كتب : محمد حبوشة
بالرغم من الانتقادات الكبيرة التي تعرض لها برنامج (رامز موفي ستار) في موسم ، إلا أنه استطاع أن يضحكنا ولا يضحك علينا كما يظن البعض!، حيث جاءت مشاهدته مليارية عبر منصات التواصل الاجتماعي الرسمية خلال أيام في رمضان، وهى أرقام قياسية لمشاهدات البرنامج في ظاهرة تليفزيونية متجددة ولافتة، فقد واصل البرنامج المثير للجدل حصد الأرقام القياسية عبر نسب المشاهدة الرسمية الموثقة في مصر والعالم العربي خلال الأيام الأولي من شهر رمضان المبارك 2022، وأعترف أنه عندما كنت أتابع برنامج (رامز موفي ستار)، أرى في كل فنان أو فنانة، وبخاصة إذا كانوا مصريون، (عنترا) جديدا، يتسلل هذا الشعور إلى داخلي عندما يلبس فريق العمل الضيف ثوبا غريبا مضحكا إذ لا يختلف حال من يرتديه، عندما يقف قبالة النجم العالمي (فان دام) وهو في كامل أناقته، عن الصورة التي بدا عليها (عنتر) المسكين بجلبابه البلدي وسط الإيطاليين في قلب روما.
لقد أراد رامز جلال، نجم برامج المقالب، أن يضحكنا، فظن البعض أنه أضحك الناس علينا، وذلك عندما أظهر عددا كبيرا من الفنانين والفنانات المصريين بهيئة أقزام بجوار (فان دام) على طريقة عنتر، الفلاح القادم بجلباب ملطخ بوحل الحقل من قرية بصعيد مصر إلى روما، ومن ثم لا أدري من الذي أساء إلينا أكثر من الآخر، هل هو (رامز) الذي استدعى نجما عالميا كبيرا بحجم (فان دام)، أم أولئك الفنانون الذين ظهروا دون المستوى في ردود أفعالهم فأضروا بسمعة أنفسه قبل بلدهم بتلك الصورة؟.
ومن هنا نسأل سؤالا جوهريا: من الذي أساء إلينا أكثر من الآخر: هل هو (رامز) أم أن هؤلا الفنانين الذين قبلوا أن تذاع الحلقات كاملة بعدما حصلوا على البدل المادي، ومن قبلهم بالطبع الجمهور الذي يحرص على متابعة البرنامج بشغف شديد؟.
ربما لا ينسى أحدا العبارات المخجلة والمهينة التي قالها الفنان محمد أنور، أحد نجوم المسرح، عندما فوجئ بأنه يقف قبالة فان دام وجهاً لوجه: (أوطي على رجلك أبوسها.. (أنا مش مصدق إني همثل قدامك.. أنت مش عارف أنا بمثل قدام مين في مصر)، وقد تكون رانيا يوسف هى أيضا واحدة من اللواتي (سقطن) أمام فان دام، إذ أطلق عليها لقب (بطانة ستار) في إشارة إلى إطلالتها المثيرة للجدل في مهرجان القاهرة السينمائي، والتي وصفت حينذاك بإطلالة البطانة، وسخر منها رامز طوال الحلقة قائلا: (كنتي جيتي بالبطانة والحاجة الوحيدة الحشمة اللي لابساها رانيا يوسف هى الجزم، وأيضا عبارة (والنبي صوروني معاه) التي قالتها غادة عادل عندما شاهدت فان دام، إذ سيطرت عليها حالة من الفرح الهستيري فراحت تقفز في الهواء كطفلة صغيرة من فرط السعادة، وكأنها غير قادرة على أن تصدق أنها تقف قبالته، إلى هذا الحد يبدو بعض نجومنا صغارا أمام أنفسهم.
دائما ما يتسأل كثيرون من الجمهور: لماذا تستمر حلقات السخرية من مصر والعديد من رموزها الفنية على برنامج يصور في الرياض ويبث على قناة (إم بي سي مصر) التابعة للسعودية، في ظل صمت رسمي مطبق؟، معللين بأن جزءا كبير من مشكلة الأجيال الجديدة من الممثلين يعود إلى حال من الخواء الفكري والثقافي، بعدما أصبح الفن في نظر فريق منهم مجرد مهنة للإثراء السريع، فكم يبدو الفرق هائلاً بين العبث الذي نشاهده اليوم على يد بعض الفنانين وهم يهبطون بنا إلى أسفل السافلين تحت أقدام نجوم، مثل فان دام، وبين نجوم مثل أحمد زكي وفريد شوقي وفاتن حمامة، الذين كانوا يحلقون بنا بعيدا، ومع ذلك تظل برامج المقالب والكاميرا الخفية من العلامات المميزة لرمضان، إذ اعتاد الجمهور أن يرى نسخا مختلفة بأفكار متجددة منها على مدار سنوات.
ومما لاشك فيه أن (رامز جلال) هو صاحب نصيب الأسد من الاتهامات والبلاغات التي تسعى لوقف برنامجه، بسبب وصف الكثيرين بأنه إهانة الضيوف، واستخدام أساليب بشعة في إرهابهم، وإلقاء بعض الألفاظ المسيئة في بداية الحلقات بشكل كوميدي، حتى أنه تقدم أحد نواب البرلماني المصري، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، والمجلس الأعلى للإعلام، لوقف عرض برنامج لما يمثله من ترسيخ للأفكار السلبية والعنف، خصوصا الشباب والأطفال، وقال النائب في بيانه: (الهدف من الإعلام نشر الفكر المستنير، والبرنامج أفكاره سلبية، من عنف واستمتاع بتعذيب الغير، وهذه ليست رسالة البرامج أو الإعلام عموما، كان من الأجدر أن يناقش العمل أفكارا تفيد المجتمع).
ولم يكن هذا البيان هو الوحيد الذي قدم ضد رامز، إذ طالب مستشفى الصحة النفسية، التابع لوزارة الصحة، النائب العام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بـ (فتح تحقيق عاجل والتدخل الفوري لوقف عرض برنامج رامز، وقال المستشفى، في بيانه: (البرنامج يسيء إلى المجتمع المصري والصحة النفسية، مشيرا إلى أنه شكلت (لجنة من المجلس القومي للصحة النفسية، لدراسة وقف البرنامج، وما يشبهه، التي تؤثر بالسلب في الصحة النفسية للمواطن والمجتمع) وتابع: حال عدم معرفة الضيوف بطبيعة البرنامج قد يتعرضون إلى قلق والتوتر، وكذلك نوبات من الخوف والهلع واضطراب ما بعد الصدمة، لكن في حالة معرفتهم بما يحدث، فهذا أمر خطير، كونه يعمل على تحقيق الربح، وتلك رسالة سلبية لكل أفراد المجتمع، وهي أن الغاية (المكتسبات المالية) تبرر الوسيلة، وهذا بالتأكيد لا يمثل الفن والفنان المصري.
وفي رد من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أكد أنه يناقش مخالفات برامج وإعلانات رمضان، بما في ذلك (رامز جلال)، وقال جمال شوقي، رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس، في تصريحات له: (شددنا من قبل على ضرورة التزام معايير الأعمال الدرامية والإعلانات، والتزام الكود الأخلاقي والمعايير المهنية والآداب العامة، واحترام عقل المشاهد والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع، ولهذا سينظر في كل الشكاوى المقدّمة ضد بعض المواد الإعلامية والفنية)، ومر رمضان بحلوه ومره ولم يحدث أي رد فعل أدى لوقف البرنامج الذي أراه يضحكنا ولا يضحك الناس علينا، بل إنه يصيب متعة قطاع كبير من الجمهور، على عكس الدعاوى القضائية أو آراء الخبراء والمختصين.
ياسادة: هذه صناعة تجلب كثيرا من الأموال والإعلانات، ويقدمها في الغالب نجم، وتعتمد على ضرورة الحصول على إذن الضيف في عرض المادة المصورة أو المقلب، ومعظم هذه البرامج تتهم بأنها تمثيلية، وليست مقالب كما يظن المشاهد، لكن لا ضرر ولا ضرار ما دامت تحقق التسلية، ولا تسبب الأذى إلى أي شخص، وبعض الجمهور يصر على أن هذه البرامج حقيقية، وفي النهاية لا يوجد فرق كبير بالنسبة إلى، لأنها تعتبر صناعة في العالم كله، ومع احترام آراء الجمهور لا يمكن تعطيل هذا البرنامج بعدما حقق نجاحا نجاحا كبيرا كما أنه توجد موافقة من الضيوف، ومن لا يعجبه يمكنه أن لا يتابعه، لكن من الصعب حرمان جمهور رامز من المتابعة، خصوصا أن كل الأمور القانونية سليمة، وبموافقة الضيوف.
وأقول شئنا أم أبينا (رامز جلال) ممثل شاطر ومقدم برامج ناجح جدا، لدرجة أنه أصبح ظاهرة فنية وعلامة مسجلة لبرامج المقالب، وربما هو الأبرز حاليا وأكثر فنان يحبه الناس وينتظرونه في رمضان، وهذا في حد ذاته نجاح كبير جدا لم يسبقه إليه أحد، وبالنسبة إلى (رامز) كممثل أنا سعيد به، لأنه استطاع تحقيق أعلى مشاهدة على يوتيوب وقناة إم بي سي مصر التي تقوم بعرضه، على الرغم من أن البرنامج تعرض لهجوم قاس وانتقادات لاذعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من كثيرين، وتزيد المطالبات لوقف عرضه ومنعه تماما من القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن دون جدوى، ربما لأن المجلس الأعلى للإعلام ليس له ولاية علي وقف برنامج يتم بثه من قناة أجنبية حتى ولو كان بثها من مصر.
ظني أنه بدلا من المطالبة بوقف برنامج (رامز جلال) يأتي أولا من رفض النجوم الظهور فيه، وثانيا مقاطعة الجمهور للقناة، ولا أميل مطلقا لنظرية المؤامرة التي تقول: عندما تمول مثل هذه البرامج من خارج الوطن هذا يضع علامات استفهام حول هذه المأساة السنوية التى هى حاصل جمع أمراض نفسية مزمنة، كوكتيل من التحرش والتنمر وقلة القيمة، والاستهزاء بكل المعانى الإنسانية، وتحويل البشر إلى مسوخ مشوهة فقط لإرضاء ذائقة طائفة من عتاة المتنمرين، يستلقون على أقفيتهم من الضحك على أصوات الصريخ والعويل المفتعل، فضلا عن مفردات قبيحة تضاف إلى صفيحة القمامة فى بير السلم، تفوح منها عفونة قاذورات الفضاء الإلكتروني، فمثل هذه البرامج في الواقع لا تصفع الوجوه بكم من الصفاقة التى تتدثر بدثار الفن – كما يدعي البعض – ولا هى إهانة بشيك مدفوع لصاحبه، وبعلمهم يتواطؤون جميعا لإخراج صورة مصرية قبيحة، تنسف قيمة الابداع المصرى، وتهدم معبده.
كما أظن أيضا أن (رامز جلال) هو أكثر الناس سعادة وفرحا بكل هذا الهجوم عليه، وربما كان بعض ضيوفه يشاطرونه نفس الفرح والسعادة لتلك النسب العالية من المشاهدة التى يحققونها وربما لم يحققوا ربعها فى أعمالهم الدرامية!، ولا أعرف سر حرص هؤلاء الذين يشاهدون حلقات رامز جلال باهتمام وشغف ومتابعة دقيقة ثم ينهالون عليه باللعنات والمطالبة بمنع برنامجه، ولو قرأت وتابعت تعليقات هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعى فسوف تكتشف أنهم يتابعون أدق التفاصيل عن سلوك الضيوف، وماذا قال فلان وكيف تصرفت فلانة، وماذا كان تعليق (رامز جلال) على سلوكهم!، ربما كان سبب مشاهدة بعض هؤلاء للبرنامج إنهم يجدون فرصة ذهبية لمهاجمة رامز والشماتة فى الضيوف والضيفات بعد اكتشاف المقلب – المتفق عليه – ولحظات الفزع والرعب – المتفق عليها أيضا – الكل يهاجم البرنامج ولا أحد يفكر لحظة واحدة في المقاطعة السلبية، رغم الهجوم البرى والبحرى والجوى عليه سواء بالشتائم اللطيفة أو اللعنات السخيفة!.
ولي ملاحظة مهمة جدا وهى: لم ينتبه أحد إلى هذا الكم الرهيب من الإعلانات قبل وأثناء البرنامج إعلانات لا حصر لها، والمعلن لن يذهب بإعلانه إلى برنامج لا يشاهده أحد بل يذهب إلى البرنامج صاحب الضجة والصخب والزيطة والزمبليطة التى يصنعها المشاهد بدون قصد!، نعم حضرتك سبب مباشر لاستمرار رامز كل هذه السنوات فنحن نشاهده ثم نلعنه ونشتمه ونطالب بإيقافه، وهذا معناه ارتفاع نسب المشاهدة إلى حدود كبيرة لن يحققها أى برنامج حتى لو كان الذى يقدمه (طه حسين أو عباس محمود العقاد وزكى نجيب محمود وبنت الشاطئ!)، كما أنه ليس مطلوبا من رامز جلال أن يقدم برنامجا فكريا أو أدبيا يناقش فيه قضية (الأصالة والمعاصرة)، أوالحداثة وما بعد الحداثة وتفكيك النص وأزمة السرد فى الرواية العربية!.
رامز جلال ظاهرة لن تنتهى وتختفى إلا فى حالة واحدة فقط أن تمتنع سيادتك عن مشاهدته فتقل إعلانات البرنامج وتتراجع وتتوقف الشركة المنتجة عن إنتاجه وتمويله وبالتالى لن تعرضه أى قناة، بدلا من الهرى واللت والعجن وشتائمك وسبابك، لذا أدعوك لعدم مشاهدة البرنامج فتريح وتستريح، لكن لو فعلت هذا فكيف ستخرج طاقة الغضب التى بداخلك؟.. هذا هو السؤال عزيزى وعزيزتى القارئة!، واعتقادي أن استخراج طاقة الغضب تلك ربما هى سر نجاح برامج (رامز جلال) التي تقابل بالرفض والاستنكار والمطالبات الدائمة، وكأننا نحرث في بحر من الأوهام، فلنكف إذن عن حديث لايجدي مالم نقوم بمقاطعة سلبية لأعمال لاتعجبنا بدلا من البكاء على اللبن المسكوب في كل موسم رمضاني يفوت.