بقلم : محمد شمروخ
ليت الأمر كان مقتصرا على الإعلام المصطلح على تسميته بـ (إعلام الدولة) وهو غير (الإعلام الرسمي) المتمثل في ماسبيرو والمؤسسات الصحفية القومية والمنكفئ على جراحه، بل تعداه إلى الإعلام غير المقيد بالتوجيهات والسياسات والتعليمات والتوازنات، وهو المعبر عن الاتجاه العام للجماهير في (فيس بوك وتويتر) والمصطلح على تسميته بـ (مواقع التواصل الاجتماعى أو السوشيال ميديا)، فحتى الآن لا أجد تفسيرا مقنعا للموقف المتناقض لكلا الإعلامين، من قضيتين ارتبطتا باسمى وزيرتين في الوزارة الحالية إحداهما استقالت والأخرى تنتظر، ولم تكن أى منهما متهمة في أى من هاتين القضيتين ولكن موقفهما كان أسوأ من موقف المتهمين بارتكاب الجرم في كل قضية!
والقضية الأولى وهى المرتبطة بالسيدة الدكتورة (هالة زايد) وزيرة الصحة السابقة، فقد اكتنف الغموض تفاصيل القضية التى دفعتها لتقديم استقالتها لفترة طويلة التزم فيها الإعلام الموالى للدولة الصمت ولكنه لم يكد يذكر كلمة واحدة عن موقف الوزيرة إيجابا أو سلبا في القضية، ولا يخفى أن الدكتورة هالة تولت وزارة الصحة في أحلك فترة مرت على العالم صحيا بعد (أزمة كورونا العالمية) وتحملت خلال هذه الفترة القاتمة ما لا تتحمله الجبال الرواسي ووجدناها تجوب العالم ما بين الصين التى قيل عنها مصدر الوباء، وإيطاليا التى استفحلت فيها كورونا، ولكن إعلام السوشيال ميديا بالذات وقف للوزيرة بالمرصاد مع الإعلام المعادى للدولة ضدها، وكانت تشن حملات شعواء تتهمها بالفشل منذ أول ساعة لتوليها وزارة الصحة، وواجهت الأعتى وهى لم تزل بعد في قلب معركة كورونا وكان الإعلام الموالى للدولة يدافع عنها على استحياء، واقفا مكتوف الأيدي حيال سطوة وحوش السوشيال ميديا، ثم إذ بالإعلام الموالى للدولة يعلن انسحابه وتخاذله في قضية اتهام مقربين من الدكتورة هالة في قضية فساد ورشوة، بالرغم من أن التحقيقات لم تشر إلى أى دور لها، لكن ورود ذكر اسمى ابنها وطليقها في القضية صار دليلا دامغا عند السادة جمهور السوشيال ميديا على إدانتها ومن موضع تحمل المسئولية تقدمت باستقالتها ولكن مع ذلك استمرت الحملة مستعرة ضدها حتى توارت بالحجاب.
وعموما كان التنمر جليا لأدائها والسخرية مريرة منها، بل تضاعفت إلى درجة التلمظ بالشماته مع توالى أحداث القضية ولم يشغع لها مجهودها مسبقا ولا حتى استقالتها فيما بعد.
لكن العكس بالعكس حدث مع السيدة الوزيرة (نبيلة مكرم عبد الشهيد)، والتى يحاكم (رامى) ابنها الآن في الولايات المتحدة بتهمة قتل شابين في ظروف غامضة!
فقد وجدنا حالة من التعاطف مع السيدة (نبيلة) من الإعلام الموالى للدولة وقوامه أولئك الذين ينشطون ليلا في برامجهم، والإعلام السويشيال ميداوى وقوامه الجماهير الغفيرة حتى وصلت هذه الحالة من الفريقين إلى (النحنحة)، فقد وجدنا السادة مذيعي وإعلاميي الإعلام الموالى للدولة وقد انضمت إليها بعض جهات الإعلام الرسمي وقد تواطأ معهما إعلام السوشيال ميديا (وهاتك يا دموع وسح ونح على مصيبة الوزيرة) الأم المكلومة بما حدث لابنها المتهم في قضية قتل اثنين عمدا وحتى الآن يبدو موقفه في القضية في غاية السوء.
وهنا ليس لى علاقة بنجاح أو عدم نجاح أو حسن أداء السيدة الوزيرة المشهود لها بالإخلاص والكفاءة في عملها، فهذا الأمر ليس له علاقة بالقضية ولا بهذه (النحنحة) المكشوفة من كثير من الناس، حتى صارت العبارات التى نطق بها أشهر مذيعي الإعلام والواردة على آلاف البوستات والصور وكلها تدعم الوزيرة في قضية ابنها، كأنها صيغ متفق عليها وحتى وجدنا محللا للأحداث يصفه قائلا: (هذا الشاب الجميل المثقف!).
ما هذا الهراء الإعلامى؟! وكيف فسد الضمير الجمعى لتحويل الأنظار عن اتهام منكر يواجهه ابن الوزيرة ومحاولة (الغطرشة) على أى سؤال يمكن أن يتطرق لتفاصيل القضية الغريبة والمريبة؟ّ!
حقا يجب أن اعترف وأقر بأنها تجربة قاسية بالنسبة لها كأم ولكن ليس هكذا يجب أن يكون التناول في مثل تلك القضايا، فلماذا هنا لا يبدو القتل جريمة بشعة؟.. فإما أن تتجاهلوها كما تجاهلتم القضية المتصلة بوزيرة الصحة، وإما أن تمارسوا العمل الإعلامى السليم بعرض وتحليل لما حدث.. لكن هيهات هيهات!
فمتى كان التعرض للقضية هو مجرد التعاطف مع العنصر المتهم فيها؟!
وما لكم تعاملتم مع القضية وكأن الجانى فيها هو المجنى عليه؟
والسؤال المحظور والمحشور في زورى منذ أن أثيرت هذه القضية: ماذا لو كان المتهم في القضية شخصا آخر غير ابن السيدة الوزيرة؟!.. ويا حبذا لو كان ابن أحد قيادات الإخوان؟!
أظن لست بحاجة لتصور الإجابات!
أى عار جلبتموه على الضمير الإنساني والإعلامى بإعلان دعم سافر لموقف متهم في قضية قتل لمجرد التعاطف مع والدته التى تحسن عملها، والأدهى أن الجريمة ارتكبت في ظروف غامضة والتهمة هى القتل العمد الذي قد يودى به إلى الإعدام!
ليتكم اتهمتم سلطات التحقيق الأمريكية بتلفيق القضية، فهنا كان يمكن تبرير كل هذا الدعم وكل هذه النحنحة – لو كان هناك ما يبررها في سير مجرى التحقيق – ولكن أحدا منكم لم يكلف نفسه بتحرى ظروف وملابسات القضية مكتفين بالتضامن والدعم والنحنحة مع السيدة الوزيرة واكتفى جمهور كبير من المتعاطفين أن يخوضوا مع الخائضين!
ولأول مرة منذ مهزلة (الحرص على سلامة الخاطفين والمخطوفين) نجد البكاء على القاتل والقتيلين معا.
ولم يكلف أحد نفسه لا في الإعلام الرسمى ولا الموالى للدولة ولا في السويشيال ميديا بنشر معلومات عن القتيلين ولا عن ظروفهما أو بذل أى محاولة لاستجلاء الحقيقة، فهل حجبت جهات التحقيق في كاليفورنيا المعلومات عن الإعلام الأمريكي هو الآخر؟!.. وهل هناك حظر نشر قد صدر من سلطات التحقيق الأمريكية؟!
ولكن ما من مجيب عن سؤال واحد من تلك الأسئلة ومازالت الدموع تسيل ساخنة!
فهل حجبوا الحقائق على عكس ما يدعون من حرية لتداول المعلومات؟!
حتى في أمريكا يا ناس؟!
وإن كان، فما أسباب هذا الحجب؟!
الأسئلة كثيرة وتزداد غموضا، ولكن لماذا لم يطرحها أحد حتى الآن مكتفين هنا بالبكاء على القاتل والقتيلين؟!، فهم الثلاثة – ياعيني عليهم – شباب زى الورد وولاد أكابر ومتربيين (طبعا.. مش في كاليفورنيا)!
ولسان حال الهزل يهزى (ها هما اثنان قد قتلا وقد يلحق بهما الثالث فتكون الإنسانية قد خسرت ثلاثة شبان زي الورد).
كما أن الخازوق الحضارى المستعصى عن الطرح للجدل الآن والذي تجاهله عندنا السادة أباطرة جمعيات حقوق الإنسان، هو أن ولاية كاليفورنيا مازالت تطبق عقوبة الإعدام الهمجية.. (هههههههه.. لكن هههههههه بمرارة).. يعنى هناك في كاليفورنيا ذات نفسها تطبق عقوبة الإعدام.. هه.. كاليفورنيا بجلالة قدرها.. لكن السادة الذين يرون في تطبيق هذه العقوبة همجية في دول الشرق المتخلفة يقفون الآن مخروصي الألسنة أمام قوانين ولاية في أقصى الغرب الأمريكى تضم وادى السيليكون كأشهر وأرقى وأعلى منطقة للتقنية المتقدمة في العالم كله!
بالفعل ما حدث دليل على أن الأهواء الشخصية هى التى تحكم توجهات أعداد غفيرة من الناس، سواء في الإعلام التقليدى من صحافة وتليفزيون ومواقع إخبارية إليكترونية عامة وخاصة، أو في صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعى.
لكنه الهوى عندما يحكم الجميع فيتلف كل شيء، الماء والهواء والشجر في البدو والحضر، حتى ملح الأرض أخذ نصيبه من الفساد، فيا شيوخ العُرب يا ملح البلد .. من يصلح الناس إذا الملح فسد؟!.