رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

جواد الشكرجي .. فنان عراقي معجون بتراب الوطن

الفنان هو ذاكرة الشعب

بقلم : محمد حبوشة

المسرح هو المدرسة الأولى لصناعة الممثل القدير، هو المعمل الحقيقي لإعداد جيل من الممثلين المبدعين في وسائط التمثيل المتعددة، فكم من نجوم كبار أمتعونا على شاشات السينما والتلفزيون وكانت بداياتهم من خلال خشبة المسرح، ومؤخرا ظهر عدد كبير من ممثلي المسرح الذين أبدعوا وتألقوا في أدوارهم على شاشات التلفزيون، وتميزوا عمن سواهم من الممثلين الذين لم يتربوا على خشبات المسارح.. ولكن ما السر في تميز هؤلاء؟، وهل صحيح ما يقوله بعض النقاد والمخرجين أن ممثلي المسرح (أوفر) في أدائهم على شاشات التلفزيون؟، أم أنها سمعة قديمة اجتازها ممثلو هذا الجيل والجيل السابق من عملاقة الفن التمثيلي؟

ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع النجم العراقي الكبير (جواد الشكرجي)الذي أثبت عكس هذه النظرية عمليا من خلال عدة أعمال تليفزيونية، مؤكدا أنه على الرغم من أن التمثيل بالمسرح يتطلب طاقة كبيرة للتعبير بكل أدوات الممثل أثناء حضوره في هذه المساحة المفتوحة التي تواجه من خلالها الجمهور بشكل مباشر، فالمسرح لا يحتمل الخطأ والإعادة أما التمثيل أمام الكاميرا فيتطلب تجميع هذه الطاقة الهائلة واستغلالها في حدود الكادر التلفزيوني، ولذلك يجب على ممثل التلفزيون مراعاة حجم اللقطة التي يمثل بداخلها والتعامل معها بشكل صحيح حتى لا يرى مفتعلا أو مبالغا، بل إن التمثيل بالمسرح ساعده كثيرا ليتميز في السينما والتلفزيون، فهو لم يجد صعوبة كبيرة في التعامل مع الكاميرا أو التعامل مع النجوم الكبار الذين قام بالتمثيل أمامهم على الرغم من الرهبة في بادئ الأمر، فالمسرح كان سببا رئيسيا في كسر هذه الرهبة بل ونيل استحسان فرق العمل التي شارك فيها خلال رحلته في عالم الميديا. 

أنا مع مسرح الشعب .. مسرح الحرب

استحضار الحالة وكسر الرهبة

ولقد أصر (جواد الشكرجي) على أن تكون انطلاقته في عالم الميديا من خلال المسرح.. وبالفعل كانت عروضه المسرحية في بداية حياته كان لها فضل كبير في تميزه واختلافه كممثل تلفزيوني، كما أن ثقافته المسرحية أصقلت موهبته لمواجهة الكاميرا بلا رهبة، وقد راعى في تجاربه التلفزيونية والسينمائية أنه  يجب على الممثل إدراك الفرق في التكنيك بين التمثيل للمسرح والتمثيل للتلفزيون حتى يتجنب ما يسمى بالافتعال أو (الأوفر) في الأداء التمثيلي أمام الكاميرا، وأثبت أن ممثل المسرح ليس مفتعلا، وأن هذه (السمعة) القديمة عن ممثلي المسرح انتهت الآن، فأغلب الممثلين المتميزين في السينما والتلفزيون كانت بداياتهم من خلال المسرح، فالتجارب المسرحية تنمي ذكاء الممثل وقدرته على الحفظ واستحضار الحالة وكسر الرهبة وثقل الموهبة والإحساس، وهذا هو سر تميز ممثل المسرح، إن التمثيل هو التمثيل من حيث الموهبه ولا فارق بين التمثيل في المسرح أو أمام الكاميرا سوى وسيلة التعبير، ولكن الممثل الذي سبق له تجارب مسرحية قد يتميز بسبب خبرته وامتلاكه لتكنيك التمثيل وتدريب أدواته. 

رفضت اللجوء إلى لندن أو الهجرة إليها

الممثل هو أساس اللعبة

والمتأمل لمسيرة (جواد الشكرجي) سوف يجد أن تجاربه في المسرح كان لها دور كبير في تخطي ربكة التعامل مع الوسيط التلفزيوني الذي هو بالطبع مختلف عن التجارب المسرحية، فهناك دوما فارق بين ممثل تعلم أن يعمل على دور بالكامل، وبين من يعمل على مجرد جمل حوارية، ممثل تعلم أن يكون مدركا للمسار الدرامي بأكمله، ومع ذلك يدعي أنه يتفاجأ مع كل نقطة تحول، ممثل تعلم أن يتماسك حتى لو أصابه التوتر لأنه في مواجهة جمهور ولا يحق له أن يخذلهم ولا أن (يفصل)، ممثل اعتاد أن يؤدي في صمته كما يؤدي أثناء إلقائه لجمله الحوارية، فالجمهور المسرحي كاشف له طوال وجوده وليس كالكاميرا التي تبرز ما تريد، وبالتالي اعتاد أن تكون لانفعالاته أهمية ويكون مشهده حقيقيا بقدرته على التواصل الانفعالي المدربة.

وبالتأكيد هناك فارق بين من تعلم أن يؤدي عملا كاملا ومعقدا وطويلا في مواجهة جمهور وبين آخر ليست لديه هذه الخبرة، ولكن (الحلو ميكملش) زيادة طاقة ممثل المسرح تحتاج بدورها لتدريبات خاصة لتناسب الكاميرا من وجهة نظر (الشكرجي) ، لأن عالم التلفزيون والسينما يشير بالأساس إلى أن التمثيل في الأساس هو التمثيل المسرحي، وأنه لا يوجد بالمعهد العالي للسنيما قسم خاص بالتمثيل كما هو في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأن مخرجي السنيما والتلفزيون يعتمدون في المقام الأول على الصورة والكاميرا، أما في المسرح فالممثل هو أساس اللعبة، لذا وجب على ممثل المسرح أن يدرب أدواته على التعامل مع هذا الوسيط المختلف (أمام الكاميرا) تدريبا خاصا كما فعل (الشكرجي)،  ليعي الفارق بين تكنيك التمثيل المسرحي والتلفزيوني والسنيمائي وحتى الإذاعة والدوبلاج، وفي النهاية فإن الممثل القادر على استيعاب هذه الفوارق في الوسيط الذي يقدم فنه من خلاله هو الممثل المتمي كما جاء في جل أعماله التفزيونية السينمائية.

وحدت صف المبدعين في المسرح العراقي

ذاكرة الممثل مخزونا ضخما

وهناك حقيقة دامغة تقول: (إن الممثل الذي خاض تجربة المسرح قادر تماما على التمثيل في أي وسيط آخر؛ حيث إن المسرح يبرز كل إمكانيات الممثل ويطورها، فالممثل المتميز في المسرح يتميز في أي وسيط آخر غير أن لكل قاعدة شواذا، فالممثل ذو الوهبة المتميزة يفرض نفسه على الساحة بقوة حتى إن لم يسبق له تجارب على خشبة المسرح، وعادة ما يكون الممثل المسرحي ذا خبرة كبيرة حيث إنه في المسرح تتاح له الفرصة للتلون وأداء الكثير من الشخصيات المختلفة، وهذا يشيد في ذاكرة الممثل مخزونا ضخما من الشخصيات المتنوعة التي يمكن للممثل استدعاؤها أثناء قيامة بالتمثيل أمام الكاميرا، فالمسرح يتطلب أداء حيا، وتكرار ليالي العرض تنمي مهارات الممثل وتمده بخبرات الأداء الهائلة سواء أداء جسدي أو تلون الصوت أو مخارج الألفاظ، وإذا تعاون المخرج السينمائي أو التلفزيوني الجيد مع الممثل المسرحي ستتحقق معادلة أو تركيبة جيدا جدا حيث إن المخرج الجيد يستطيع أن يسيطر على الانفعالات الحية لدى الممثل ويكيفها على قدر اللقطات وممثل المسرح يخدم المخرج بتلونه وتنوع أدائه بحكم اعتياده وتراكم خبراته على خشبة المسرح، والدليل أنه إذا بحثنا عن تاريخ أي ممثل تميز بشكل واضح في السباق الرمضاني التلفزيوني، فستجد أنه غالبا كان له تجارب مسرحية سابقة في تاريخه الفني.

ولأن المسرح هو أساس تكوين الممثل وفيه يكتسب أدواته ويمسك بتقنياته لأن الموهبة لا تكفي وحدها، خاصة في ظل عدم وجود مفهوم إدارة الممثل وإن كان البعض يستهين بهذا الجانب، فقد ضرب (جواد الشكرجي) مثلا في رمضان 2022 من خلال مسلسله ( وطن)، الذي يعد دوره فيه مفصلا مهما في الصراع الدائر مع شخصية الفنان (جلال كامل) الإيجابية، تلك الشخصية التي تكتنز الكثير من الأحداث والملابسات، كونها عنصرا أساسيا في مسلسل تلامس قصته الواقع المعاش رغم ضرورة التخيل الدرامي، ومن قبله برع (الشكرجي) في مسلسلي (عمر وخبير) وغيرهما من أعمال درامية تضعه في مصاف النجوم الكبار في عالمنا العربي)، أولئك الذين يملكون القدرة على التجسيد الحي، فالدراما والمسرح كلمات مرتبطة بالفنون الأدائية والتي لها معنى مشابه للعديد من الناس، والدراما لديها أشكال عديدة يجب أن تفسر على أنها عملية أداء وتجسيد على خشبة المسرح أمام الجمهور أحيانا لتكون حلقة من الحياة، أو يمكن أن تكون خيالا مليئا بالعواطف والصراعات، التي تتطلب مساحة ليتسنى للأفراد الذين يلعبون الشخصيات عليها الحركة والاستمرارية داخل الفضاء.

لا أخشى من الممثل الذي يقف أمامي مهما كانت شهرته ونجوميته

يستخدم أسلوب المحاكاة

ترتبط الدراما عند (جواد الشكرجي) بالأداء (التمثيل)، والذي هو نشاط يتم فيه سرد القصة عن طريق تفعيلها من قبل ممثل أو ممثلة تتبنى الشخصية في المسرح أو التلفزيون، أو أي وسيط آخر يستخدم أسلوب المحاكاة، وتتضمن فلسفة الأداء في التمثيل المعاصر مجموعة واسعة من المهارات، منها الخيال المغاير والملامس للعاطفة والتعبير الجسدي والإسقاط الصوتي ووضوح الكلام والقدرة على تفسير الشكل الدرامي، وذلك يتطلب القدرة على استخدام اللهجات واللكنات والارتجال والمراقبة والتمثيل الصامت والاستمرارية في الأداء المسرحي والدرامي كما في حالة (الشكرجي)، وعند مشاهدتنا الدراما العراقية وما قدمته في الآونة الأخيرة، كان هناك تركيز على أداء الممثلين وعبر العديد من الوجوه والأشكال الجديدة لفلسفة الأداء الجمالية، والتي نتجت عن شكل نص أو نثر أو فكرة قصة مليئة بالمشاعر والنزاعات الإنسانية، ليصبح المسرح جهة فاعلة على تنفيذ أدوار الشخصيات عبر انزياح العديد من الممثلين الى الحركة المسرحية أمام الكاميرا.

ومن هنا فقد خلق (الشكرجي) دراما قد تكون مجردة وذاتية، الأمر الذي يتعلق باستخدام الأفعال الملازمة للممثل وأبعاده الشكلية بعيداً عن مضمون الشخصية، وهذا يؤكد على أن هناك اختلافا، ما بين الأداء في المسرح والدراما التلفزيونية، والذي اكتشفت عن طريق نظريات مثيرة حول بنية ومعنى فن الأداء فيهما، فكل المهتمين بالفن يلجؤون إلى الدراما كشكل للاتصال، إذ يرون أن الشكل الدرامي هو أفضل من أية وسيلة أخرى للاتصال بالإنسان، إذ يؤكد (ايريك بنتلي): إن أشكال الدراما لها علاقة ترتبط بالمواقف القصوى التي يجسدها الممثل، والذي يجد نفسه أحيانا أنه تورط ليقوم ببعض الأفكار والسلوكيات بأداء مسرحي وحركة مغايرة، وهذا ينزاح بنا الى أن المسرح يؤثر في حركة وأداء الممثل في الدراما التلفزيونية وعلى الفعل الدرامي، وفي جوهر تشريح الدراما لـ (مارتن اسلن)، ضمن فصل الوهم والواقع، يقول: (الدراما أو المسرح عمل إيمائي تقليدي للعالم الواقعي باللعب وبالادعاء، والدراما التي نراها في المسرح وعلى شاشة التلفزيون هى وهمية الصنع، ومع ذلك، تعد مقارنتها بالفنون الأخرى المنتجة للوهم، انعكاسا لنص درامي يمثل عنصر الواقع).

جواد الشكرجي شابا

موهبة التمثيل في الابتدائي

ولد (جواد الشكرجي) في بغداد، وتخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد، وكانت بدايتيه في مرحلة الابتدائية عندما كان يقدم كل خميس نشاطا فنيا خلال الأنشطة الفنية، ومن هناك بدأت موهبة التمثيل وقرر أن ينتمي لفرقة مسرحية، وكانت أول فرقة مسرحية انضم لها فرقة (مسرح الصداقة السوفيتية العراقية) والتي كان مقرها المركز الثقافي السوفيتي في شارع أبو النواس في بغداد، وله الكثير من الأعمال الفنية داخل وخارج العراق، وكان أول أعماله الفنية مسرحية (الغضب) من إخراج أديب القليجي، ومن ثم شارك أعمالا فنية كثيرة منها مسرحية (ألف رحلة ورحلة) ومسرجية (لو)، وهو نص مأخوذ عن مسرحية (الألم) لـ (تيثمنوف)، ومن إعداد الفنانة والكاتبة عواطف نعيم والتي فاز بها كأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبى عام 1989، وكذلك مسرحية (حكايات العطش والأرض والإنسان)، أما في السينما العراقية فقد شارك في (العاشق) من تأليف عبد الخالق الركابي، و(الأيام الطويلة) من تأليف (عبد الأمير معلة)، وهو الفيلم الذي يروي جزءا من حياة صدام حسين إبان مطلع الستينيات، وقد اسندت له شخصية (عبدالخالق السامرائي) المسؤول الحزبي لصدام حسين.

ذئاب الليل
ذاكرة الجسد

شارك (جواد الشكرجي) في عدة مسلسلات تلفزيونية ومن أهمها : (باكو بغداد – 2019، خيبر – 2013، عمر – 2012، رايات الحق – 2010، السيدة – 2010، إخوان مريم – 2010 – ذاكرة الجسد – 2010، هدوء نسبي – 2009، إعلان حالة حب – 2009، صدق وعده – 2009، حب في الهايد بارك – 2008، أبو حقي – 2008، عنترة – 2007، أسد الجزيرة – 2006، سارة خاتون – 2006، الحجاج – 2003، عمر الخيام – 2002، ذئاب الليل ج1 – 1990، الأماني الضالة – 1989، سنان – رسوم متحركة 1975،  وعلى متستوى السينما قدم أعمال مهمة ومنها (الأيام الطويلة – 1980، العاشق – 1985، الحب كان السبب – 1986، حب في بغداد – 1987، مكان في الغد – 1991، طعم الليمون – 2011، يوم الحشر- 2013 إنتاج إيراني.

وفي مسيرة (جواد الشكرجي) روائع درامية تظل محفورة في الذاكرة العربية وأمها على الإطلاق مسلسل (عمر) فقد لفت الفنان العراقي (جواد الشكرجي) الأنظار إليه وهو يؤدي شخصية مهمة في هذا المسلسل الضخم بشكل مبهر، وهو ما يؤكد أن الممثل العراقي قادر على أن يكون مميزا ولافتا إذا توفرت له الفرصة والإمكانيات، بدليل أن هناك من أحب (أبو جهل) في المسلسل، بسبب القدرة التعبيرية العالية للفنان الشكرجي.

باكو – بغداد
خيبر

حضوره الطاغي في (عمر)

هذا وعبر العديد من العراقيين عن إعجابهم بالأداء الذي ظهر عليه الممثل العراقي جواد الشكرجي في مسلسل (عمر) مع المخرج حاتم علي، وقد جسد شخصية (أبو جهل)، وكان أداءه لافتا فتميز وسط الحشد الكبير من الفنانين العرب بحضوره الطاغي الذي يؤكد أن الممثل العراقي لديه الإمكانية على أن يكون نجما في سماء الفن العربي ويتعداه إلى الفن العالمي، فيما أثنى آخرون على المخرج حاتم على الذي استطاع أن يوظف ويستغل إمكانية الممثل جواد الشكرجي، ليخرج بشخصية لعبت دورا مهما وجذبت الإنتباه في المسلسل، وفي الوقت نفسه توجهوا باللوم للمخرج العراقي فهو متهم بأنه لا يعرف كيف يوظف فنان مثل (الشكرجي) الذي يحمل بين جوانحه قدرات هائلة على التجسيد الاحترافي الذي يمكن أن يضعه في مصاف النجوم الكبار.

عمر

أشهر أقوال جواد الشكرجي :

** أنا مع مسرح الشعب .. مسرح الحرب .. مسرح الناس البسطاء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وطنهم .. الأشخاص المجهولين الذين استشهدوا ولا يعرفهم أحد .. هذه ذاكرة شعب وعلى الفنان أن يحافظ عليها بأي طريق ومهما كانت التضحيات لأن الفنان هو ذاكرة الشعب.

** الجيش العراقي تاج الشعب العراقي ومصدر فخره وقوته .. لقد حاولوا الإجهاز على منبع البطولة العراقية .. وإخصاء الرجولة العراقية ..الآن البطولة العراقية تمسخ .. صدقني .. يوم الاحتلال رهيب ولكن يوم حل الجيش العراقي أشد رهبة وفجيعة .. أنا قبل كل شيء جندي عراقي ..حتى كفنان أنا جندي عراقي.

** كنت في الزنزانة لا أرى سوى الجدران المصبوغة بالأصفر .. وكنت أتوسل بالله أن لا يأتي في بالي أو في مخيلتي ابني (حيدر) لكي لا أضعف .. كنت أخاطب أحبائي .. أخاطب أطيافهم وأرجوهم أن لا يحضروا الآن .. أن لا يأتوا إلى ذاكرتي ومخيلتي .. كي لا أضعف .. كي لا أنهار.

** كنت في يوم من الأيام منتميا للعمل الحزبي لعدة سنوات ثم تركت العمل الحزبي ولم أنتم لأي حزب آخر لأنني أدركت بشكل لا رجعة عنه أن الفن أعظم من السياسة، وأن الفنان أعظم من السياسي وأن السياسة تلوث .. السياسة عذبت الناس وحطمت الأبرياء وأكلت أعمارهم ..والأهم أنها مزقت وطننا.

** المهانة للفنان العراقي مستمرة ومقصودة والسبب أن الحكومات لا تعتبر الفنان عنصرا مهما في المجتمع.

** رفضت اللجوء إلى لندن أو الهجرة إليها رغم انتهاء الإجراءات الأصولية المطلوبة، لأنني شعرت بأنني لن أستطيع استنشاق عطر تراب بغداد المحروسة بالله .. عطر مضمخ بدماء أهلي وعذاباتهم.

** البصمة الأولى هى في فيلم (الأيام الطويلة) للمخرج العربي الكبير توفيق صالح، أما البصمة الثانية وكانت الأهم هي في فيلم (العاشق) عن رواية عبد الخالق الركابي وإخراج محمد منير فنري، والثالثة في فيلم (المنفذون) للمخرج عبد الهادي الراوي.

** كنت محملا بالعديد من الخطط لتوحيد صف المبدعين في المسرح العراقي، وحققت بعض ما سعيت له، من إعادة المسرحيات الجادة إلى مخاطبة الجمهور، لكني عالجت الوضع بطريقة جادة وحماسية، وأعتقد أن هذا الظرف لا يحتمل الحماسة، ويتطلب المراوغة التي لا أجيدها.

** لا أخشى من الممثل الذي يقف أمامي مهما كانت شهرته ونجوميته، بل أخاف من الشخصية التي أجسدها، فأنا فـ (أبو جهل) مثلا هو الذي كان يقلقني ويخيفني وليس الممثل الآخر، فعندنا دخلت في أعماقه وجدت أن شخصيته هي التي كانت المتسيدة والسائدة.

الجيش العراقي تاج الشعب ومصدر فخره وقوته

تحية تقدير واحترام

تحية تقدير واحترام للفنان القدير والكبير (جواد الشكرجي) الذي واجه معاناة كبيرة خلال تواجده خارج العراق، وتذوق مرارة الاغتراب في بلاد المنافي، وعدم مقدرته على طلب اللجوء إلى تلك البلدان، فلا تغادر ذاكرته شارع (أبو النواس) الشهير على ضفاف نهر دجلة في العاصمة العراقية (بغداد) بعد أن هاجر لسنوات طويلة، ليتذكر دوما شارع الشعراء والفنانين والسمك المسكوف ومقصد العائلات العراقية وزبائنه العرب والأجانب الذين غادروا الشارع منذ حرب أميركا ضد العراق، ويظل مشهودا لهذا الفنان العملاق أنه اعتاد أن يحلم بأشياء استثنائية منذ أن جافى مهنة والده (الحلواني) واختار التمثيل.. فقد أعاد (مسرح الرشيد) إلى الحياة بعد توقفه لمدة ثلاث سنوات، وأوقف بعض الاعمال الاستهلاكية، ومع ذلك فهو يبوح دائما بأنه يعيش قلقا يوميا منذ أن خلقه الله إلى يومه هذا – على حد قوله – حيث يقول مثلما يقول المتنبي : (على قلق كأن الريح تحتي، أوجهها جنوبا أو شمالا، هذا القلق الذي يفترض أن يكون في ذات الكاتب والشاعر والتشكيلي بل حتى في ذات الإنسان، هو القلق المشروع، والخوف المشروع، وهو الذي نعمل عليه دائما، لذلك أنا لا أقلق ولا أخاف من ممثل عربي مهما كانت قامته.

ونتركه (الشكرجي) وهو يردد قوله المأثور:

بالأمس حين مررت بالمقهى

سمعتك يا عراق

وكنت دورة أسطوانة

هى دورة الأفلاك في عمري

تكوّر لي زمانه

في لحظتين من الأمان

و إن تكن فقدت مكانه

هي وجه أمي في الظلام

وصوتها

يتزلقان مع الرؤى حتى أنام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.