في عيد ميلاد الإذاعة الـ 88 نكشف: (علي الكسار) كان سببا في نشأة التمثيلية الإذاعية
كتب : أحمد السماحي
تحتفل اليوم الإذاعة المصرية التى عمل خلف ميكرفونها كل دعاة الحرية، وطل من خلف ميكرفونها كل عمالقة الفن والفكر والأدب والعلم، بعيد ميلادها الـ 88 ، وبهذه المناسبة تقدم اليوم على كافة محطاتها برامج خاصة من تراث الإذاعة المصرية، منها حديث إذاعي يذاع في البرنامج العام يعود إلى عام 1937، كما تذيع بعض الأحاديث النادرة لكبار رجال الفن والفكر والأدب، منها (حديث الأربعاء) للدكتور طه حسين، فضلا عن مقتطفات من بعض المسلسلات النادرة التى قدمت على مدى تاريخ الإذاعة.
وبهذه المناسبة ننشر برنامج حفلة افتتاح محطة الحكومة المصرية للإذاعة اللاسلكية يوم الخميس 31 مايو سنة 1934 الذي بدأ الساعة الخامسة والربع مساء، حيث بدأ الإرسال بكلمة الافتتاح لحضرة صاحب المعالي (إبراهيم فهمي كريم باشا) وزير المواصلات، ثم كلمة لحضرة صاحب السعادة (محمود شاكر محمد بك) المدير العام لمصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة المصرية، وأخيرا كلمة حضرة صاحب السعادة (الدكتورعلي باشا إبراهيم) رئيس لجنة برامج الإذاعة.
برنامج أول يوم إذاعة
في السادسة مساءا بدأ برنامج الإذاعة بالقرآن الكريم تلاوة الشيخ محمد رفعت، وفي السادسة وعشر ألقى علي الجارم بك قصيدة نظمها تحية لجلالة الملك فؤاد، وفي الساعة السادسة و20 دقيقة تم تقديم موسيقى شرقية، وفي السادسة ونصف قدمت موسيقى غربية من فرقة (تريو اتليانو)، بعدها استراحة لمدة عشر دقائق.
وفي الساعة السادسة و40 دقيقة فاصل غنائي للآنسة أم كلثوم وتختها، وفي السابعة و20 دقيقة قصيدة من شعر (أحمد شوقي بك) ألقاها الأستاذ حسين شوقي أفندي، في السابعة ونصف موسيقى من فرقة (تريو اتليانو) المكونة من (ج أفيرينو) مغني باريتون، ومدام (يوسون) بيانو، ومدام (سولون) مغنية سوبرانو.
وألقى محمود رمزي نظيم زجل من نظمه في الساعة الثامنة و40 دقيقة، وفي الساعة التاسعة إلا خمسة موسيقى شرقية للأستاذة (مدحت عاصم – بيانو، سامي الشوا – كمان)، بعدها وفي التاسعة وخمس دقائق ألقى (محمد أفندي عبدالقدوس) مونولوج فكاهي، وفي الساعة التاسعة وثلث قدم (صالح أفندي عبدالحي) فاصل غنائي.
وفي الساعة العاشرة و10 دقائق استراحة لمدة خمس دقائق، بعدها وفي الفاصل الأخير الذي بدأ في العاشرة وربع فاصل غنائي لـ (الأستاذ محمد أفندي عبدالوهاب) وتخته، وفي الساعة الحادية عشر السلام الملكي.
أجر محمد رفعت وأم كلثوم
من المعلومات القليلة النادرة أن الشيخ (محمد رفعت) حصل على ثلاثة جنيهات مقابل تلاوته للقرآن الكريم في أول يوم، وحصل عبدالوهاب على 30 جنيها، وكذلك صالح عبدالحي، أما (ثومة) فحصلت على 50 جنيها وجاء عقد الاتفاق على النحو التالي: (اتفقت شركة تلغرافات ماركوني اللاسلكية (الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية) على أن تحيي الآنسة أم كلثوم حفلتي الافتتاح للمحطة في مساء يوم الخميس 31 مايو سنة 1934 ومساء يوم السبت 2 يونيو مقابل أجر قدره 50 جنيها مصريا عن الحفلتين، وستكون مدة كل حفلة للآنسة 40 دقيقة).. تحريرا في 21 مايو 1934 .
الكسار سبب ظهور التمثيلية الإذاعية
الرائد الإذاعي الكبير (محمد فتحي) في كتابة النادر (الإذاعة المصرية في نصف قرن) يقول : (طبيعي عند دخول الإذاعة أن تدخل الدراما ضمن برامجها لا لجدتها النسبية واستهوائها الناس واهتمام الدولة بها في ذلك الحين حتى لقد أنشأت فرقة قومية ومعهدا للتمثيل، لكن لأنها كالشعر أكثر من أي فن آخر تعتمد على الكلمة، الكلمة المجودة والعبارة المشرقة والحوار البليغ الرشيق، والكلمة فى الإذاعة هى السلعة الأساسية بل هى بضاعتها.
في أحد أيام الإذاعة الأولى جاء إلى الاستديو الكبير رقم 1 في دار الإذاعة إذ ذاك 5 شارع علوي بفرقة التمثيل بكاملها، لتمثل على الهواء المسرحية كاملة دون تعديل أو تحوير، وظهر فى إحدى هذه الاذاعات أن الممثل الرئيسي (علي الكسار)، وبطل الفرقة وصاحبها أمي لا يقرأ ولا يكتب ويعتمد على الملقن في (كمبوشته) لضعف حافظته.
في اليوم المحدد لإذاعة مسرحيته فزع مذيع الاستديو عندما رأى واحدا من الموجودين والنور الأحمر موقد، والإذاعة جارية على الهواء، ينقض على رأس الممثل البطل ويعبطه، وظن المذيع أنه سيرتكب جناية، أو يعمل شيئ آخر!، لكن لدهشة المذيع دهشة العمر أنه وضع فمه لصق أذنه وراح يسر إليه بكلام الدور الذي تاه عن دماغه يلقنه له فهو الملقن!.
يوليوس قيصر
ظهر تماما لأهل الإذاعة بصرف النظر عن مسألة (على الكسار)، أن إذاعة مسرحية بكاملها من الاستديو مدة ساعتين أو أكثر على الهواء مباشرة ودون جمهور، وبأسلوب الالقاء المسرحي الجهوري مسألة لا تمت لفن الإذاعة بصلة، لهذا نشأت فكرة (هواة التمثيل في الاذاعة) وفى هذه الفترة المبكرة الأولى انضم عنصر جديد هو (محمد عزيز رفعت)، وكان لغويا ومترجما رفيع المستوى، وعهد إليه لإدارة قسم الأحاديث والمسرحيات فتولى إخراج بعض المسرحيات بأصوات المذيعين، ولحسن الحظ كانوا على دراية طيبة بالدراما والتمثيل، وكانت أول هذه المسرحيات مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير ترجمة محمد حمدي.
أمينة السعيد ورشاد رشدي نجوم تمثيل
تبين من التجريب المتواصل وجس تجاوب الجمهور أن هذا النهج الإذاعي الجديد في التمثيل مقبول، نهج الرواية وتمثيل المشاهد، فظل فترة قدم فيها الكثير من روائع الدراما العالمية لشكسبير، وموليير، وبرنارد شو، وتشيكوف، وجوجول، وإبسن، وأوسكار وايلد، وعشرات غيرهم.
وساهم فى هذا المنشط إلى جانب أعضاء فرقة هواة التمثيل بالإذاعة عدد من الكتاب الدراميين منهم (أحمد كامل مرسي، وسامي دواد)، كما استعانت فرقة الهواة بأعضاء نادي خريجي قسم الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة لا في الترجمة فحسب وإنما في التمثيل أيضا، من هؤلاء (أمينة السعيد، ورشاد رشدي، وتماضر توفيق، وحسن المنفلوطي، ووجيه قطب، وابراهيم خليفة) وغيرهم.
السيد بدير وأنور وجدي
الخطوة التالية التى توصل إليها التجريب في الدراما الإذاعية هى التأليف، تأليف التمثيلية الإذاعية القصيرة، ولم تكن التمثيلية الإذاعية شيئا معروفا له كتابه ومؤلفوه، لذلك كان لابد من تدريب على كتابة التمثيلية الإذاعية كان من أبرز هؤلاء بعد تبصيرهم وتقديم النماذج لهم (يوسف جوهر، والسيد بدير، وأنور وجدي)، وكان من أبرز التمثيليات التى قدمت في تلك المرحلة مشهد (الشرفة) في مسرحية روميو وجوليت) لشكسبير، وقد حظي بشعبية هائلة وصدى واسع.
حسن القرنفلي
كان مسلسل (حسن القرنفلي) أول مسلسل في تاريخ الإذاعة المصرية، تأليف (يوسف جوهر)، وقام ببطولتها (حسن فايق)، وكان وقع المسلسل على المجتمع شديد التأثير لا لتمثيلها الصادق فقط لكن لأنها في المقام الأول كانت صورا واقعية من حياة شباب العصر.