بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
لاشك أنني قبل أن التحق بأجهزة الإعلام وأعمل بها كنت مثل غيري من البنات أتطلع إلى النجوم الكبار في مجالي السينما والطرب وأتمني أن أتعرف عليهم عن قرب وأستمع إليهم أو حتي أشاهدهم فقط.
من هؤلاء النجوم التي سطعت في حياتنا الفنيه أحببت أول ما أحببت الفنانة الرائعة (فيروز)، وهي طبعا المطربه اللبنانية التي شدا صوتها في الإذاعة اللبنانية في بداية مرحلة الخمسينيات بعد أن تقدمت إلى الإذاعة وأعجب بها الملحن الكبير (حليم الرومي) الذي كان مسئولا عن البرامج في الإذاعة اللبنانية في ذلك الوقت، وكانت الإذاعة تذيع لها في البداية أغنيات صباحية مناسبة انتقلت إلى كل الاذاعات العربية بعد ذلك، ثم بعد اقترانها بالملحن عاصي الرحباني، أصبحت قريبة من الأخوين (عاصي ومنصور الرحباني) اللذان كانا يؤلفان الأشعار ويقو ما بتلحينها أيضا، وعن طريقهما شاهدنا واستمعنا إلى انطلاقتها الفنية العظيمة وأغنياتها التي عاشت في الوجدان.
كنت في المرحلة الثانوية عندما حدثتني عنها صديقة لبنانية من بيروت هي (مني قنطار)، كنت أعرفها عن طريق المراسلة وكانت تعرف (فيروز) عن قرب من أيام الدراسة، وهي التي جعلتني أتعلق بأغنياتها وأبحث عنها في جميع الاذاعات وأبحث عن شرائطها المسجلة، وبعد مرور السنين والأيام وجدت نفسي وجها لوجه مع (فيروز والإخوين رحباني) في مكان ولقاء جميل، كنت قد أصبحت مذيعة في (البرنامج العام) بالإذاعة وأقدم برامج منوعات تحتشد بالفن و الفنانين، وعندما علمنا بوصول فيروز إلى مصر سارعت بعمل الاتصالات اللازمة للحصول على موعد للتسجيل الإذاعي معها ومع (الأخوين عاصى ومنصور)، وفعلا حصلت علي الموعد الذي حارب من أجله الكاتب الأديب عبد المنعم صبحي الذي كان يعد البرنامج والتقيت بهم في أحد الفنادق علي النيل.
في سهرة إذاعية ممتعة كان اللقاء ناجحا جدا على المستوي الإنساني عندما جلسنا للتسجيل كانت (فيروز) تجلس بجانبي علي الكنبة والأخوان (عاصي ومنصور) يجلسان علي الأرض أمامنا، ويدور ميكروفون البرنامج بين هذه الدائرة الفنية، ونظرا للمناخ الودي الذي صادف الجلسة استطعت أن استمع إلى صوت (فيروز) وهى تتكلم وتجيب على أسئلتي بصدر رحب، أما الأسئلة الفنية فكان يتبادل الرد عليها الأستاذان (عاصى ومنصور)، وكانت معظم الأسئلة هى عن أسلوب العمل في هذه الشراكة الفنية.
ثم أردت أن أضيف شيءا جديدا لهذه السهرة النادرة فتذكرت بدايات (فيروز) الإذاعية وحبي لها في ذلك الحين وتعلقي بأغنياتها، فركزت أسئلتي على أغنيات الصباح التي تفردت بها فيروز وكانت سببا في شهرتها وأدخلها إلى قلوب عشاق فنها، فوجدت في إجاباتهم شىئا مثيرا فقد غنت (فيروز) عشرات الأغاني المناسبة لفترة الصباح (البنت الشلبية، باقطفلك بس يا طير، يا طاير، شايف البحر شو كبير، أنا وشادي، أمي يا ملاكي، حبيتك في الصيف حبيتك في الشتا)، وغير هذه الأسماء من الأغنيات التي عشنا ما لنا نعيش بها وبصوت (فيروز) الملائكة وتلك الألحان العذبه الكلمات الشاعرة للأخوين رحباني اللذين استثمرا زيارتي لهم وتفرغهم للحوار الإذاعي أكثر من ثلاث ساعات، ولن أنسي المجاملة المفاجأة التي فاجأني بها الأستاذ (عاصي الرحباني) بعد انتهاء الحوار وسألني: ألا تريدين أن تغني؟ فصوتك صالح لهذا !
نجاة وسعاد معا في سهرة واحدة من النجوم أيضا الذين سهرت معهم لتسجيل سهرة إذاعية للبرنامج العام بالإذاعة، كان الملحن الكبير كمال الطويل في برنامج (الميكروفون مع)، وقام هو بدوره باستضافة المطربة (نجاة والفنانة سعاد حسني شقيقتها)، كان مكان السهرة والتسجيل هو منزل نجاة في الزمالك كانت سهرة فنية مرحة، تحدث الجميع فيها عن قضايا فنية وغنت نجاة فيها وغنت سعاد حسني أيضا وغادرت منزل نجاة بعد أن أخبرتهم بموعد الإذاعة وأنني سوف أجري المونتاج غدا صباحا في الإذاعة.
في صباح اليوم التالي بينما أنا في ستوديو الإذاعة لأقوم بعمل مونتاج الحلقة التي سجلت مادتها أمس فوجئت بالفنانة (نجاة) تحضر معي في الاستوديو، وكان معروف عنها أنها (موسوسة) وتهتم بعملها اهتماما فوق الوصف وبدقة بالغة، فهى قد حضرت إلى الاستوديو ساعة المونتاج حتي تضمن سلامة كل كلمة قالتها في التسجيل، لكنها لم تكن با لطبع تعرف حساسيتي أنا من ذلك وأنني لم أكن أسمح لأحد أن يحضر معي في الاستوديو فأنا لا أستطيع أن أعمل أو أقرا في وجود أحد غريب معي في ذلك المكان المهم.
وعندما شاهدت وصول الفنانة الكبيرة (نجاة) وأنا من المعجبين بها وأحبها وأحب أغانيها، إلا أنني لم أسعد بوجودها لمتابعة المونتاج كعادتي ومزاجي، فظللت صامتة لا أفعل شيئا، وبعد أن رحبت بها وسألتها أن تشرب شيئا كاستضافة في مكاني الإذاعي أخبرتها أن ماكينة التسجيل والمونتاج بها عطل فني وسوف نبحث عمن يصلحها وهذا سوف يستغرق وقتا طويلا جدا، فشعرت الفنانة الجميلة الرقيقة بأنني متوترة وقلقة وان هناك جوا غير مريح، وأنها لن تستطيع متابعة خطوات المونتاج فانسحبت.. وأكملت أنا عملي وأذيعت أحلى سهرة من سهرات الإذاعة المصرية في ذلك العام.