بقلم : علا السنجري
لا أحد ينكر أن اسم (إبراهيم عيسى) يعني إثارة الجدل ونقاش لا ينتهي حول قضايا شائكة يثيرها سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف والمواقع الإلكترونية، وربما تكون من الثوابت، وهذه المرة يثير الكثير من الجدل حول عمل درامي من بطولة (نيللي كريم)، التي أصبحت أحد أقوى نجوم رمضان .
يناقش عيسى في مسلسله الرمضاني (فاتن أمل حربي) قضية الحضانة والنفقة للمرأة بعد الطلاق، ومشاكل القانون الذي قد ينصف ظالم ولا يعطي للمظلوم حقه، وذلك من خلال (فاتن) الزوجة التي تعيش تحت وطأة العنف الأسري مع زوج مدلل من والدته، يتصرف بمنتهى الأنانية معها، يرى إنه كلما أهانها أو قلل من شأنها ستخضع له، إلا أنها صاحبة إرادة قوية لم تستسلم ولم تقبل بدور الضحية وتقرر الانفصال حتى تستطيع تربية بناتها بلا مشاكله، لكنه يرفض فكرة طلبها للانفصال، لا يرى سوى حقوقه كرجل وكيف ينتقم منها ؟!.
المؤلف هنا يحاول استغلال نجاح فيلم (أريد حلا)، وهو أمر أراه ظالم جدا للفيلم الرائع لسيدة الشاشة العربية، والذي يعتبر نموذج في السينما المصرية لسيدة لجأت لساحة القضاء لتحصل على حقوقها بعد الطلاق وانتهت برفض الدعوى مما أثر حينئذ في تغيير قانون الأحوال الشخصية، لكن من وجهة نظري لم يكن المؤلف حياديا بما يكفي ليؤثر في تغيير القوانين حاليا .
في الحلقات الأولى قدم المسلسل (فاتن) على أنها حالة افتراضية تسعى للحصول على النفقة إلا أنه أقحم شخصيات كثيرة بعرض مشاكلهم مما يدخله نفق الحشو والمباشرة، متناسيا أن هناك نماذج لسيدات مثل البطل (سيف) تتخذ من أولادها سببا لتجريد الزوج من الشقة والمال ولا يرى أولاده إلا ساعتين بحسب الرؤية المحددة، فإذا كان هناك نية لهذا العمل لتغيير القوانين كان لابد أن يراعي التنوع في المشاكل بعد الطلاق سواء كان رجل أو سيدة، لابد من أي قانون أن يراعي مصلحة الأبناء وليس الأب ولا الأم الذين يتفننوا في أذية كل منهم دون مراعاة أبناءهم .
لا أعرف كيف نحقق المعادلة ونختار الأصلح للحضانة فلا يوجد مقياس أو نظرية يمكن العمل بها، ولكن لماذا لا تكون هناك مرونة ويتم دراسة كل حالة على حدة فقد تكون الأم أجدر بالحضانة والولاية التعليمية وقد يكون الأب أو أحد الأجداد، وربما يتم فرض مراقبة قانونية من أي أخصائي اجتماعي، كل هذه الأسئلة كان يحب طرحها.
مع نسب الطلاق المتزايدة في الآونة الأخيرة بمصر فلا أعتقد أنه لا يوجد بيت مصري لم يعاني مع الإبنة أو الإبن مصاعب مع بعد الطلاق من محاضر تبديد العفش والصراع على النفقة والحضانة وساعات الرؤية….إلخ، ربما هذا ما دفع البعض للدفاع عن هذا العمل لأنه يجسد واقع .
أحداث المسلسل تتشابه إلى حد كبير مع أحداث المسلسل التركي (عليا)، ففي العمل التركي البطلة أيضا تعاني في حياتها الزوجية من تسلط أم الزوج التي تطلب الطلاق بعد اكتشاف خيانة زوجها، لتبدأ رحلة معاناتها مع قضايا الحضانة، ثم اختطاف ولديها على يد طليقها ليجبرها على العودة إليه، كما فعل سيف، ربما هو تشابه في الأحداث وتشابه في بعض الشخصيات كما أن هناك تشابه في بعض المشاهد، إلا أن الكاتب استطاع وضع البهارات الخاصة به والتي أثارت جدلا واسعا.
جاء على لسان البطلة في أكثر من مشهد جمل تحمل معنى أن الدين لم يشرع هذا وأين كلام ربنا وأسئلة فقهية كثيرة مما أثار غضب بعض المتابعين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتساءل الكثير: هل تم عرض السيناريو والحوار على لجان متخصصة بالأزهر، لتأتي الإجابة أن الرقابة على المصنفات الفنية هى المسئولة عن مراجعة أي نص أجتماعي، والعمل ليس دينيا مما جعل فريق العمل يعتمدوا على ذلك واكتفوا بمراجعة الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي يملك فكرا ربما يتوائم مع أفكار العمل إلى حد ما، وتعاطفه مع السيدات الذين يعانون مشاكل البطلة .
مع عرض الحلقات اليومي يثير مسلسل (فاتن أمل حربي) الجدل الواسع بين المشاهدين خاصة مع بداية ظهور رجل الدين فالبعض يراه صادم لصورة رجل الدين المعتادة في الأذهان، خاصة تكرار لقائه بها وخروجه بملابس كاجوال، بل في أحد المشاهد يتابع (فاتن) وهى تسير مع بناتها وفي الخلفية أغنية لأم كلثوم .
ربما كل هذا دفع الأزهر لإصدار بيان، وحذر من المساس بآيات القرآن يوضح فيه دعمه الدائم للإبداع الواعي، وأكد على عدم السماح بهدم مكانة السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع، كما أكد البيان على عدم تشويه صورة رجل الدين حيث لا توجد كهنوتية في الإسلام .
أثار المسلسل أيضا قضية أخرى ألا وهي رفض الفنادق المصرية إقامة السيدات دون سن الأربعين دون محرم، وهو أمر نفته كل من وزارة الداخلية والسياحة فقد صرحت كل منهم عدم وجود أي قرار صادر بهذا الأمر .
كما أثار المسلسل موضوع إثبات حالة اليسر أو العسر المادي للمدعى عليهم أمام محكمة الأسرة والطرق المختلفة لإثباتها .
كلمات الدكتور مدحت العدل في تتر البداية تؤهلك لأحداث العمل وما ستقوم البطلة به: (أنا مش ضعيفة وليا في الحياة فترة.. ومش قادرة أكون كومبارس على المطرح وقادرة زي ما أنجرح أجرح.. قراري من دماغي.. أنا الإرادة وطايرة في الحياة بجناحين.. وعارفة طريقي سكته فين.. وية غنية عن التعريف.. أنا الإرادة)، صوت أنغام المتميز بنبرة الحزم يتوج الكلمات بألحان احمد العدل .
الإخراج من جانب محمد جمال العدل نجح في اختيار أدق التفاصيل، استطاع (ماندو العدل) ومدير التصوير محمود يوسف تصوير كل التفاصيل في بيوت وشوارع ومحاكم حقيقية.
(نيللي كريم).. تلك القطة القطيفة التي تعرف أدواتها جيدا وكيف تستغلها، قدمت دور (فاتن) الزوجة التي يمارس زوجها العنف النفسي والجسدي في كل الأوقات يقلل من شأنها، وإحساسها بالظلم في الحصول على حقوقها في المحاكم، فكانت أغلب المشاهد بلا مكياج، ملابس بسيطة وتسريحة شعر بسيطة جعلت أغلب السيدات يتعاطفون معها. أداء نيللي كريم شخصية (فاتن) بهذا الإتقان جعل المشاهد لا يركز على التناقض بين كونها امرأة يتم تعنيفها وضربها يوميا على يد زوجها مغلوبة على أمرها تتجنب اعتداءه عليها بطاعة أوامره ليست بهذا التحدي في ردة فعلها معه .
(شريف سلامة).. اتجاه جديد له ليثبت إنه موهوب بشكل مخيف ليقدم دور (سيف) بواقعية شديدة، فهو ذلك الرجل الذي لا يتقبل رفض زوجته له وطلبها للطلاق ومحاولات اذلالها وكسرها دون مراعاة لنفسية بناته، مغيب بسبب تربية والدته له ليصبح أناني. من وجهة نظري من مقعد المشاهد هو أفضل الشخصيات المرسومة بعناية في هذا العمل .
(محمد ثروت وحاتم صلاح).. قدما نماذج لمحامين الأحوال الشخصية في مصر، جيلان علاء قدمت دور راندا الجاد لتحقق نجاح مثل ما حققته ككوميديان، ضيوف الشرف كل من الفنان (أحمد صادق و لمياء الأمير ومحمد الصاوي، قدموا أدوارهم بإجادة ليثبتوا أن الدور ليس بحجمه .
ربما الميزة الأهم في هذا العمل هو عودة الفنانة (فادية عبد الغني) إلى الدراما مرة أخرى،فهى تبهرك بتلقائية وسلاسة الأداء لتؤكد أنها حقا السهل الممتنع .
قدم الفنان محمد تاجي (الكيوتي كما أطلقت عليه) دور (شفيع) بإداء راقي ليشبه شخصية (عزيز بيه الأليط) في كاريكاتير مصطفي حسين ليكتمل رسم الشخصية بالعصاية و الوشاح والخاتم وارتداء البدل .
(هالة صدقي).. لها مذاق مصري حين ترى وجهها على الشاشة ،لديها طاقة بهجة تعبر بصوتها وملامح وجهها عن الشخصية التي تقدمها فجاءت شخصية (ميسون) رائعة في رقة وحنو بالغ.
(خالد سرحان).. قمة النضج الفني في أداء دور القاضي الذي يجب أن يتحمل عبء الحكم في أكثر من مائتي قضية ومحاولة التزامه الكامل بالقانون، استطاع التحكم في تعابير وجهه ومشاعره، يخرج طاقته الإبداعية لمحاولة تطبيق روح القانون وهي العدالة .
(ياسمين موافي).. رهيبة بمعنى الكلمة في مشهد حصلت على (ترند) وتثبت أن المثل القائل (ابن الوز عوام )، لتقدم دور المرأة المسيحية التي حكم عليه القانون بالحبس مع رجل لم تعد تستطيع معاشرته، وكذلك (أحمد ماجد) موهبة جيدة جدا حيث قدم الشيخ الذي يبحث عن (الترند) والظهور دون تجديد، أما (محمد الشرنوبي) فقد كان اختياره جيدا ليقدم دور (الشيخ يحيى)، ونفس الأداء الجيد يحسب لـ (أحمد طلعت) في دور (ابن عم سيف) الذي لفق سرقة الشنطة لفاتن .
وفي النهاية يمكنني القول: بين الواقع المصري فيما يحدث بعد الطلاق والدراما التركية قدم (إبراهيم عيسى) توليفة خاصة به بين مؤيد ومعارض، وهو ما يصب في خانة نجاح المسلسل في جذب الجمهور لأحداثه على قدر إثارتها للجدل.