بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
سال الشيخ محمد يونس القاضي صديقه الشيخ سيد درويش سؤالا عابرا ذات يوم.. لكن السؤال حرك فضول الشيخ سيد.
قال محمد يونس القاضي يسال الشيخ سيد درويش:
من امتى يا شيخ سيد مانزلتش مصر؟
ولم يفهم الشيخ سيد معنى السؤال وسببه فأجاب:
ونزلوا مصر ليه؟.. هى اسكندريه كخة؟
قال الشيخ يونس:
لا مش قصدي.. اني بنسالوك علشان نعرفوا ان كنت دريت ولا أحد قال لك ان شغلك وفرقتك كل مسارح مصر شغاله بيها وانت لا مؤاخذه قاعد هنا وحقوقك كلها هناك في مصر!
انتبه الشيخ سيد درويش على السؤال وفهم المقصود منه، فالشيخ يونس صديقه لا يمكن أن يقول إلا الصدق.. قال الشيخ سيد وقد عزم على السفر الى القاهره انه سيسافر ليرى هذا الكلام بنفسه.
وفي إحدى الزيارات وكانت المفاجاة.. توجه الشيخ سيد من المحطه إلى شارع عماد الدين ليرى العجب.. فها هو (مسرح كشكش) بنجيب الريحاني يعلن في لافته كبيره انهم يعتمدون في المسرحيه على موسيقى الموسيقار الكبير الشيخ سيد درويش.
وبعده بخطوات كانت (فرقه سليم عطا الله).. ثم (فرقه فاطمه رشدي وعزيز عيد) والكل يتفاخر بأنهم يعتمدون في الأوبريتات على موسيقى الشيخ السيد درويش.
اندهش سيد درويش لما رأه وزاد إحساسه ببخته الذي يسري كالموج في كل في مسارح القاهرة، ولما عاد الشيخ سيد درويش إلى الأسكندريه مزهوا وسعيدا بما راه ولمسه هناك.. في مصر.
وكان من الطبيعي أن يساله الشيخ محمد يونس القاضي عم فعله في شارع عماد الدين.. وكانت إجابه الشيخ سيد درويش مفاجاة للشيخ محمد يونس القاضي.
قال الشيخ سيد: يا أخي اني انكسفت نتكلم.. ده ايه الاحترام ده.. يقولوا لك موسيقى الشيخ سيد درويش الموسيقار الكبير.. بذمتك اني معقول بعد الكلام المحترم ده أدخل وأصغر نفسي وأقول لهم فلوسي؟ .. ده معقول؟!
وفي إحدى هذه الزيارات.. وفي مسرح الكسار تحديدا كان هو الأهم فقد التقى سيد درويش بمطرب كانت مفاجاه كامله للشيخ سيد اسمه (حامد مرسي) وكان مطرب فرقه الكسار إضافه إلى إبراهيم حمودة أيضا.
التقى الشيخ سيد درويش بالمطرب حامد مرسي وأعرب له عن إعجابه بقوة صوته فصار كالصديقين.. واتفقا على اللقاء كل فترة بعد تلغراف من سيد درويش إلى حامد مرسي للاتفاق على موعد اللقاء ومكانه.. وكان موعد اللقاء هو الخميس واقترح حامد مرسي أن يكون المكان هو قهوة (خمسه باب) شارع كلوت بيك في أول الشارع لقربها من محطه القطار.
وتكررت اللقاءات وكانت بعض الأفكار الموسيقيه والغنائيه تمر بالشيخ سيد درويش فيسمعها حامد مرسي ويحفظها أيضا وأن كان الشيخ سيد درويش يمكن أن ينساها، ثم وفي غشيه من القهوه حتى محطه القطار يقوم حامد مرسي بتوصيله ليساله في الزيارات التالية إن كان قد قال شيئا فيخبره حامد مرسي بأنه قال كذا وكذا.. وهكذا وصلت إلينا أغاني كثيرة من تأليف الشيخ السيد درويش بسبب حامد مرسي.
ثم تحدث تلك الحادثه في إحدى زيارات الشيخ سيد درويش لقهوة (خمسه باب) في انتظار وصول حامد مرسي.
كان الشيخ سيد مشغولا بكتابه كلمات إحدى أغانيه.. يكتبها ويدندن لحنها منتظرا وصول حامد مرسي حتى سمع صوت امراه تصرخ خارج القهوة!
التفت الشيخ سيد إلى بعض رواد القهوة من حوله لينبههم أن إلى تلك المرأة التي تستغيث في الخارج، لكن احد لم يهتم وقال له رجل كان يجلس قريبا منه:
احنا ما لنا.. ما لناش دعوه.
وقال آخر:
يا عم خلينا في حالنا.
وقال ثالث:
وهى ايه يخرجها في وقت زي ده؟!
لم يعجب كلامهم الشيخ سيد درويش ابن الاسكندريه فقال يصرخ فيهم:
ايه يعني.. ما فيش شهامة.. ما فيش جدعنه؟!
لكن أحدا لم يهتم مما زاد غضب الشيخ سيد ودهشته من هذه السلبية، هذا الجبن في مواجهة شيء كهذا قام الشيخ سيد وخلقه ليرى ما يحدث لتلك المرأة المسكينه فوجد ثلاثه من الجنود الانجليز يحاولون تعريتها من ملاءتها وكشف أجزاء من جسدها.
هجم الشيخ سيد درويش من ذلك الجندي الذي كان يحاول تقبيلها وضمها إلى صدره ينهره الشيخ سيد درويش بقسوه ثم يدفعه عنها بعيدا.. لكن الجندي الإنجليزي يدفع الشيخ سيد ببندقيته قائلا له ما معناه إن هذا ليس من شأنك فابتعد عنا.
ويبلغ انفعال وغضب الشيخ سيد مما يحدث أمامه فيهجم على الجندي ويوجه إليه (روسية إسكندراني) فينفجر الدم من أنف الجندي الإنجليزي غزيرا ليهرب الجنود الإنجليز الثلاثه بعد ذلك..
وعاد الشيخ إلى القهوة ليجد كل روادها ينتظرون على بابها وصاحب القهوه يصرخ فيهم:
يا لا.. اقفل الباب يا بني قبل الإنجليز ما يرجعوا ويبهدلونا.
وفهم الشيخ سيد المقولةفعاد إلى محطه القطار راجعا إلى الأسكندريه.
لكنه يعود بعد أسبوعين ليجد القهوة ما زالت مغلقه ويفهم من حامد مرسي ما حدث بعد أن عاد ال‘نجليز ليبحثوا عن من ضرب جنديا ولم تهمه لا بريطانيا ولا جيشها..
حكايه حكاها حامد مرسي بعد ذلك عن شهامه وجدعنت الشيخ سيد درويش الاسكندراني الشهم!.