بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
مازال لقبه الذي اختاره لنفسه من إحدى مسرحيات أو أوبريتات الشيخ سلامة حجازي وهو لقب (شرفنطح) ما يزال لغزا إلى الآن لم يتوصل أحد إلى اليوم لتفسيره سواء في حياته او مماته.
اسمه الحقيقي هو (محمد كمال المصري) وهو من مواليد القاهرة في نهايات القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1886، وقد عشق الفن منذ طفولته وعمل بأكثر من فرقة مسرحيه في بعض الأدوار الكوميديه حتى استقر مع فرقه الشيخ (سلامه حجازي) مغنيا أجش الصوت يؤدي بعض الأغنيات الكوميدية الخفيفة يقلد فيها الشيخ سلامة، وكان غناؤه وتمثيله يثير إعجاب الجمهور وكان (شرفنطح) مثلا يمثل دور(عجة) وهو بائع صغير يفرش خيمته بجوار أحد جدران البيوت، وقد كتب لافته على الخيمه باسم (عجة) ثم يضيف بعدها عنده كل حاجة ثم يغني متغزلا في زبوناته أو مقلدا الشيخ سلامة حجازي حتى التقطت عيناه الفنان نجيب الريحاني، وكان كثير التردد على كل فرق (عماد الدين وفاطمة رشدي وعزيز عيد ورمسيس والأخوين عكاشة وسليم عطا الله)، وهكذا حتى التقطت عيناه هذا الممثل الهزلي والمغني الذي يقلد الشيخ سلامة حجازي فيثير ضحكات الجمهور.
وبعد انتهاء أحد عروض فرقة الشيخ سلامة حجازي سعي نجيب الريحاني إلى الالتقاء بمحمد كمال المصري وكان له معه حوار طويل.
اسمع يا استاذ كمال: انت شخصيتك وشكلك يلزموني قوي في فرقتي.
ثم يضيف: طبعا انت عارف أنا مين؟
ويرد (شرفنطح) بطريقته الكوميديه: وهل يخفى القمر.
فيواصل الريحاني: خلينا نتكلم في المهم تقبل تشتغل في فرقتي؟!
بسرعه يرد (شرفنطح): قوي.. قل لي حضرتك امتى وأنا تحت أمرك.
ويقول الريحاني: الأصول الاول نستأذن من الشيخ سلامة وهو مش هيرفض وبعدين تبقى تيجلي المسرح وتخش تقابلني على طول.
ثم يستدرك: بس اسمع.. بشرط واحد هو انك تنسى حكاية الغناوي خالص؟
ويندهش (محمد كمال المصري) فيقول متسائلا:
أمال ح اعمل ايه في فرقة حضرتك؟
ويرد الريحاني بكل الثقة: هتمثل وبس.. فاهم يعني ايه هتمثل.. يعني شغل مكتوب وله نظام ودخول وخروج مع أساتذه كبار هتبقى واحد منهم.. ماشي؟!
ورد (شرفنطح) بدون تردد: ماشي.
عن (شرفنطح) يحكي الزعيم عادل إمام (مايو 1940)، وكان في أوائل الخمسينيات طالبا في مدرسة بنين (قادون) الثانوية بشارع محمد علي: كنت من أشد المعجبين بذلك الممثل المنطوي على نفسه، وكنت عالم أنه يسكن إما في اليكانيه (حي من أحياء شارع محمد علي) وإما في الدواديه (حي آخر)، وكنت انتظره بالساعات لأعرف أين تحديدا يقيم.. حتى ضبطته في أحد الأيام عائدا إلى بيته فسرت خلفه من بعيد أراقبه واتتبعه فأجده يدخل من شارع إلى حاره إلى زقاق، وبخطى أسرع هممت للدخول خلفه فلا أجده وأظن أنه قد دخل إلى أحد البيوت.. وأظن والعلم لله إنه كان يعرف طرقا أخرى بين المساكن يدخل منها ليعود إلى بيته في البنكيه أو في الدوادية!
حكايه عادل إمام حكاها لبعض زملاؤه في مدرسة بنين (قادن)، وكان من بينهم قريب لي في حكاها لي.
المهم:
اتصل العمل بين الريحاني ومحمد كمال المسرح فقدم معه عددا من المسرحيات كان منها: (اه م النسوان المحظوظة، علشان بوسة، ياسمينة، نجمة الصباح، مملكة الحب)، حتى أشركه الريحاني في بعض أفلامه التي أدى أدواره فيها ببراعة أدهشت الريحاني نفسه.. كان منها دوره في (أبو حلموس).. أو دوره في (سلامة في خير) أو (سي سي عمر)، وكلها مع أكابر الممثلين في ذلك الوقت كان منهم (سراج منير وعبد الفتاح القصري، عباس فارس، عبد العزيز أحمد، ميمي شكيب، زوزو شكيب، فؤاد شفيق ومحمد كامل) وغيرهم.
كما لعب للسينما أيضا أدوارا لا تنسى مع (إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري وزينات صدقي وعبد السلام النابلسي) في فيلم (بيت النتاش)، وكذلك أمام كوكب الشرق أم كلثوم في فيلم (فاطمة) مع (سليمان نجيب، حسن فايق، القصري، أنور وجدي، حسن كامل) وكذلك فيلم (عفريتة إسماعيل ياسين)، مع (فردوس محمد وكيتي وماري منيب).
ويقول بعض المقربين منه أه كان بلا أصدقاء وأنه ايضا كان حريصا في الوقت نفسه ملتزما بأدواره يؤديها كما ينبغي.. وبالطريقة التي لا يشاركه فيها أحد.
كل هذا كان يؤكد للأستاذ نجيب الريحاني (أبو الكشاكش) أن رأيه فيه كان في محله تماما.. ومن منا يستطيع أن ينسى دوره مع نجيب الريحاني وهو يلعب دور الجار الحسود المناوئ والمشاغب، أو دوره في (أبو حلموس)، وهو السكرتير الذي لا يمكن الضحك عليه فيرفض ورقة اليانصيب الرابحه أو دوره في فيلم (سي عمر)، عندما لعب دور حكمدار البوليس على المعاش ليسرق ميراث أخيه (عمر) الغائب خارج البلاد.. وغيرها.. وغيرها..
رحم الله (شرفنطح) فقد مات ومعه سره الذي لم يعرفه أحد حتى الآن.