بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
هل نسينا (عبد العزيز محمود)، المطرب ابن سوهاج الذي سافر إلى بور سعيد في شبابه المبكر بحثا عن عمل في المدينه الحره؟!
لا أظن أن أحدا منا يمكن أن ينساه أو ينسى الحالة الجميلة وأغانيه الشعبية وإيقاعاتها الجديدة!.
في بورسعيد حيث بدأت شهرته مع الحفلات والأفراح كانت أول صدمه يتلقاها في حياته وهو يعمل مع إحدى شركات الشحن والتفريغ عندما سقط فوقه من أحد أوناش الميناء لوح كبير من الصلب ليقطع نصف قدمه.. ولم تبخل الشركه عليه فأرسلته الى المستشفى الكبير في القاهره لاستكمال علاجه وفي القاهرة، ليخرج عبد العزيز محمود إلى الحياه يحمل موهبته وحبه للغناء والموسيقى مع ما أصابه في قدمه ليستكمل دراسة الموسيقى، ثم اتصاله بالوسط الفني ليختاره بعض المخرجين للغناء.. وبمجرد الغناء في أفلامهم فغنى ورقصت (نعيمة عاكف) أمامه في فيلم (ست البيت) من بطوله فاتن حمامة وزيناب صدقي، وتمر الأيام ويختاره (أنور وجدي) لأغنيه في زفاف العصابة التي كان يرأسها (ستيفان روستي)، ويطاردها الضابط وحيد (أنور وجدي).
في حفل الزفاف يغني (عبد العزيز محمود) للعريس (رياض القصبجي) واحدة من أجمل أغانيه التي لا يمكن نسيانها وهى أغنيه (يا نجف بنور يا سيد العرسان، يا قمر ومنور الخلان) إلى أن استطاع أن ينتج من خلال شركته للإنتاج بعد العديد من الأغاني التي لحنها لنفسه أو لغيره من المطربين والمطربات، فجاء فيلمه الأول ثم الثاني والثالث والرابع لتحبه الجماهير كوجه جديد وصوت جديد وموسيقى جديدة، ورغم ما كان به من بعض العرب في مشيته تغلب عليها بإصراره.
وكان من أغاني أفلامه (منديل الحلو وخد الجميل والشباك حبيبي وتاكس الغرام)، وغيرها أمام أشهر وأحب الفنانات إلى قلوب الجماهير، وكذلك جاءت أفلامه التي اشترك فيها (عبد الفتاح القصري وحسن فايق وسعيد أبو بكر وهدى سلطان وزينات صدقي وتحيه كاريوكا وسميه جمال وسعاد مكاوي وإسماعيل ياسين ومحمود شكوكو)، ونجحت الأفلام نجاحا كبيرا وبالذات في العمل الذي شارك فيه (محمود المليجي والسيد بدير وهدى سلطان) وهو (تاكسي الغرام) بما فيه من أغنيات مع (هدى سلطان)، وفي هذا حدثت أول (خناقة) بينه وبين زينات صدقي عندما تأخرت عن عملها في أحد الأفلام أمام (محمد فوزي ونعيمه عاكف وداد حمدي ولولا صدقي)، وهو فيلم (يا حلاوة الحب)، من إخراج (حسين فوزي) فوصلت الى الاستديو حيث تمثل دور يشغل نصف الفيلم تقريبا كصديقه لبطله الفيلم (هدى سلطان) وانتظرها عبد العزيز محمود فوق أكثر من ساعتين ودمه بيغلي من الغضب لما كان يتسبب فيه غيابها من انتظار زملائها ومصروفات الإنتاج إلى آخره، وكان معروفا عن (عبد العزيز محمود) عصبيته فتلقاها موجها لها قسطا من العتاب واللوم، وكان آخرها كلمه لم تتحملها منه (زينات صدقي) التي كانت قد اعتذرت له عن التأخير لبعد المسافة بين استديوهات التصوير، وكان (عبد العزيز محمود) قد قال إنه لولا أنه لا يضرب النساء لكان قد أشبعها ضربا، فما كان منها إلا أن قالت: أنا بقى باضرب الرجالة، ثم هجمت عليه لتوقعه أرضا ثم تنهال عليه ضربا وهو يستغيث بالعاملين معه في الفيلم لينقذوه منها، وهي حكاية سبق أن حكيتها تفصيليا عني نفس الموقف
والمهم هنا ليست هذه الحكاية إنما حكايه (عبد العزيز محمود) نفسه الذي أدت عصبيته إلى كثرة زواجه التي أثقلت عليه نفقات مؤخرات الصداقه عليهم مع ما حدث له عندما أدارت له السينما ظهرها فتره تسببت في أن يغلق شركته للإنتاج حتى يأتيه بعض الأمل عندما كلمه الفنان (سمير صبري)، وكان قد تقدم بمبادرة إلى أحد فنادق شمال العاصمة كان يعرف المسؤول عنه ليقدمه في فقره مبتكرة لفن زمان تنشيطا للسياحة وجذبا للنزلاء، وشاركت فيها (سامية جمال)، وكانت قد اعتزلت الفن بعد طلاقها من رشدي أباظة، كما شاركت فيها (سعاد مكاوي) مع (عبد العزيز محمود).
ثم توقف كل شيء عندما أساء الجمهور استقبال (سامية جمال) بعد تقدم سنها، وكذلك (سعاد مكاوي) ليعود الجميع إلى ما كانوا فيه من عدم العمل والتعطل حتى يتصل أحد مسؤولي الإعلانات في جريدة الأهرام، وهو الزميل الراحل (أحمد كامل) وكان مسؤولا عن الملاحق العربية، فاتصل بالفنان عبد العزيز محمود ليغني من كلماته بعض الإعلانات عند بدايات التلفزيون، وقد نجحت هذه الأغنيات نجاحا مدهشا حتى أن الأطفال وكانوا يرددونها ويرددون كلمات مثل:
ست سانية
سايبة المية ترخ من الحنفية
حرام يا ست سنية
وكذلك أول أغنية أخرى تدعو لترويج معجون أسنان كانت تتحدث كلماتها عن معجون أسنان بالفلورين يعلم الأطفال كيف يهتمون بنظافه أسنانهم ولا يحرمهم مما يحبونه من الحلويات، ورغم ذلك تتوقف هذه الإعلانات لأسباب غير مفهومة ويعود عبد العزيز محمود مثقلا بالديون وبلا عمل.
الجديد هنا هو رواه لي الزميل الراحل الفنان (سعيد عبد الغني) وكان على شهرته في السينما والمسرح ما زال محررا صحفيا محبوبا في الأهرام، حكى لي الأستاذ سعيد عبد الغني قائلا وقلبه حزينا على الفنان عبد العزيز محمودحيث قال:
كنت معتادا على المرور على أحد أصدقائي بعد الانتهاء من العمل في الاستوديو أو المسرح، وكان هذا الصديق سوريا يحب مصر وله في منطقه روكسي دارا للسينما باسم (غرناطة)، وكازينو ومطعم بنفس الاسم، وفي تلك الليلة التي كات أزوره فيها تقدم منه أو منه أحد العاملين في كازينو غرناطة ليهمس في أذني ببعض كلمات قال له بعدها صاحب المكان بصوت مرتفع:
وأنا ايش أسويله؟، قل له ما فيش عمل اليوم.. الزباين محدودة.. قل له ربما غدا يمكنه العمل.
ودفعني الفضول – يقول سعيد عبد الغني – إلى سؤاله عن ذلك الذي يتحدث عن صاحب غرناطة فقال مستاءا: يا أخي عبد العزيز المغني.. ثم سالني: تعرفه؟:
قلت: عبد العزيز المنتج صاحب شركه الأفلام والممثل صاحب الأفلام التي نعرفها والألحان الجميله التي غناها أو غنتها له أصوات أكبر المطربين والمطربات؟!
قال: يا أخي سعيد وأنا ايش أسوي في الجمهور! .. منين أنا راح أدفع له؟!، قلت وقد بلغ بي التأثر مداه لما وصل إليه حال فنان كبير مثل عبد العزيز محمود: يا أخي لابد من حل وان كنت أنا شخصيا لا أعرف ما هو حتى عاد الجرسون مرة أخرى لينحني ويهمس في أذن صاحبي مرة أخرى لكن صاحبي يرد عليه يائسا:
يا سيدي مش لازم الليلة.. غدا يمكن.. يفوت ونشوف.
سألته وقد استبد بي الفضول: ماذا قال الجرسون؟، فقال إنه يقول أن عبد العزيز يوافق أن يغني بنصف الأجر!
ولم أستطيع السكوت فنهضت، واستدعيت الشباب والشابات في حديقه الكازينو قائلا لهم: إن الفنان الكبير (عبد العزيز محمود) وكلكم تعرفونه ينتظركم.. في قاعه المطعم لتسمعوا أغانيه فهل ستصعدون معي أم سنتركه هو ينتظر.
ونهض الجميع معي إلى المطعم في الدور العلوي وأظن انني لمحت بعض الدموع في عين الفنان الكبير الذي تهلل وجهه عندما رأنا ندخل عليه المطعم فنهض.. ثم جلس يعزف على العود ويسالني ماذا تريدون أن تسمعوا؟
وغنى عبد العزيز محمود وقد لمعت الدموع في عينيه، ثم توالت أفواج من الشباب على الصالة، وهنا أدركت سعادة عبد العزيز محمود يحيى في تلك، كانت سعادته كبيرة، ولست أظن أن سعادته سببها أنه سيتقادى أجرا كاملا، ولكن لأنه سيغني والناس ستسمعه كما كانت تسمعه من قبل بذات الشغف!.