بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
كنا في البرنامج الإذاعي الموجه للمرأة والأسرة (إلي ربات البيوت) نستعين بالدراما والتمثيليات القصيرة لكي نوصل بعض المعلومات والقيم الاجتماعية السليمة إلى المرأة وخصوصا أن نسبة الأمية بين النساء كانت عالية جدا، فكان علينا كمسئولين عن مخاطبتها أن نجد الوسائل التي تتيح لنا الفرصة في توصيل رسالة البرنامج وتنمية معارف ومدارك المرأة حتي لو كانت غير متعلمة، هذا إلى جانب التوعية بضرورة التعلم وزيارة مراكز محو الأمية لتحريض النساء علي التعلم ومعرفة القراءة والكتابة ولهذا السبب ولأسباب أخري تتعلق ببناء الإنسان المصري ورفع كفاءة المراة.
لجأنا إلى التمثيليات الدرامية إلى جانب الأحاديث المباشرة واللقاءات الحية مع الشخصيات الاجتماعية المناسبة التي تقدم النصح والإرشا ، ومن أجل تقديم الدراما الإذاعية فتحنا مجالا كبيرا لمؤلفي الدراما والتمثيليات وللمخرجين وأيضا للممثلين والممثلات وبعد تطور تلك التمثيليات، ووصول الهدف من وراءها إلى المستمعات أصبح لدينا كوكبة من الممثلين والممثلات يعملون بشكل خاص في برامج المرأة، وكنا نرحب بكل ممثلة نظرا لظرف ما تحب أن تنتمي فقط إلى برامجنا وتعمل معنا.
وفي أحد الأيام استدعتني رئيستى وكان معها سيدة متقدمة في العمر لكن تحتفظ بمسحة من جمال غابروقدمتها لي باسم (مدام زوزو) وطلبت مني بصفتي مسئولة في إدارة المرأة وإعداد وتقديم برنامج (إلى ربات البيوت) أن أشرك هذه السيدة (زوزو) في التمثيليات التي نقدمها وأن أسند لها دورا في إحداها، فاتفقت مع (زوزو) هذه على أن تأتي إلى في يوم معين لتسلم النصوص والتسجيل في الاستوديو، وظللت أحاول تذكر هذا الوجه الذي عرفته أو شاهدته من قبل علي شاشات السينما والتلفزيون فتذكرت وجه (زوزو محمد) الضاحك البشوش وهي ترقص وتغني مع مجموعة من الفتيات الأجنبيات الجميلات خلف الفنانو (ليلي مراد) وهي تغني أغانيها المرحة المشهورة في أفلامها، وتردد الفتيات وراءها بعض المقاطع وهي تتراقص مع نغمات الموسيقى.
تذكرتها جيدا إذ كان وجهها أليف جدا لدي المشاهد وأيضا لأن هذه الأفلام تتكرر كثيرا لدرجة أننا حفظنا حواراتها كما نحفظ الأناشيد والأغاني، إذن هى (زوزو محمد) الكومبارس في الأفلام الغنائية منذ سنوات طويلة مضت، وهاهي الان أصبحت سيدة مسنة متقاعدة بلا موهبة تبحث عن عمل فلجأت لبعض معارفها ليقدموها إلى الإذاعة بصفتها فنانه معتزلة، وعندما جاءتني (زوزو) في الموعد المحدد سلمتها نصا في إحدى التمثيليات وأعطيتها دورا لا يخرج عن كونه مجرد حديث بين سيدة وجارتها مما يحدث كل يوم في البيوت بين الجيران، فقراته ثم انتقلنا إلى الاستوديو للتسجيل.
وهنا كانت المشكلة فهي وجدت صعوبة في قراءة دورها المرسوم وتلعثمت كثيرا، وكنت أطالبها بالإعادة مرة ومرتين وثلاث لمجرد ترديد تحية صباحية إلى جارتها، وبعد عناء استطاعت أن تنطق بتلك الكلمات التى لا تزيد عن تحية الجارة وتوجيه سؤال عن أحوال أسرتها، وكنا بعد التسجيل نصرف أجرا زهيدا للممثلين بعد أداء أدوارهم، وصرفت لها الميزانية وتسلمت أجرها وانصرفت (زوزو) بعد أن تركت انطباعا سيئا لدى ولدى المشاركين معها، أما أنا فقد صممت علي أن أنقل لرئيستي ما حدث في هذا المشهد وأن هذه السيدة لن تصلح للتمثيل في الإذاعة أبدا حتي في هذه الأدوار البسيطة.
لكنني بعد أن انتهي يوم العمل وخرجت لكي أستقل وسيلة من وسائل المواصلات للرجوع إلى منزلي وعند محطة الانتظار وجدتها مرة أخرى، لمحتها وهي تحمل سلة (شبكة) يظهر منها عناصر الشراء التي أوجعت قلبي بل عصرته عصرا وكان من الواضح أنها اشترت خضارا ولحوما وفاكهة، فجنح خيالي جنوحا كبيرا وتصورت أن هذه السيدة التي جاءتنا للبحث عن عمل لم تكن تملك النقود التي تشتري بها طعاما وغذاء ليومها فحزنت وخجلت وشعرت بتأنيب الضمير لأنني كنت سأقطع عنها مصدرا للرزق تحتاجه احتياجا شديد لقوت يومها.
وذهبت في اليوم التالي لأحدث رئيستي بما شهدته وبقلة إمكانات السيدة (زوزو) وأنها لاتملك الموهبه أو القدرة لكي تتعلم مهنة جديدة هى التمثيل في الإذاعة، لكنني بدلا من ذلك نقلت لها ذلك الألم الذي شعرت به وهذا التعاطف ناحية سيدة كانت جميلة ورشيقة وخلدتها السينما والأفلام، لكنها الآن بعد أن كبرت واصبحت مسنه وليس لديها أي مؤهلات أو جمال أو مقدرة على الرقص والغناء، وقد تكون وحيدة ولاعائل لها أصبحت تحتاج إلى عمل بسيط تقوم به من أجل مواصلة الحياة بعد أن فقدت الجمال والسند.