كتب : أحمد السماحي
رغم رحيل العبقري (بليغ حمدي) منذ ما يقرب من 30 عاما، لكن مازالت روحه ترفرف على دنيا النغم، ويبدو أن ما يحدث الآن في الساحة الغنائية لا يعجبه، فقرر إمددنا بنفحة من نفحاته الروحية والوجدانية التى تجعلنا في حالة إصغاء وانبهار، فهو سهم نافذ في قلب مواطن الشجن العربي استطاع أن يخترق جوهر المشاعر المصرية في سهولة ويسر ليصبح الفاتح الأكبر لصناعة اللحن الشجى على مصراعيه وبأقصى درجات التحرر الكامل من أي قيد يحول بينه وبين التحليق في سماء الفن الذي عشقه منذ أن فتح عينه على الدنيا .
وأمس كشف الزميل الكاتب الصحفي (أيمن الحكيم) عبر صفحته على (الفيس بوك) عن حدث فني هام اعتبره من أهم الأحداث الفنية لعام 2022، وهو اكتشاف أغنية وطنية جديدة لعبقري مصر ونهر الإبداع الذي لا ينضب (بليغ حمدي)، وطلب المهندس (أسامة فهمي) ابن أخت الموسيقار الكبير – الذي أكتشف الأغنية – أن يغني هذه الأغنية مطربنا الكبير (علي الحجار)، حيث يراه الأنسب والأقرب لروح الأغنية.
بمجرد قراءاتي لـ (البوست) الذي كتبه (الحكيم) اتصلت بمطربنا الكبير (علي الحجار)، الذي أعرب لـ (شهريار النجوم) عن سعادته البالغة بالأغنية الوطنية وبمضمونها المتميز وبلحنها المشغول بالشجن، وخلال الفترة القادمة سيبحث لها عن الموزع الموسيقي الذي يبرز جمالها، ويضع لها الإطارالمناسب لها، ويطرحها للجمهور المتعطش لفن الراحل بليغ حمدي.
وصرح الحجار: أن الأغنية طويلة مدتها حوالي 12 دقيقة، ويغنيها (بليغ حمدي) على العود، ولم يكن لها عنوان فقررأن يطلق عليها مؤقتا (يا أرضنا) ويقول مطلعها (يا أرضنا يا أرضنا، ياللي رجعناكي بدمانا، دفعنا فيك التمن من دم شهدانا، يا أرضنا بنعبدك بعد رب العزة جوانا).
بعد انتهاء مكالمتي مع مطربنا الكبير (علي الحجار) صاحب التاريخ الذهبي، رجعت لأرشيفي الغنائي لأبحث عن أصل هذه الأغنية التى أرسلها لي (الحجار)، فاكتشفت أنها كانت من ضمن برنامج كان يقدمه (بليغ حمدي) في إذاعة (صوت العرب) بعنوان (موال في حب مصر)، ولقد تحدث الرائد الإذاعي الكبير (كامل البيطار) عن هذا البرنامج في حوار صحفي مع الزميلة (سها سعيد) في مجلة (الإذاعة والتليفزيون)، فقال: لأول مرة قدم بليغ حمدى برنامجا عن الغناء عبر أثير إذاعة صوت العرب، ففى عام 1978 تم توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وهاجمت الدول العربية بقيادة الرئيس العراقي (صدام حسين) مصر، وهاجم مجموعة من الفلسطينيين السفارة المصرية فى مدريد، فكان لا بد من رد مصرى.
ففكر الرائد الإذاعي (كامل البيطار)، ومعه (سعد زغلول نصار) رئيس صوت العرب في هذه الفترة فى برنامج (موال فى حب مصر)، وكان (البيطار) هو صاحب اسم البرنامج واختار لتقديمه (بليغ حمدى) لأنه عاشق لمصر، واختار أيضا الشعراء (عبدالوهاب محمد، عبدالرحيم منصور، محمد حمزة)، وهم دائما كانوا موجودون فى منزل (بليغ حمدى)، واستمر البرنامج لمدة 6 شهور.
وكانت أغنية (يا أرضنا) من ضمن هذا البرنامج لكنها لم تذاع، حتى كشف عنها (أسامة فهمي) ابن أخت الموسيقار الكبير (بليغ حمدي).
جدير بالذكر أن (بليغ حمدي) هو أول من اقتنع بجمال صوت (علي الحجار) وقدمه من خلال ألبوم غنائي من إنتاج شركته (صوت الحياة) التى أصبحت فيما بعد (موريفون)، وكان الألبوم بعنوان (على قد ما حبينا) وكان يتضمن 4 أغنيات هى (قالت، طاب العنب، على سفر، وعلى قد ما حبينا)، وكان هذا الألبوم هو سبب شهرة (الحجار) في الوسط الفني، بعدها بسنوات لحن له في ألبوم (أعذريني) أغنيتين هما (طب قولنا لما أنت ناوي على السفر، وأحببنا من عشمهم)، وكان آخر أعمالهم، وآخر أعمال موسيقارنا (بليغ حمدي) أغاني الجزء الأول من مسلسل (بوابة الحلواني).
والآن نحن في اشتياق لجديد مطربنا (علي الحجار) مع (بليغ حمدي) لنرتوي من بحر إبداعهما المليئ بالعذوبة والجمال، فـ (بليغ حمدي) كان مثل الشهب شق صدر سماء اللحن المصري والعربي بثقة فأحدث الدهشة وأدرك الذهول عقول المطربين والملحنين على السواء من فرط عبقرية موسيقاه التى تخاطب الروح وتأسر الوجدان فتترى لها المشاعر الدافئة وتتوق لها النفوس المعذبة في دنيا الهوى والغرام، وتهتز لها الأبدان المفتونة بعشق تراب الوطن، وبمفعول السحر تسرى جمله اللحنية في عروق البسطاء نابضة بدماء الحرية فتغلى مثل بركان هادر يدفع نحو حافة خلاص النفوس من الظلم والاستبداد.
ولقد جمع (بليغ حمدي) بين القديم والجديد في عالم موسيقى فريد ومبتكر عشقه منذ نعومة أظفاره فلم يترك بابا يأنس من ورائه شعاعا من فائدة فنية إلا ولجه فبدا لحنه في شكله العام سهلا ممتعا وشجيا بينما جوهره يمتاز بالجذالة التى لاتفقد حداثتها، واعتمد في تكوين خبراته الموسيقية على الموسيقى الشعبية المصرية والفولكلور المصري ولاسيما الفولكلور الصعيدي، كما أهتم أيضا بالفولكلورالشامى، فضلا عن درسته العميقة لعلوم الموسيقى الأوربية بما فيها الهارموني والتوزيع الموسيقي.