حنان مطاوع .. سحر التمثيل متعدد الـ (وجوه) !
بقلم : محمد حبوشة
(كل خطوة في حياتنا لابد أن تكون أعلى من الخطوة الأولى، وسنة الحياة التطور لأننا نكبر وشكلنا بيكبر)، هذا هو المنطق الذي تعمل به النجمة التي تشع بهجة وبريقا آخاذا هذه الأيام (حنان مطاوع)، حيث يتردد اسمها كثيرا في الأوقات الأخيرة، إذ شاركت بأدوار متباينة في بطولتها لمسلسل (وجوه) الرمضاني المكون من جزئين كل واحد منها 15 حلقة فقط، وربما سمعت (حنان) جملا من جانب الجمهور والنقاد تعبر عن الدهشة والمفاجأة بسبب إتقانها لأدوارها ومن تطور أدائها التمثيلي، لكن الحقيقة أنها لم تفاجئني مطلقا، وذلك لأن مفاجأتي من أداء (حنان مطاوع) انتهت منذ فترة طويلة، إذ استطاعت أن تثبت نفسها ممثلة قوية ومحترفة منذ فترة طويلة، ولعل المؤمنين بالأرواح العابرة للزمن يدركون أنها قادمة من عصور قديمة، ربما عاشت حياة سابقة في جسد ملكة فرعونية، ما جعلها تحتفظ بوجهها المنحوت تطل بجاذبيته علينا في أعمالها، لتدخل قلوبنا بهدوء وانسيابية، وتستقر في الوجدان بلا مشقة، فاخترقت قلوب الجماهير ببساطتها.
ورثت جينات الفن من والدها الفنان الكبير الراحل (كرم مطاوع) وأمها القديرة (سهير المرشدي)، ومن ثم ينطبق عليها المثل الشعبى (ابن الوز عوام)، خاصة أنها أثبتت جدارتها في فن التمثيل، حتى يمكننا القول: (إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها)، مايؤكد أن الجينات تلعب دورا مهما في تشكيل وعي الأبناء، وبحسب الدراسات ثبت أن القدوة – كما تتخذ حنان مطاوع ذلك من والديها – لا تقل تأثيرا فى تشكيل الأبناء، باعتبارها أداة هامة فى التربية الإيجابية، ويبقى تأثيرها سلبى أو إيجابى حسب استخدامنا لها، وأظن أن تأثيرها إيجابي للغاية في حالة الفنانة المعجونة بالموهوبة (حنان مطاوع).
تتمتع النجمة (حنان مطاوع) برؤية ثاقبة ووعى تام بمسئولية الفن، وتختار أدوارها بعناية خاصة جدا، لذا تقول أن الفن الدرامي بنظرها ليس مجرد حكاية نرويها فحسب، بل هو متعة مشاهدة، وترفيه نترقبه ونتابعه بشوق، إلى جانب القيمة الدرامية التي تطرحها الحكاية نفسها – هنا تشير إلى أدوارها المختلفة الذي تمثل فاكهة بمذاق مختلف أو طيفا هادرا في أي دور تقوم بها، فهى فنانة متمكنة صنعت لنفسها مكانة خاصة على الساحة الفنية، استطاعت بأداء سهل وبسيط الوصول إلى قمة الهرم التمثيلي، فتجسد جميع الأدوار بحرفية كبيرة ومن خلال هذا الأداء الرائع تجعل المشاهد يتعايش معها وكأن هذا العمل حقيقي وليس مجرد تمثيل، وفضلا عن هذا فهى تمتلك صوتا إذاعيا مثاليا يجسد المعاني التي تنطقها، ما يحول أذن المشاهد إلى عين، وتمتلك حنان طاقة مسرحية كبيرة تمنحها قدرة نوعية على الاقتراب من المشاهد وكأنها تؤدي دورها أمامه على الخشبة، علاوة على إحساس صادق وكأنها تجسد شخصيتها الحقيقية في قصة حبها الأولى.
حنان مطاوع، ليست ممثلة عادية بل تبذل قصارى جهدها وتتلون بأداء متمكن بعيد عن التكلف (الأفورة) حتى تقدم أفضل ما لديها وتخطف الأنظار في كل ما تقدمه بأداء جبار، وذلك بعدما أصبحت لديها القدرة على لإبداع فيما تقدمه في الدور والمزج بين الكلمات واندماجها مع لغة الجسد والتمثيل بالعينين وكذلك طبقة الصوت التي تتحدث بها وفي كل عمل تقدمه يؤكد الجمهور أنه الأفضل وأنها تستحق لقب (غول تمثيل)، حتى أنه من الصعب جدا أن يتفق الجميع علي موهبة شخص ما، ولكن مع (حنة) كما يلقبها القريبون منها أو النجمة (حنان مطاوع) يبدو الأمر معروفا فهي ذات الأوجه المتعددة ممثلة الأدوار المركبة الصعبة التي امتلكت مقومات ومبادئ وأصول (المهنة) كونها تربت على أيدي العملاقين كرم مطاوع وسهير المرشدي.
لم تسمح حنان مطاوع لنجاحها في الأعمال التي قامت ببطولتها في الفترة الأخيرة أن تفسد عليها بكارة الأداء، ولم يتم ضبط حنان يوما بتقليد سهير المرشدي فتصبح نسخة مكررة من والدتها، ولم تظل مجرد تلميذة في مدرسة كرم مطاوع بوصفه والدها، إنها ممثلة تنتمي إلى ذاتها، وموهبتها، موهبة فنية كبيرة، دائما ما تقدم أعمالا مميزة ومختلفة تكشف من خلالها حجم موهبتها الاستثنائية، والتي مكنتها من إثبات قدراتها خلال فترة زمنية قصيرة، حتى احتلت مقعدها الذي تستحقه بين نجمات الصف الأول، ورغم أنه ومع كل ما تتمتع به من قدرات استثنائية في التمثيل، فإن المخرجين يصرون على سجنها في دور البنت الطيبة قليلة البخت، الفتاة التي تقوم بجميع واجباتها ولا تحصل إلا على القليل من الحظ.
تستطيع حنان مطاوع أن تجسد دور الفتاة المتمردة، والمرأة الشريرة، والهانم، وبإمكانها أن تدخل عالم (الأكشن) من أوسع أبوابه، وتسحرنا في أدوار الإغراء (مع أنها ترفضها رفضا قاطعا)، إنها فقط ممثلة موهوبة ماتزال في حاجة إلى من يكتشفها، نظرا لما يتميز حضورها دائما بالخفة والبساطة، فهي فنانة موهوبة بحق، وهى تظهِر هذه الموهبة بقدر كبير من السلاسة والهدوء، فلا تشعر أنها تمثل، بل تشعر أنك تشاهد شخصية حقيقية أمامك، هذا هو ما جعلنا نصف أسلوب حنان مطاوع بالأداء السهل الممتنع، فهو بسيط ومعقد في نفس الوقت، تركيبة مختلفة، ولكنها وحدها هى من تمتلك سر هذه التركيبة.
ولدت الممثلة حنان مطاوع في القاهرة، وهى الابنة الوحيدة للفنان كرم مطاوع والفنانة سهير المرشدي، ودرست في المعهد العالي للفنون المسرحية، كانت بداياتها في عالم التمثيل في عام 2001، حين قدمت دورا بسيطا في مسلسل (حديث الصباح والمساء) ثم تنوعت الأعمال الفنية التي قدمتها خلال مسيرتها بين السينما والتلفزيون والمسرح وحتى الإذاعة، ولم تعتمد (حنان) على اسم أبيها أو أمها فقد اقتحمت عالم التمثيل بثقة في موهبتها وقدراتها الخاصة، ففي عام 2002 شاركت في فيلم (الصباح التالي)، وفي مسلسل (رصاصة العقل)، وشاركت أيضا في مسلسلات (أميرة في عابدين، انظر من حولك وابتسم، والامبراطور)، وفي العام 2003 شاركت في فيلم (أوعى وشك)، وهو فيلم كوميدي للمخرج سعيد حامد، وشاركت في مسلسلات (رجل الأقدار، شمس يوم جديد، وتعالى نحلم ببكره).
في عام 2004 شاركت في مجموعة المسلسلات مثل: (محمود المصري، بنت من شبرا، قلبك يناديك)، أما عام 2005 فشاركت في المسلسلات (الحب موتا، أرض الرجال، الست أصيلة، وسارة)، وبدأ نجم (حنان مطاوع يلمع أكثر في عام 2006، حين شاركت في عدة مسلسلات وهى: (أولاد الشوارع، لا أحد ينام في الأسكندرية، هو جرى إيه، أشباح المدينة، دعوة فرح)، و في عام 2007 شاركت في فيلم (قص ولصق) وشاركت في مسلسل (قيود من نار)، وتوالت مشاركاتها في السينما والدراما التليفزيونية، ففي عام 2008 شاركت في فيلم (الغابة)، ومسلسل (الهاي سكول)، ثم في عام 2009 شاركت في فيلم (صياد اليمام) وفي عدة مسلسلات وهى: (أحلام نبيلة، وكالة عطية، ليالي، وآخر أيام الحب).
في عام 2010 كانت وصلت إلى مرحلة النضج حيث شاركت في فيلمين وهما (الجنس اللطيف، وهليوبوليس)، وشاركت في المسلسلات (أغلى من حياتي، لحظات حرجة، أزمة سكر)، وفي عام 2011 شاركت في فيلم (نقطة دم) وفي مسلسل (قصص الحيوان في القرآن)، وفي عام 2012 شاركت في فيلم (حفلة منتصف الليل) وفيلم (بعد الطوفان)، وشاركت في الجزء الثالث من مسلسل (لحظات حرجة)،ثم في عام 2013 قدمت عدة أفلام، وهى: (القشاش، الجبروت، قبل الربيع)، وشاركت في مسلسل (البيت).
وكان لحنان مطاوع إنطلاقة قوية وجديدة بمشاركتها عام 2014 في مسلسل (دهشة) مع الفنان القدير (يحيى الفخراني)، وفي عام 2015 شاركت في مسلسلات (سندباد، حب لا يموت، خليل الله)، وعاودت مشاركة الفخراني في عام 2016 في (ونوس)، فضلا عن مشاركتها في مشلسل (جراب حواء)، وقدمت في عام 2017 أدورا مختلفة ومتميزة للغاية تنم عن نضج موهبتها في المسلسلات (هذا المساء، حلاوة الدنيا، طاقة نور، نصيبي وقسمتي2، ثم في عام 2018 شاركت في مسلسلات (طلعت روحي، ضد مجهول، الرحلة) وفي عام 2919 قدمت مسلسل واحد فقط هو (لمس أكتاف)، أما في عام 2020 الذي يمثل لها أكبر إنطلاقة نحو النجومية حيث قامت ببطولة مسلسل (بنت القبائل) كبطولة مطلقة.
إما أن تكون موهوبا أو لا، فالموهبة لا تكتسب، وحنان مطاوع خير مثال على ذلك، فهي صاحبة موهبة فريدة من نوعها، تطل علينا حنان مطاوع في الأعوام الأخيرة بأعمال تؤكد لنا أننا أمام نجمة حقيقية، نجمة لم تكشف كل أوراقها بعد، فهي ما زلت تخفي الكثير من الموهبة والشغف للفن في جعبتها، وموهبتها لا تظهر فقط داخل العمل الفني، ولكنها تظهر من خلال اختيارات الفنان لأعمالها، فنستطيع مراقبة تدرج نضوج موهبتها من خلال تسلسل اختياراتها لأعمالها، فقد شاهدناها في دور (نرمين) في مسلسل (ونوس) تلعب الشخصية بإتقان شديد وأبهرت الجميع، وكذلك في دور (عبلة) في مسلسل (هذا المساء)، حيث خطفت أنظار الجميع.
ونستطيع جميعا أن نرى تطور أداء (حنان مطاوع) كما نراها في دور (سارة) في مسلسل (حلاوة الدنيا)، ثم في شخصية منال في (القاهرة كابول) العام الماضي، حيث تظهر حنان مطاوع هنا بدور فتاة مصرية بسيطة، وتظهر بساطتها من خلال طريقة كلامها وملبسها، وأيضا دورها المبهر في تجسيد شخصية (عايدة الحناوي) في مسلسل (لمس أكتاف)، تاجرة الموبيليا التي تبيع المخدرات في السر، وتحب فتحي عبد الوهاب الذي لا يبادلها نفس الحب ، ورغم أنها شخصية محبة لفعل الخير وتساعد الآخرين فإنها لا تتوانى عن عقابهم إن تجاوزوا حدودهم معها.
ومن جديد تثبت حنان مطاوع أنها تصقل موهبتها بمرور الوقت، وأنها تستطيع لعب شخصيات مركبة مختلفة بعضها عن بعض، وفي كل مرة ستبهرنا بمدى بساطة أدائها لشخصيات معقدة تحمل الكثير من الجوانب المختلفة، تماما كما لعبت شخصيتين مختلفتين تماما بمنتهى البساطة من خلال مسلسل (وجوه)، مكون من حكايتين مختلفتين، الأولى بعنوان (وش تالت)، والثانية باسم (ميتافيرس)، ومن الحلقة الأولى إلى الأخيرة استطاعت أن تربط المشاهد بها فهي جاذبة عيونها تنطق قبل لسانها تمثل بكل جزء بوجهها، وتجد جميع المشاعر تؤديها ببراعة في المشهد الواحد فهى تجعلك تبكي معها وتبتسم معها وتعيش معها في أعماق الشخصية.. باختصار تخطفك إلى عالمها بمنتهى السلاسة، لأنها ببساطة لا تبالغ في نبره صوتها ولا تصرخ بصوت عالي ولا تفتعل تعبيرات وجه زائدة وتحترم المشاهد.
وهذه ربما كانت أهم صفة تميز أداءها الراقي الذي يمنعها أن تظهر في مشهد يخدش حياء المشاهد أو تنطق بلفظ مس يجرح أذنك، لتبقى حنان مطاوع صاحبة البصمات المعروفة لدى الجميع ولا يختلف أحد على موهبتها، فهي صاحبة الموهبة الطاغية وهي التي اعتبرها أحد أساطير الفن الحقيقيين، ليس مبالغة ولكنها الحقيقة التي يجب أن تقال عن فنانة الألف وجه، المتمكنة من جميع أدواتها، فهى كفيلة أن تبهر الجميع بأول طلة لها على الشاشة خاطفة للأنظار مقنعة بشكل كبير ومرعب، صادقة في كل دور، مخلصة لكل عمل تقدمه، لتصبح في النهاية الفنانة القدوة الحقيقية التي أخذت قلوبنا جميعا.