والتي بدورها تفرض على الأزواج السعي والاجتهاد لعلاجها ودعمها وجعلها علاقة صحية ومستقرة، كما أن نجاحها يعتبر إنجازا عظيما يجعل المرء فخورا بنفسه ومثلا يقتدي به باقي الأزواج من حوله، وهو أمر يتطلب الوعي والنضج والاجتهاد وتقديم التضحية والتنازل للرقي بها، لذا فأن الاثنين في الجرم سواء.
فلم يتحلي كل من (جوني وأمبر) بحس عال من المسؤولية، وأداء الواجبات على أكمل وجه أيضا، واحترام مشاعر الشريك والحفاظ عليها أيضا، ومن آداب التعامل بين الزوجين يجب على الزوجين التحلي ببعض الآداب والمبادئ الأساسية التي تدعم علاقتهما وتحافظ عليها، وأبرزها الحفاظ على المودة والحب: يعتبر الحب أحد عناصر الزواج الأساسية التي يجب على الزوجين رعايتها ودعمها والحفاظ عليها، وهو مفتاح الاستقرار العاطفي بينهما، وينعكس بشكل كبير على صحة علاقتهما ونضجها مع مرور الوقت، ويحصدان ثماره الثمينة عندما يصلان للسعادة والمودة والألفة التي هي مقاصد الزواج النبيلة.
ويمكن تحقيق ذلك بالتأكيد على المشاعر العميقة والصادقة التي يكنها الزوجين لبعضهما والاعتراف بها والتعبير عنها دون تردد أو خجل، كقول كلمة (أحبك) بشكل متكرر، أو إرسال الرسائل الرومانسية والعاطفية التي تعزز العلاقة رغم بعد المسافة وتزيد المودة بينهما، وتؤتيبا عليه يجب تجنب رفع سقف التوقعات وتأمل الحصول على الكثير من الشريك، والمبالغة في الطلبات والرغبات والتوقعات التي تحبط المرء بالنهاية؛ لأنها تفوق طاقة شريكه وإمكانيته، فتؤثر بالنهاية على نظرته له، أو رضاه عنه وعن علاقته به، إن تبادل الحقوق والواجبات وإعطاء كل زوجٍ حقه من قبل شريكه؛ هو شرط مهم للحفاظ على توازن العلاقة، وتجنب شعور أحدهما بإهمال الآخر، الأمر الذي قد يباعد بين قلبيهما ويصنع فجوة في العلاقة تؤثر عليها في حال عدم إصلاحها وملئها.
وبالنظر لعلاقة (جوني وأمبر) لا نجد أن هناك نوعا من بناء الثقة بين الزوجين بطرق صحيحة والحفاظ عليها؛ لأنها أساس العلاقة وركيزتها القوية التي يمكنها إصلاح الكثير، في حين أن كسرها قد يسبب فشل العلاقة ويهدد نجاح الزواج، لم يتوفر في علاقتهما التسامح والتجاوز عن الأخطاء، يخطئ معظم الأزواج ويتسببون في بعض الفوضى في مختلف الأوقات والمواقف، حيث إن الخطأ صفة بشرية طبيعيّة، لكن العلاقة الزوجية الناجحة تتطلب التجاوز عن بعض الأخطاء البسيطة، ومسامحة الشريك بدافع الحب الكبير والمودة، وللحفاظ على صحة العلاقة أيضا، إضافة لمشاعر الالتزام الداخلية الكبيرة التي يحس بها الفرد والتي تجعله يقدم مصلحة الأسرة على رغباته الخاصة ومشاعره، لكن إلى جانب التسامح والصفح التي تعد صفات نبيلة فيه، فلا بد من توضيح الأمر للطرف الآخر والحوار الإيجابي الهادف بينهما الذي يبين له عواقب بعض الأفعال التي قد لا يتمكن الزوج من مغفرتها، والتي قد تؤثر على العلاقة في النهاية لضمان فهم كل منهما للآخر، واحترامه مشاعره وقربه منه.
كان من الضروري بين (جوني وإمبر) إعطاء الزوجين مساحة فردية خاصة رغم أن العلاقة الزوجية علاقة تناغم ومزيج يجمع الطرفين ويؤلف قلبيهما، ويجعلهما يكملان بعضهما البعض، لكن كل منهما قد يشعر بالضيق أحيانا ويرغب بمساحة خاصة مع نفسه، ويحتاج للحصول على بعض الاستقلاليّة والجلوس وحيدا بعيدا بعض الوقت، وهو أمر يجب على الطرف الآخر احترامه وعدم الانزعاج منه، فهو يحد من شعورهما بالاختناق ويساعد على تجديد العلاقة وكسر الملل والروتين الذي يرافق تقدمها ومرور الوقت عليها، إضافة لحاجتهما لتشارك الوقت مع الزملاء والأصدقاء والترفيه عن نفسيهما والحفاظ على علاقاتهما الشخصية مع الآخرين، والتي لا تؤثر على علاقتهما الزوجية طالما أنها معقولة وغير مبالغ بها.
الحكمة تقول أن المشاركة في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار تتطلب الحياة الزوجية الصحية والناجحة تشارك الزوجين اتخاذ القرار، والعمل معا لتحقيق سعادة الأسرة وخدمة مصلحتها بشكل متناغم وتحقيق مبادئ المساواة والاحترام والعدل بينهما قبل الوصول إلى ساحة القضاء، ويقصد بذلك قيام كل منهما بواجباته على أكمل وجه بما يناسب إمكاناته وقدراته، وعدم فرض أحدهما السيطرة ومحاولته قيادة العلاقة والتحكم بشريكه والتعامل معه بشكل غير صحيح، وإنما الاتفاق والانسجام، وعدم إظهار أي إساءة للطرف الآخر بأي شكل آخر تحت ذريعة المحافظة على المصلحة الأسرية، حيث إن التعاون وتحمل المسؤولية بصدق ومودة هو أساس نجاح الزواج واتزانه.
لم يلتزم كل من (جوني وآمبر) إدارة الخلافات والعقبات بوعي وهدوء حيث يتعرض الزوجين في حياتهما التي تمر بمراحل مختلفة وتزداد مسؤولياتها بمرور الوقت إلى العديد من الضغوطات والصعوبات التي تعتبر مجرد منكهات تغير روتين الحياة وتوطد العلاقة بينهما، إذا ما نظرا لها على أنها مجرد عقبات ستزول بالود والاتفاق، وتحليا بالوعي والنضج واتفقا على أساليب صحيحة لإدارة خلافات العلاقة وتجاوزها بأقل خسائر، حيث إن هنالك فن خاص يتحلى به فئة من الأزواج يعرف بفن إدارة المشكلات الأسرية بحيث يسيطران عليها بحكمة وصبر، ولا يسمحان لها بأن تأخذ حيزا أو تشغل مكانة كبيرة في حياتهما، كأن يتنازل أحدهما للآخر ويتحمله عندما يشعر بالغضب والاستياء ويتصرف بعقلانية بعيداً عن العناد، الأمر الذي يخدم مصلحة العلاقة، ويحقق سعادة وراحة الأسرة، ويحافظ على بيئة صحية وودية تسودها.
وتبقى المعضلة في وصول علاقة (جوني وإمبر) إلى ساحة القضاء، لأنها فتحت الباب على مصراعية لـ (أرشانات) منظمات الدفاع عن حقوق النساء اللاتي حذرن من تأثير (كارثي) للقضية على النساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري، سيما بسبب التغطية الإعلامية الواسعة، فالمنظمات التي تدافع عن حقوق المرأة تخوفت من أن تكون المواجهة القضائية بين (جوني ديب وآمبر هيرد) في قضية الاتهامات المتبادلة بالتشهير، وما رافقها من نقل تلفزيوني مباشر لكل تفاصيلها، تركت أثرا (قد يكون كارثيا) على ضحايا العنف الأسري، وتحولت الجلسات التي استمرت ستة أسابيع في محكمة (فيرفاكس)، بالقرب من واشنطن، إلى عرض مصورعلى الملأ لحياة الزوجين النجمين اللذين اتهم كل منهما الآخر بممارسة العنف الأسري.
صحيح أنه جاء قرار هيئة المحلفين في القضية الأربعاء (الأول من يونيو 2022) لصالح نجم (ذي بايرتس أوف ذي كاريبيين)، إذ قضى بإلزام (آمبر هيرد) بدفع أكثر من عشرة ملايين دولار كتعويضات عطل وضرر لديب، بعد إدانة الممثلة البالغة 36 عاما بتشويه سمعته في مقالة كتبتها في صحيفة (واشنطن بوست) سنة 2018 ووصفت فيها نفسها بأنها (شخصية عامة) تمثل العنف الأسري، رغم عدم ذكرها اسمه صراحة في المقالة.
لكن المعيب حقا أن القاضية (بيني أزكاريت) سمحت لمحطات التلفزيون، رغم معارضة وكلاء الدفاع عن آمبر هيرد، بنقل وقائع الجلسات في هذه القضية التي حظيت باهتمام إعلامي واسع، واعتبرت أستاذة القانون في جامعة ستانفورد، الناشطة ضد الاعتداءات الجنسية في الحرم الجامعي ميشيل دوبر أن هذا (أسوأ قرار بالنسبة إلى الضحايا تتخذه محكمة منذ عقود)، ويظهر (سوء فهم القاضية العميق للعنف الجنسي)، ولاحظت (دوبر) أن (هيرد) اضطرت بسبب هذا القرار إلى أن (تروي عبر شاشة التلفزيون تفاصيل الاغتصاب)، الذي قالت إنها تعرضت له من ديب، وأضافت: (إنه أمر صادم ويشكل إساءة لجميع النساء والضحايا، سواء أيدن الحكم أم لا)، ولست أدري ما هذا التعصب الأعمي من قاضية ينبغي أن تتسم بالحكمة.
أما من دواعي العبث المصري التي أثارت دهشتي، أن أعلنت وزارة الداخلية المصرية عبر قطاع الشرطة المشرف على موقع (لوحتك دوت كوم)، عن عدد جديد من اللوحات المميزة للبيع عن طريق المزايدة الإلكترونية، وطرحت الوزارة 19 لوحة جديدة للبيع، ولعل أبرزها لوحة (د ي ب . 1) والتي تقدم لشرائها شخص واحد فقط ووصل سعرها حتى الآن إلى 425 ألف جنيه مصري، وكان من المقرر غلق باب المزاد عليها أمس الأحد في الخامسة و7 دقائق مساءا، وربط عدد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بين ارتفاع سعر لوحة (د ي ب .1) وقضية التشهير التي رفعها الممثل الأمريكي (جوني ديب) ضد زوجته السابقة (آمبر هيرد)، والتي حازت على اهتمام العالم وانتهت بانتصار ديب وفرض غرامة على هيرد بملايين دولار.. يا لنا من سفهاء في استغلال الفضائح لجلب الأموال!!!.