اغتيال (الكواكب) عروس المجلات المصرية، وجزء من أحلامي !
كتب : أحمد السماحي
آه .. ثم آه.. ثم آه.. سأظل أقول آه، ولابد أن يقولها معي كل عشاق الفن والجمال بعد القرار الذي اتخذته الهيئة الوطنية للصحافة التى عقدت اجتماعاً يوم الخميس الماضي برئاسة المهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة، وبحضور أعضاء الهيئة، وانتهت الهيئة إلى عدد من القرارات، وذلك بإجماع الحاضرين؛ وهى دمج مجلتي (الكواكب وطبيبك الخاص) في (مجلة حواء)، التي تصدر عن مؤسسة دار الهلال، مع إنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار، على أن يتم ذلك اعتباراً من العدد الأول لشهر يونيو القادم.
ومنذ أول أمس الخميس وحتى اليوم وأنا أقول (آه) يا ميت خسارة على إهدار الفن، والجمال، ولست وحدي الذي يقول تلك (الآه)، فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات والبوستات التى ترفض هذا القرار جملة وتفصيلا، لأن مجلة (الكواكب) التى احتفلت في شهر مارس الماضي بعيد ميلادها الـ (90) واحدة من أعرق وأقدم المجلات الفنية في العالم العربي منذ أن أنشأها الشقيقان (إميل وشكري زيدان) عام 1932، وكانت لسان حال الفن والفنانيين على مدى عقود طويلة.
نشر الثقافة الفنية
عندما صدرت (الكواكب) عام 1932 لم يكن مر على صناعة السينما في مصر سوى خمس سنوات فقط تقريبا، ومن خلال هذا الإصدار الجديد عرّفت الجمهور المصري والعربي بنجوم هذه الفترة مثل (عزيزة أمير، جورج أبيض، نجيب الريحاني، أم كلثوم، نادرة، إبراهيم وبدر لاما، عزيز عيد، فاطمة رشدي، استفان روستي، زكي طليمات، يوسف وهبي، بهيجة حافظ، روزاليوسف، فردوس حسن، محمد عبدالوهاب، صالح عبدالحي، حامد مرسي، علي الكسار، زوزو حمدي الحكيم، محمد عبدالقدوس، ليلى مراد) وغيرهم من الرواد الأوائل في السينما المصرية.
أثارت قضايا مهمة
لم يقتصر دور عروس المجلات الفنية على نشر أخبار النجوم، وإجراء حوارات معهم، ولكنها دافعت عن الفن والفنانيين، وفجرت كثير من القضايا التى كان نجوم الفن يشتكون منها لعل أبرزها – كما كتب الزميل (عمرو محي الدين) في العدد الصادر بمناسبة 90 عاما على إصدار (الكواكب) – موضوع المسرح الأجنبي، والمسرح المصري، وكذلك صناعة السينما وكيف يمكن دعمها في العدد الصادر بتاريخ 12 فبراير 1934، وفي تعرضها لقضية ضريبة الملاهي في حقبة الثلاثينات والتى أثيرت أكثر من مرة التقت (الكواكب) بالمنتجة (آسيا) التى أكدت على أن الحكومة يجب أن تعفي الأدوات والآلات والأشرطة واللوازم الخاصة بشركات السينما المصرية من الضرائب الجمركية تشجيعا لهذه الصناعة.
وطلبت (أسيا) من الحكومة أن تعرض على دور السينما في مصر عددا معينا من الأشرطة السينمائية كل عام، فبذلك تكثر شركات السينما المصرية، ويتسع نطاق هذه الصناعة الرابحة، ويجد الكثير من العاملين في الوسط الفني أعمالا تغنيهم عن البطالة.
كما كانت (الكواكب) أول من أثار قضية الرقابة وحرية التعبير، وهل هى ملك المؤلف يعبث من خلالها بأفكار ومشاعر المشاهدين كما يحلو له، أم أنها لابد وأن تخضع لضوابط ومعايير تحكمها وتضع لها الأسس التى تسير عليها، كما أثارت قضية صراع زكي طليمات لإنشاء معهد التمثيل والتحاق الفتيات للدراسة به، وقد احتفت المجلة عام 1934 بالفنانة (زوزو حمدي الحكيم) كأول طالبة تتخرج من المعهد وتصدرت صورتها غلاف أحد الأعداد.
فاتن وزبيدة إكتشاف الكواكب
قضايا كثيره جدا تبنتها (الكواكب) وكانت فيها سند وضهر لكل نجوم مصر، ولم يقتصر دور (الكواكب) على إثارة القضايا التى يعاني منها العاملين في الفن، ورفع الظلم عن كثير منهم، ولكنها قدمت للفن المصري عدد كبير من النجوم الذين تبنتهم وكان أول ظهور لهم على أغلفتها، لعل أولهم سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) التى فازت كأجمل طفلة في أحد المسابقات الخاصة بالأطفال، ووضعت صورتها على غلاف مجلة (الكواكب) ومنها اكتشفها المخرج (محمد كريم) وقدمها للسينما في فيلم (يوم سعيد) مع الموسيقار محمد عبدالوهاب.
كما اكتشفت (الكواكب) الفنانة (زبيدة ثروت)، وغيرها من النجوم من خلال مسابقات خاصة بالنجوم الجدد من هؤلاء النجوم (تهاني راشد، منيرة سنبل، سناء مظهر، جلال عيسى، نجلاء فتحي) وغيرهم.
عروس أحلامي
لا أريد أن أسترسل هنا عن دور وأهمية مجلة (الكواكب) ولكني سأقص عليكم باختصار قصتي معها فهي واحدة من المجلات التى كونت ثقافتي الفنية، ومنذ كنت طالبا في الإعدادية، كنت أنزل أسبوعيا (سور الأزبكية) أشتري أعدادها القديمة، وأعود إلى منزلي سعيدا بهذا الكنز الذي حصلت عليه، وأظل أقرأ في الأعداد الخمسين أو المائة التى اشتريتها حتى يأتي الأسبوع الذي بعده، وظللت أفعل هذا لسنوات، وهكذا تكونت ثقافتي الفنية من خلال هذه المجلة مع مجلات أخرى مثل (الاستديو، السينما، الراديو المصري، الموعد، نورا، الشبكة، سحر، ألوان، السينما والناس) وغيرهم، وحتى الآن استفيد من الكنز الفني الذي أمتلكه من خلال أبواب (شهريار النجوم) وآخرها منذ ثلاث أيام عندما كتبت عن أغنية (قولي عملك ايه قلبي) التى كتبت ولحنت ليقوم بغنائها (عبدالحليم حافظ) في فيلم (بنات اليوم) لكن حال موقف ما غيره في الفيلم المخرج (بركات)، فكتب الشاعر (حسين السيد) أغنية (ظلموه) وراحت أغنية (قولي عملك ايه قلبي) للموسيقار محمد عبدالوهاب.
قليلي الموهبة
أعتقد أنني لست وحدي الذي وقع أسيرا في حب (الكواكب) لكن يشاركني كثير من الجمهور، والنجوم، وإذا كان حدث فتور لهذه المجلة أو قل توزيعها في السنوات الأخيرة فهذا حال كل الجرائد والمجلات المصرية التى انصرف عنها القارئ بسبب أننا فقدنا الثقة فيما يكتب، وفتر حماسنا للقراءة، وتولي قليلي الموهبة إدارة ورئاسة المطبوعات الصحفية، وبالتالي ساعدوا بقلة وعيهم وتدني ثقافتهم لهروب القارئ، حيث قتلوا المواهب الحقيقة في مؤسساتهم بإبعادهم عن الكتابة، وعدم إعطائهم فرصة التعبير عن أرائهم، وولوا معدومي الموهبة المناصب الصحافية، واجتنبوا كل مشاكل الحاضر، وابتعدوا عن الناس ومشاكلهم وقضاياهم، وعن النقد لأي شيئ، وكل شيئ، وشغلوا القارئ بمواضيع هامشية جدا وغير هامة بالمرة تخمد فيه الرغبة في الاطلاع والقراءة.
في النهاية لو تولى (الكواكب) أو أي إصدار صحفي موهوب حقيقي، سيستطيع الاستفادة من كل الموهبين في إصداره، وهذا سينعكس على الإصدار بشكل إيجابي، وبالتالي سيعود أي إصدار لعصره الذهبي، وينعكس هذا على ارتفاع التوزيع، وأخيرا قولوا معي مرة ثانية (آه، آه، آه)!