كتب : محمد حبوشة
يستحق مسلسل (ملف سري) لقب الحصان الأسود الذي يطلق على الأعمال الفائزة والتي يبقي أثرها، فتدور أحداثه حول قصة تأتي في إطار غامض ومثير، فقد عاش المشاهد المصري والعربي أحداثا مثيرة للدهشة، تألق فيها النجم هاني سلامة في أداء احترافي فارق مع كل من (نضال الشافعي، وماجد المصري، ومحمد محمود عبد العزيز) بالإضافة إلى المتألقين في أداء مبهر مثل: (محسن محيي الدين، إيهاب فهمي، علاء مرسي، إدوارد، أحمد الرافعي، وكارولين عزمي، صبا الرافعي، إيمان يوسف، واللبنانيين الرائعين (إليكو داوود، ومادلين طبر)، عبر أحداث اتسمت بالغموض والإثارة المذهلة التي صنعها كل من المؤلف (محمود حجاج) والمخرج (حسن البلاسي)، وتصدت لإنتاجها شركة (فنون مصر للإنتاج والتوزيع) للمغامرين في الاجتهاد نحو الجودة الفنية (ريمون مقار ومحمد محمود عبد العزيز).
وعلى الرغم من المبالغة في الأحداث والوقائع الدرامية التي تعرض لها المسلسل من خلال المستشار (يحيى طاهر عز الدين)، الذي جسده الفنان هاني سلامة بطل المسلسل، والتي من شأنها أثارت حفيظة عدد من القضاة ممن شاهدوا المسلسل، فقد تحدث بعض القضاة عن حقيقة تعرض البعض – أحيانا – لضغوط بسبب قضايا بعينها ينظرونها، لكنها ليست بهذا الحجم ولا بتلك الصورة المبالغ فيها، وما أثار استياء بعضهم – القضاة – المشهد الذي ظهر فيه القاضي (هاني سلامة) يتشاجر مع أحد الأشخاص داخل صالة ألعاب رياضية (جيم) بسبب احتكاك بينهما وتعديه على الأخير بالضرب، فهنا وصف القضاة هذا السلوك بأنه لا يمت لسلوك القاضي بصلة، فطبيعة عمل القاضي تفرض عليه سلوكيات معينة لا يمكنه الخروج عليها، حتى تواجده في الأماكن العامة وسط عوام الناس، فهناك قواعد وأساليب محددة في المعاملات أوجبها عليه قانون السلطة القضائية تحفظ هيبته وتحمي مهنته المقدسة من التجاوز أو التطاول بأي شكل من الأشكال.
وأضاف قضاة: إنه وإن كان القاضي يتحمل خلال عمله من الصعاب والضغوط النفسية للحكم بالعدل ما يتحمله، لكن من المنصف ألا تكون هناك مبالغة في وصف الأشياء حتى ولو كان ذلك في الدراما أو أي عمل فني، حتى لا تنقل الصورة للناس على نحو خاطئ يبعد عن الحقيقة ويضخم أو يتفه من الأمور، فكلا الأمرين يجافي الحقيقة التي هي أساس عمل القاضي يتعب ويجتهد لكشفها وإعلاء الحق وإرساء العدل، فضلا عن تجسيد (هاني سلامة) لشخصية مستشار ورئيس محمكة في سن صغيرة، وهو مالا توجبه قواعد العمل في سلك القضاء، ومع ذلك أستطيع القول أن صناع هذا العمل قدموا أداءا بارعا للغاية في وجبة دسمة، من خلال مشاهد تتسم بالسخونة في الأحداث التي كانت تتطور من حلقة لأخرى في مباراة تمثيلية فائقة الجودة والحضور.
هذا ويعد مسلسل (ملف سري) بطولة هاني سلامة، هو الأقوى في كعكة رمضان 2022، حيث تتسم حلقاته بالإثارة لاحتوائه على تفاصيل تتصل بجرائم فساد واستغلال نفوذ لبعض الشخصيات المهمة، فالمسلسل يتناول أحداثا وقعت في عام 2013، غير أنه يضم عددا كبيرا من النجوم القدامى، من بينهم محسن محيي الدين الذي عاد مجددا للظهور على الشاشة الرمضانية في عمل نوعي وفارق من الناحية الفنية والموضوعية، وكذلك يتجدد حضور (حمدي حافظ، ومادلين طبر) في محاولة منهما لإثبات وجودهما كنجمين كبيرين لا يزالان يتمتعان بالقبول الجماهيري، وقد شارك في البطولة أيضا ماجد المصري ونضال الشافعي وعائشة بن أحمد بأدوار محورية، تسهم في رفع القيمة الفنية والإبداعية للعمل.
براعة السيناريو وجودته في مسلسل (ملف يسري) تتلخص في أنه ناقش قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية، بجانب تناوله حال البلاد خلال فترة عام 2013، فضلا عن أن الشخصيات كلها تتسم بـ (الغموض)، لأن تلك الصفة تعد أهم ميزة للشخصية على مستوى النظرات التي جذبت الجمهور، وهو ما لمسته من ردود أفعال المشاهدين، وشخصيا تفهمت أسلوب وتفكير المؤلف والمخرج وشركة الإنتاج، والذي كان هذا سببا في اندماج الشخصيات مع الأدوار التي يجسدونها بشكل كبير، حيث دارت أحداثه في إطار اجتماعي أكشن تشويقي حول جريمة قتل تنتج عن تصفية حسابات بين عائلة (المستشار يحيي/ هاني سلامة ) وعائلة المالكي التي ينتمي إليها رجل الأعمال الفاسد (يوسف المالكي) الذي لعب دوره بجدارة مطلقة ماجد المصري، ويحقق هاني في جريمة القتل.
المؤلف (محمود حجاج) قال في معرض تصريحات له: إن هذه التجربة بمثابة تحد كبير بالنسبة لي، أن أقدم مسلسلا مهما ومحترما، ويلقى اهتماما كبيرا من مختلف فئات وشرائح المجتمع المصري، فالمسلسل يناقش بعض القضايا التي شهدها المجتمع عام 2013، والمتفرج ربما قد لا يشعر بالفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، وهذا كان تحديا بالنسبة لي، فكنت أرغب في رصد الحالة التي شهدها المجتمع آنذاك، وتسليط الضوء على عالم رجال الأعمال، وتأثير أعمالهم على كل شيء داخل البلد، وذلك من خلال منظور قاض ملتزم ومحترم ونزيه، ففئة القضاة كان عليها ضغوط كثيرة وقتها، وكانوا يحرصون على تحقيق العدالة رغم ما واجهوه من صعاب وتهديدات.
ولقد ساهم الأداء في بلورة القضية وتتويجها على نحو جيد من جانب النجم (هاني سلامة) في التماهي مع شخصية القاضي، الذي عندما تنظر إليه لأول مره تجد نفسك أمام وجه وسيم هادىء يدخل قلبك دون استئذان، لكن عندما تشاهده في أحد أدواره المركبة تجد أنك أمام إنسان يملك من الشراسة والغضب ما يكفي لتدمير عالم بأسره، ونحمد الله أن هذه الطاقة السلبية لا تظهر سوى أمام الكاميرا فقط!!، وكذلك الحال مع (ماجد المصري) لاعب الشر المحترف، ولعله لفت إليه الأنظار بأدائه التمثيلي المتميز، وحسه المرهف، وقدرته على التجسيد الدرامي، حتى نال إعجاب الجمهور، وأثبت أنه موهوب، وتكمن براعة الممثل وتظهر موهبته الحقيقية إذا أتقن دورا يختلف تماما عن شخصيته الحقيقية، وهذا ما برع فيه (المصري) في محاولاته لنقل الصورة التي يجسدها العقل عن الشر؛ تلك الصورة التي تحمل قدرا كبيرا من الوحشة، والخوف، والفزع، والألم، وذلك من زاوية أخرى حيث اتجه في تقديم شخصيته إلى مدرسة أقرب إلى الواقعية؛ فالشر جزء من تركيبنا جميعا كبشر، والفارق الوحيد هو إرادة الإنسان والتي تتحكم في جزء الخير عن الشر فتنمي ما تريد منهما، وتكبح جماح الآخر.
أما (محمد محمود عبد العزيز) ذلك الموهوب حقا، فحدث ولا حرج عن أداء ممثل يعد واحدا من أولئك الممثلين الذين ينطبق عليه تعريف الممثل البارع، فهو ممثل تلقائي يحمل موهبة كبيرة وطاقة هائلة على التجسيد الحي الذي يجعلك بمجرد إطلالته على الشاشة يجبرك بتصديقه على الفور، فالتمثيل عنده هو غير التقليد الأعمى أو المحاكاة، نظرا لأنه يملك القدرة على الاستجابة لمحفزات وهمية وربما يرجع ذلك إلى أن طبيعة التمثيل تتطلب من الممثل أن يعيش المشاعر الحقيقية للشخصية على الشاشة، أو أنه يقوم بإعادة استعراض الشكل الخارجي للمعاناة الإنسانية والناحية الخارجية للسلوك الإنساني بالاعتماد على براعته التقنية بشكل أساسي، والتي برع فيها نضال الشافعي في تقمصة المذهل في شخصية المحامي (شكر طاهر).
وعلى دربه يأتي المخيف في روعة مذهلة (إيهاب فهمي)، ذلك الشرير الذي أحبه الجمهور المصري، لقد أبدع إيهاب فهمي في تناوله لدور (حسين قاسم) حيث قدم الشر الناعم الذي يبدي نوعا من الخبث المصحوب بابتسامة صفراء تعكس مكنوناته الداخلية من حقد وكراهية، ولعله قدم الكيفية التي يتجلى من خلالها في الأدوار المختلفة، فالشرير على الشاشة الصغيرة ممثل عادي، قد يكون بطلا أو نجما أو ممثلا مساعدا أو ربما ممثل هامشي يؤدي دور صغير، المهم في النهاية أن ذلك الدور يظهر وكأنه مؤثر تماما في الأحداث، فهذه الشخصية سوف تمثل لك الجزء المظلم من الأحداث، إذ أنه كلما ظهرت أمامك على الشاشة سوف تشعر برغبة عارمة في خنق تلك الشخصية بيديك لو كان ذلك متاحا بسبب قيامها بالكثير من المتاعب لشخصيتك المفضلة أو البطل.
وللحق أقول أن كل من (محسن محيى الدين وعلاء مرسي، وأحمد الرافعي) برع ثلاثتهم في تناولهم لأدوار الشر الناعم، وهنا يجب الإشارة إلى شيء في غاية الأهمية، وهو أن الشخص الذي يتصدى للبطل خلال الأحداث هو ببساطة الشرير الذي نبحث عنه، هكذا دون أية مقدمات وحتى لو كان بطلنا يقوم بالكثير من الأفعال السيئة، لكن تبقى فكرة الاقتراب منه ومعاداته خط أحمر بالنسبة للمشاهدين، وقد تجسد كل ذلك في الكيفية التي تم استخدمها من قبلهم جميعا بتكنيك خاص في الأداء، وقد اجتهد ثلاثتهم كثيرا في تقمص الشخصية ودراسة ملامحها الداخلية والخارجية جيدا وتفاعلوا معها لينقلوا لنا بطريقة احترافية تلك المشاعر الكريهة التي يتمتع بها الشخص الذي يلعب دوره.
وقد لاحظت أكثر من (ماستر سين) عبر حلقات المسلسل لكن يبقى مشهد المواجهة بين (هاني رمزي ونضال الشافعي) في كشف أوراق اللعبة هو الأجدر بأن يكون هو (ماستر سين) العمل، بل وغالبية أعمال رمضان 2022، حيث جاء على النحو التالي:
بينما يجلس شاكر أمام والده المستشار (طاهر عز الدين/ حمدي حافظ) في محاسبة نهائية على فقدان ميزان العدل بين أبنائه، يدخل أخيه (المستشار يحيى/ هاني سلامة) عليه في غرفة أبيه مندهشا من حوار افتراضي حيث يقول شاكر في حزن وأسى : المستشار طاهر عز الدين اللي بيحكم بالعدل .. مش عارف يفرق بين ولاده .. صارخا : عايزيي أعمل ايه؟
يحيى : انت بتكلم مين ؟
شاكر موجها كلامه لوالده : ما ترد عليه .. رد.. باكلم أبوك .. أبوك اللي ظلمني طول عمري وقهرني علشان يرضيك .. سيادة المستشار أهوه .. اللي بيدلع فيك .. سيادة المستشار العاقل الحكيم .. بس لعلمك هو ما بيعملش أي حاجة في حياته غير لما بياخد رأيي .. أيوه بياخد رأيي الأول .. النسخة التانية جات أهيه !!!.
يحيى : انت اتجننت .. فوق أبونا مات.
شاكر : أبوك انته اللي مات .. أنا أبويا اللي ظلمني ما متش .. أنا باجيله كل يوم وبنقعد نتكلم مع بعض وباعرفه كل حاجة .. وأنا لو فيه حاجة أنا نجحت فيها أو حققت فيها شيئ باجيله أقوله علشان يفرح ويكون فخور بيا .. بس هو مش شايفني أساسا .. مفيش فايدة .. عارف يا يحيى .. عارف أما اجي أقول مثلا : أنا كبرت المكتب بتاعك وعليت اسمك يقولي : يحيى بقى أصغر رئيس محكمة في مصر زيي .. عارف لما بقيت أقوله اني أكبر محامي في البلد، يقولي ياخسارة يحيى ظلم نفسه .. عشان أخر جواز علشان خاطري من مليكة .. كنت أقوله يابابا أنا الحمل تقل على قوي .. تقل قوي .. ويحيى مش زي ما انته شايفه .. يحيى حيودينا كلنا في ستين داهية علشان خاطر هوه عايز يبقى نسخة تانية منك .. كان يقول لأ.. انته مش فاهمه .. انته ظلمته .. انت ظالمه .. يحيى شايل فوق كتافه كتير .. كتير قوي .. انته ظالم يحيى، أنا ظلمتك يا يحيى؟ .. قوله بس هوه ما بيسمعنيش .. قوله يمكن يصدقك انته .. هو ما بيصدقنيش .. علشان أحس اني خليته فخور بيا مرة واحدة بس.
ينهض يحيى ويقف في مواجهة شاكر قائلا: عمري ما اتخدعت في أي حد في الدنيا ديه زي ما تخدعت فيك .. طول عمري باعرف أفرق كويس قوي بين الصادق والكداب .. لكن بعد اللي سمعته وشوفته منك .. اكتشفت اني كنت أعمى !.
شاكر : أنا ماخنتكش يا يحيى .. أنا مخنتكش .. همه قالولي ان يحيى راح الجلسة وهايقتلوك .. وأنا بحبك ومش عاوزك تموت .. قولتهم الوا دراعه بس .. اخطفوه نور .. وأنا مكنتش عارف انها حتتقتل.
يحيى : ما اسمهاش كده .. اسمها إنك بعتتني وبعت نور وقبضت التمن !.
شاكر : أنا معملتش حاجة .. معملتش حاجة .. هوه اللي عمل .. لو عاوز تحاسب حد حاسبه هوه .. هوه اللي عمل ماتولمنيش أنا .. هو اللي كان طول الوقت بيتفنن يخليني ازاي أكرهك.
يحيى : يلا يا شاكر .. يلا تعالى معايا وطهر نفسك.
شاكر : انته عايزني أعمل ايه يا يحيى؟
يحيى : عايزك تسلم نفسك .. ولو ما سلمتش نفسك أنا اللي حاسلمك.
ينظر شاكر إلى كرسي أبيه قائلا : مبسوط دلوقتي .. الكبير تحت أمر الصغير .. والصغير دلوقتي حايسجن الكبير.
يحيى في حسم : أنا مستنيك بر !.
شاكر : يحيى انته حتسجن أخوك !
يحيى : وأسجن أبويا لو عمل اللي انته عملته
يخرج يحيى منهيا المشهد .. تاركا شاكر منكس الرأس نادما على فعله في أخيه !.