براعة روجينا، ودروس (سميحة أيوب، ورشوان توفيق) الصامتة في (انحراف)
كتب : أحمد السماحي
قوة الفن في الإقناع .. هذا ما فشل فيه مسلسل (انحراف) تأليف مصطفى شهيب، وإخراج رؤوف عبدالعزيز، حيث قدم لنا أحداث غير واقعية – رغم أنها وعلى حد قولهم مستوحاة من الواقع – فالمسلسل مليئ بشخصيات لا ترتكز على أي أساس، وتتصرف تصرفات لا يقرها أي منطق في عالم مصنوع ومزيف أراد له صانعوه أن يكون واقعيا من خلال وقائع مفتعلة ترتدي مسوح الواقع، وهي بعيدة عنه في تركيبها وبنائها وسير أحداثها وفي وسط هذه الأحداث ماذا يمكن للممثلين أن يفعلوا في مثل هذه التركيبة الخاصة البعيدة عن الانسجام والاقناع؟! .. بالتأكيد مهما بذلوا من جهد في التمثيل فلن يستطيعوا الوصول إلى عقل الجمهور!.
لا أريد أن أروي قصة مسلسل (انحراف) لأن القصة البوليسية لا تروى، ولكن بإختصار المسلسل يقدم شخصية الدكتورة النفسية (حور علوان/ روجينا) التى تستغل وظيفتها وترتكب مجموعة من جرائم القتل لأشخاص تستحق فعلا القتل!، وفي رحلتها في عالم الجريمة تقابل الضابط (شريف نوح / أحمد صفوت) فتتزوجه ومع مرور الحلقات وفي الحلقة 25 يتم القبض على (حور علوان) عن طريق زوجها الضابط الذي اكتشف شخصيتها!.
ومع بداية الحلقة 26 نكتشف أنها ليست (حور علوان) ولكنها (وسام عبدالحميد) المريضة نفسيا التى انتحلت شخصية (حور) زميلتها المريضة نفسيا والتى ماتت في مستشفى الأمراض النفسية، وقبل أن تموت ونظرا لحبها لـ (وسام) اعترفت لها أن لديها ذهب وأموال كثيرة أخفتها في مكان ما وقامت بإخبارها بالمكان، وخرجت (وسام) من المستشفى بعدما انتهى علاجها وقررت أن تذهب للمكان الذي أخبرتها به (حور) – التى جسدتها بشكل متميز للغاية الفنانة (غادة عادل) – وبالفعل وجدت الكنز وقامت بتزوير شهادة طبيبة نفسية وشراء أكثر من شهادة من الدكتوراه الفخرية، وأصبحت طبيبة نفسية مشهورة وقررت الانتقام ممن ظلموها!.
هذه ببساطة قصة (انحراف) وهى قصة مليئة بالمأسي، والمصادفات، والتناقض الحاد بين الخير والشر الذي يميز كل أعمال الميلودراما بشكل عام، كما غلب على الأحداث المط والتطويل، وشاهدنا أبطال من ورق وأحداث لا يربطها منطق ولا تسير على نهج في مزيج مختلط من الواقعية والوعظ الإرشادي المباشر والعبثية الفارغة التى لا معنى لها، فالشخصيات خاصة شخصية (حور) نراها دون مبرر تتصرف تصرفات لا يقرها عقل.
وهناك كراهية سوداء تشع من المسلسل رغم أنها ترتدي مسوح الدفاع عن القيم ولكنها تطفح سما وحقدا لا مبرر له، فالمسلسل يقول لك لا تكن طيبا ولا رحيما ولا حنونا وإلا أكلتك وحوش المدينة، وهذا ما حدث مع الرجل الطيب الحاج (عبدالحميد) صاحب فرن المخبوزات الذي وثق في رجل الأعمال (طلعت الدقاق/ محمد لطفي) فنصب عليه، والحقيقة أن الفنان (رشوان توفيق) جسد بشكل رائع، شخصية الحاج (عبدالحميد) وأعطى دروس في التمثيل من خلال لحظات الصمت بعد أن اكتشف أنه تعرض للنصب وضاع كل ما يملك.
كما بهرتنا بصمتها سيدة المسرح العربي (سميحة أيوب) التى جسدت أيضا العمة (وداد) السيدة الطيبة الحنون التى اتهمت في جريمة قتل ابن شقيقها وهى بريئة منها.!، وتألقت (روجينا) بشكل رائع في الحلقات الخمس الأخيرة وهذا ليس غريبا على (روجينا) هذه النجمة ذات الألف وجه التى تتجمع خصالها كلها في ابتسامة حارة ونظرة حزينة والتصاق حميم بنا وبأحلامنا وبمشاعرنا المكبوتة.
صناع مسلسل (انحراف) جعلونا نحكم عليه من زواية البعد، لا من زواية القرب، ومن زاوية الحدث البعيد لا من زواية الواقع الراهن، والمخرج (رؤوف عبدالعزيز) نجح في أن يجعلنا نحيا الأحداث من خلال بطلته (حور/ وسام)، وأن يجعلنا حتى النهاية محاطين بإشارات الاستفهام، وفى مشهد النهاية التى تظهر فيه (وسام) بعد أن أحرقت نفسها بشخصية جديدة هي المستشارة (فريدة الجبالي)، فى هذا المشهد دفعنا المخرج إلى بئر عميق بلا قرار، بئر الشك والحيرة والضياع!.