بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
أُعلنت منذ أيام قلائل نتيجة مسابقة ( إبداع ) فى نسختها العاشرة ، و هى أكبر مسابقة جامعية فى الشرق الأوسط من حيث عدد المشاركين و اتساع مجالات التسابق وتنوعها ، و تقترب قيمة جوائزها من مبلغ 5 مليون جنيه ، توزع على الأوائل فى 19 مجال من المجالات الأدبية و الفنية و العلمية و الخدمة المجتمعية ، و تعقد المسابقة وزارة الشباب و الرياضة بين طلاب الجامعات و الأكاديميات الحكومية و الخاصة والمعاهد العليا.
و الحقيقة أن وزارة الشباب لم تكتف بما حققته المسابقة من نجاح خلال السنوات الماضية فى نسخها الأولى ، فإذا كانت كل نسخة تكبر و تتسع بحكم الظروف عن سابقتها ، فإن الوزارة أرادت للمسابقة أن تنمو بحكم الإرادة و التصميم و التخطيط ، فهى تكبر فى أعداد المشاركين عاما بعد عام ، نتيجة إنشاء جامعات أو معاهد جديدة سواء كانت حكومية أو خاصة ، و تتسع بمشاركة جهات تعليمية لم تشارك من قبل، و لكن النمو الأهم ما تقوم به وزارة الشباب بإضافة مجالات جديدة و انشطة مستحدثة للتسابق.
بدأت المسابقة فى دوراتها الأولى على أنها مخصصة للأشطة الأدبية و الفنية ، ولكن مع ازدياد اهتمام الدولة بالعلم و تشجيع الابتكار أضافت الوزارة مجالا جديدا هو مجال الابتكارات العلمية ، و الذى يسعى لاكتشاف مبتكرين و مخترعين بين طلاب الجامعات فى الابتكارات الهندسية كالسيارات الكهربائية و الغواصات الآلية والروبوتكس و الطابعات ثلاثية الأبعاد و الذكاء الاصطناعى و انترنت الأشياء وتطبيقاته . كما أضيفت أيضا جائزة للمبادرات المجتمعية الجماعية و ليست الفردية، بشرط أن تكون المبادرة نابعة من احتياجات المجتمع و تعود بالنفع عليه ، من خلال تقديم حلول قابلة للتطبيق لأحد القضايا أو المشكلات . و بالتالى فهذا الفرع من المسابقة يستلزم من الطلاب دراسة للواقع المجتمعى و مشكلاته ، و من خلاله أيضا يتعلمون كيف يفكرون فى آليات للعمل المجتمعى ، و كيف يحصلون على تمويل لمبادرتهم ، كل هذا فى إطار تعاون جماعى ضمن فريق.
أما بقية مجالات التسابق فهى المجالات الأدبية و الفنية المعروفة ، و مع ذلك استطاعت الوزارة أن تضيف مسابقات أكثر تخصصا ، ففى مجال الأدب هناك مسابقات للشعر ( الفصحى و العامية و الأغانى ) و كتابة القصة (الطويلة و القصيرة) و مجال التأليف المسرحى ، و أضيف لها المجال الثقافى ( أسئلة فى الثقافة العامة والمعلومات ) أما المجال الفنى و هو الأكبر و الأكثر اتساعا فيضم الغناء ، و الإنشاد الدينى و الموسيقى فلكل منها مسابقة للأعمال الجماعية و أخرى للفردية ، أما مجال الفنون التشكيلية فيضم التصوير الزيتى و الفوتوغرافى و الأشغال الفنية و الجرافيك و النحت ، و هناك مسابقات للفنون الشعبية و الأفلام القصيرة . أما مسابقة العروض المسرحية فتنقسم لثلاث مسابقات : الأولى للعروض المسرحية للطلاب المتخصصين ( أكاديمية الفنون – أقسام المسرح بكليات الآداب – كليات التربية النوعية ) و مسابقة أخرى لبقية طلاب الجامعات من غير المتخصصين و مسابقة للعروض الغنائية والاستعراضية ، ثم أضيفت مؤخرا مسابقة المراسل و هى للتقارير الإخبارية المصورة و الإذاعية.
و تبدأ المرحلة الأولى لهذه المسابقة الضخمة خلال الشهور الثلاثة الأولى للعام الدراسى ( أكتوبر / نوفمبر / ديسمبر ) ، حيث يتم الاعلان و الاستعداد داخل الجامعات و المعاهد ثم تجرى تصفية تمهيدية على مستوى كل جامعة أو أكاديمية أو المعاهد العليا ، و ترسل الأعمال الفائزة للإدارة العامة للبرامج الثقافية و الفنية بوزارة الشباب لتعقد تصفية مبدأية لتك الأعمال فى المرحلة الثانية للمسابقة و التى ترفع إلى التصفيات النهائية ، التى تُجرى خلال شهور ( فبراير / مارس / ابريل ) على مسرح وزارة الشباب بالقاهرة و مسرح المدينة الشبابية بالأسكندرية فى نفس التوقيت ، و هى المرحلة الثالثة و الأخيرة .
العجيب فى أمر هذه المسابقة أن المشرفين على تنفيذ المرحلتين الثانية و الثالثة كتيبة رائعة من موظفى الإدارة المركزية للبرامج الثقافية و التطوعية بوزارة الشباب ، وهم عدد محدود نسبيا بالقياس لحجم المسابقة و متطلباتها الإدارية و الفنية و اللوجستيه وأيضا لإجرائها بالقاهرة و الأسكندرية فى نفس الوقت ، و لكن استعانة الإدارة ببعض المتطوعين يساعد على إجراء المسابقة بأقل قدر من المشاكل و فى نفس الوقت يسمح لهؤلاء المتطوعين بالتدرب على بعض مهام القيادة و السيطرة و تذليل العقبات .
و برغم أن مسابقة ( إبداع ) – كما نرى – أضخم مسابقة مصرية تمتد جغرافيا على امتداد الوطن كله بامتداد جامعاتها التى أصبحت 27 جامعة حكومية حتى الآن ، تضم 442 كلية إلى جانب 26 جامعة خاصة تضم أقل من نصف هذا العدد من الكليات عدا المعاهد العليا و المؤسسات التعليمية الأهلية و التكنولوجية ، يدرس فيها حوالى 3 ونصف مليون طالب ، إلا أن هذه المسابقة لا تلقى الاهتمام الواجب من وسائل الإعلام، بل إن وزارة الشباب تضطر إلى تسجيل وقائع المسابقة على حسابها الخاص و تقوم ببثها على الشبكة العنكبوتية ، بينما تعانى وسائل إعلامية كثيرة من خواء المحتوى ، و البحث عن جمهور لها ، و لكن للأسف لا تهتم بهذه المسابقة كما تهتم بالتريندات التافهة التى تجرى وراءها.
و الحقيقة أن هذه المسابقة كانت تستحق اهتمام (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) ، فهى مسابقة أولى بالرعاية و الاهتمام كنوع من إلقاء الضوء على نشاط حكومى هام و مفيد و حيوى و يخدم قطاعا مهما و كبيرا هو قطاع الشباب ، فالبعض لا يعرف عن تلك الوزارة سوى أنها مسئولة عن الرياضة و لا ينتبه لحجم مجهوداتها و لا اتساع و انتشار نشاطها ، و بذلك كانت (الشركة المتحدة) ستضرب عدة عصافير بحجر واحد ، أولها إنتاج برنامج منخفض التكاليف – فوزارة الشباب تتحمل تكاليف إقامة و إعاشة المتسابقين و مكافآت لجان المشاهدة و لجان التحكيم . ثانيها تقديم برنامج مسابقات تتسع فيه رقعة التسابق و تتعدد أوجهه مابين الفنى و الأدبى و العلمى، حتى لا يترسخ داخل الشباب أن الاهتمام منصرف فقط للتفوق الفنى أو الرياضى ، و ثالثها تعظيم دور التعليم و أنه لا يتعارض مع ممارسة أى هواية ، حيث سيكون كل المتسابقين من الطلاب الذين يدرسون و فى نفس الوقت يمارسون هوايات مفيدة تبعدهم عن الأفكار الظلامية ، مما يشجع آخرين على سلك نفس الدرب.
أما أملى فهو أن تزيد عدد الجوائز فى النسخ القادمة ، ففى مجال المسرح على سبيل المثال كانت أعداد الموهوبين تفوق عدد الجوائز بكثير كما أتمنى إعادة النظر فى شرط السن فى مسابقة المتخصصين فى المسرح الذى ينص على أن يكون الطالب تحت سن 27 سنة ، لأن معظم طلاب كليات الآداب قسم المسرح و بعض طلاب أكاديمية الفنون يلتحقون بالدراسة المتخصصة بعد الانتهاء من دراسة جامعية أخرى، و أتمنى أيضا أن يسمح لطلاب الدراسات العليا بدخول المسابقة على الأقل لمدة عامين بعد التخرج.