تعرف على الأغنية التى كتبت لـ (حليم) ولم يغنها، وقام (عبدالوهاب) بغنائها !
كتب : أحمد السماحي
من الأفلام المتميزة التى قدمت عام 1957 وناقشت قضية مازالت مطروحة حتى اليوم، وهى صراع الأجيال ما بين القديم والحديث، فيلم (بنات اليوم) تأليف (يوسف عيسي وبركات)، وبطولة (العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وماجدة، وأمال فريد، وأحمد رمزي، وكاريمان، وسراج منير، وإخراج بركات)، كتب الشاعر المبدع (حسين السيد) كل أغنيات الفيلم، وقام بتلحينها الموسيقار المجدد (محمد عبدالوهاب)، ونالت أغنيات الفيلم إعجاب الجميع خاصة أغنية (ظلموه)، هذه الأغنية لم تكن موجودة في الفيلم! وكتبت في آخر لحظة، وكان هناك أغنية شهيرة جدا كتبت ولحنت ليقوم بغنائها (عبدالحليم حافظ) لكن حدث شيئ ما حال دون غنائها؟!، وقام بغنائها الموسيقار الشهير!.
ما هى هذه الأغنية ولماذا لم يغنها؟! ومن قام بغنائها؟ هذا ما جاء في عد من مجلة (الكواكب) الصادر في 21 مايو عام 1957، ووجدناها حكاية نادرة لا يعرفها أحد خاصة من الجيل الحالي فأحببنا أن نحكيها لكم في باب (حواديت الأغاني)، فتعالوا بنا نقرأ حدوتة أغنية (ظلموه):
عندما شرع الموسيقار (محمد عبدالوهاب) في إنتاج فيلم (بنات اليوم) الذي تربعت أكثر أغانيه على عرش الغناء لهذا الموسم، لم يكن في رأسه من المؤلفين غير الشاعر الغنائي (حسين السيد)، ولهذا دق جرس التليفون ذات مساء في منزله وكان المتحدث (عبدالوهاب) فقال له: أنت فاضي يا حسين الساعة سبعة؟ فرد: أيوه فاضي.
وفي السابعة التقى الثلاثي الملحن المنتج والمؤلف والمخرج (هنري بركات) الذي قدم نسخة من سيناريو الفيلم إلى (حسين السيد) ليقرأها، حيث أن من عادة (حسين) أن يستغرق في قراءة السيناريو ليعيش في أحداثه وينفعل بها ولذلك فهو يصر في أغلب الأحيان على الانفراد بنظم جميع أغاني الفيلم، لا سعيا وراء كسب مادي لأن التأليف لم يكن في يوم من الأيام مصدرا لعيشه.!
ولكن كما يقول هو: (هذا يشعرني بالمسئولية الكاملة بالنسبة لأغاني الفيلم بأكمله، والشعور بالمسئولية مصدر الاتقان في كل شيئ)، ويحدث أحيانا أن يلجأ (حسين السيد) إلى تعديل بعض المواقف الغنائية حينما يحس بأن هناك موقفا أو أكثر يكون الغناء فيه أصلح من حيث الفكرة والمعنى، وكان (بركات وعبدالوهاب) قد حددا ببراعة يحسدان عليها مواقف الغناء، ولذلك وضع (حسين السيد) أغاني الفيلم الواحدة بعد الأخرى، حتى وصل إلى الموقف الأخير فكتب أغنية تقول: (قولي عملك أيه قلبي، قلبي اللي أنت ناسيه، وأنت الغالي عليه).
وفي الصباح وكما هى العادة المتبعة بين (حسين، وعبدالوهاب) ذهب المؤلف وقدم للملحن الأغنية الجديدة والأخيرة، وفي الحال أدخلها صانع الألحان في مصنع الأوتار، وجاء (عبدالحليم حافظ) وسمع اللحن وكان رائعا وبدأ الحفظ وبعد يومين جاء (حسين السيد) ليجد المخرج قد أدخل تعديلا جديدا في بعض الحوادث السابقة، واللاحقة لموقف الأغنية الأخيرة.!
وبكل بساطة نظر (حسين السيد) إلى (عبدالوهاب وبركات) فوجد المخرج يقول: بكل آسف هذه الأغنية أصبحت لا تصلح الآن لهذا الموقف، واعمل لنا غيرها!.
وهنا قفز (عبدالوهاب) من مكانه وقال: يعمل غيرها إزاي مستحيل، وأنا لحنت وطلع جنان وعبدالحليم حفظ، ايه الكلام اللي بتقوله ده؟!
وسمع (عبدالحليم) بالخبر فقال لبركات: يا أستاذ بركات أعمل معروف خلي الحوادث زي ما كانت، دي الغنوة اتألفت خلاص وعبدالوهاب لحن واللحن هايل.!
وترك (حسين السيد) المناقشة تدور وتصول وتجول وذهب إلى ركن بعيد وبدأ يقرأ التعديل الجديد في الموقف، ثم انصرف دون أن يشعر به أحد، بعد أن ترك خبرا مع (السفرجي) وقال له: قول للأستاذ عبدالوهاب أنا حفوت عليه الساعة خمسة بعد الضهر، وما أن دقت الساعة الخامسة حتى كان (عبدالوهاب) يرد على التليفون، يسمع (حسين السيد) يزف إليه بنبأ مولودة جديدة يقول مطلعها: (ظلموه، ظلموه، القلب الخالي ظلموه).
وقال عبدالوهاب : ايه ده؟!
حسين : ايه يا أستاذ مش عجبك؟!
عبدالوهاب : عجبني قوي بس إيه ده؟!
حسين : ده مطلع غنوة عبدالحليم الأخيرة في الفيلم، يعني بدال (قولي عملك ايه قلبي).
عبدالوهاب : أيوه طب والثانية حنعمل فيها ايه؟!
حسين على الفور : تغنيها أنت يا أستاذ!
ويبدو أن الاقتناع كان قد زحف على أسلاك التليفون، بدليل أن (عبدالوهاب) سكت كعادته عندما يقتنع بأمر من الأمور الخطيرة، وغني (عبدالحليم) من عصارة قلبه (ظلموه)، وغنى (عبدالوهاب) من عصاره فنه وروحه (قولي عملك ايه قلبي) ولا زالت الشقيقتان تتنافسان على عرش الموسم الغنائي في عناد وإصرار!